وجهة نظر

ماذا يريد المغرب من أفريقيا ؟

يبدو أن عهد القوافل التجارية نحو جنوب الصحراء الكبرى لم يعد مجرد حكايات أسطورية قديمة، بل أعيد إحيائها في ثوب جديد، من خلال التسابق الكبير الذي بدأت تسير على دربه الدول والشركات الدولية العملاقة، وصولا إلى تلك الأرض الطبيعية العذراء، ليس لتصوير الأفلام الوثائقية حول الحيوانات النادرة، بل من أجل استغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية.

المغرب انتبه إلى ضرورة العودة إلى أفريقيا، ولو بشكل متأخر، بعدما دخلت لهذا السباق دول من قبيل الصين وتركيا وإسرائيل إضافة إلى الدول الاستعمارية التقليدية كفرنسا وبريطانيا، وهو ما يظهر جليا من خلال ازدياد وثيرة الزيارات الرسمية للعاهل المغربي لعدد من الدول الأفريقية كان آخرها زيارته للسينغال ، حيث ألقى خطابا له دلالة رمزية من هناك بمناسبة المسيرة الخضراء، يبقى عنوانها العريض هو ربط شراكات تعاون وتبادل تجاري، نظرا لمدى تأثير العلاقات الاقتصادية والتجارية على ما هو سياسي، كأسلوب ونهج جديد يتغيى دفع وإقناع العديد من الدول الأفريقية للعدول عن قرارها بالاعتراف بجبهة البوليساريو الانفصالية.

بقدر ما استبشر الرأي العام الوطني بقرار المغرب الرسمي بعودة المغرب إلى أحضان الاتحاد الإفريقي، بقدر ما تساءلالمغرب الشعبي عن ظروف وحيثيات هذا القرار المفاجئ، نعم المفاجئ لأنه لم يسبقه نقاش عمومي لا داخل غرفتي البرلمان ولا بين مكونات المجتمع المدني، مما يعيد مرة أخرى إشكالية آخذ القرار في المجال المحفوظ، أي مجال السياسة الخارجية، خصوصا وأن هذا القرار وضع المغرب في وضعية حرجة، مع تأخير صدور الحسم في طلب قبول المغرب للعودة للاتحاد، مما يوحي بأن مسألة العودة لن تكون بالمسألة السهلة، وأنه يمكن أن تصطدم بصعوبات قانونية وسياسية متعلقة بميزان القوى داخل الاتحاد، الشيء الذي يطرح تساؤلات، هل هذا القرار كان مدروسا بدقة، يأخذ بعين الاعتبار موقف الدول المؤثرة على المستوى الأفريقي، والتي للأسف توجد في صف جبهة البوليساريو، من قبيل جنوب أفريقيا ونيجيريا، ثم ماذا لو عرقلت هذه الأخيرة طلب المغرب، هل سيكون بمثابة انتكاسة جديدة للدبلوماسية المغربية، ومن يتحمل المسؤولية في ذلك.

من جهة أخرى، قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي هو في الأصل اعتراف ضمني بعدم صواب عملية الخروج منه منذ فترة طويلة، حيث إلى حدود الساعة لم توضح السلطات الرسمية بتفصيل دواعي العودة، والشروط التي اجتمعت لاتخاذ هذا القرار.

لا شك أن انفتاح المغرب في علاقاته مع بعض الدول الأفريقية، يحمل في طياته بعدا اقتصاديا، من خلال التعاون في مجالات حيوية كالبناء والعقار والبنوك والاتصالات، لكن هذه القطاعات في غالبيتها هي في ملكية القطاع الخاص ونخبة من رجال الأعمال المغاربة المعروفين، مما يجعلنا نتساءل عن المستفيد الأكبر من هذه الاستثمارات، وهنا تغيب عنا الأرقام والدراسات العلمية عن مستوى استفادة الاقتصاد المغربي من قبيل هذا النوع من العلاقات.

حقيقة لا يمكننا إلا أن نتفاءل بسياسة الانفتاح على دول القارة الافريقية، لكننا في نفس الوقت نرى أن المغرب تواجهه تحديات صعبة، فمسألة الامتداد الاقتصادي في اتجاه أفريقيا، تفترض توفر البلد على اقتصاد قوي ومؤسسات وطنية عملاقة، لها القدرة على الاستثمار في قطاعات حيوية، كالطاقة والمعادن والصناعة، وهي شروط مازالت غير متوفرة بالشكل المأمول، فضلا على مشاكل البلد الاقتصادية، حيث مشاكل البطالة والفقر والصحة والتعليم وضعف الإنتاج الصناعي، مما يجعل المواطن يستغرب من تخصيص دعم وإعانات ومساعدات مالية ولوجستيكية لدول أخرى، في حين أن المواطن المغربي هو أولى بها، فيختلط الأمر وتعمه الضبابية، هل يتعلق بسياسة مدروسة وفعالة، أم مجرد فرقعة إعلامية.

من جانب آخر، هل سينفتح المغرب مستقبلا على أفق جديد وأكبر ليقارع الكبار، من خلال الانتقال من ما هو سياسيي واقتصادي إلى المجال العسكري، خصوصا وأن الدول الغربية الكبرى كفرنسا وألمانيا وأمريكا مستمرة في زرع قواعدها العسكرية بعدد من الدول الأفريقية الإستراتيجية، لكن هذا الأفق على أهميته الحيوية، يفترض من المغرب التوفر على قدرات عسكرية كبيرة ومتطورة، خصوصا وأن أفريقيا قارة كبيرة وشاسعة، الشيء الذي يستوجب سلاح جوي فائق التطور، يوظف طائرات بدون طيار للمراقبة وجمع المعلومات، التي أصبحت كنزا ثمينا، يُمَكن من تَعقب الجماعات الإرهابية لتجنب الأخطار المحتملة، وبناء الاستراتيجيات الوقائية.

إن توجه المغرب الاقتصادي صوب أفريقيا، يفترض تكوين شبكة من المصالح مع القادة الأفارقة وأنظمتهم السياسية، مما يطرح على المغرب تحديات عسكرية، بالأخص مع ظاهرة الانقلابات والثروات على الأنظمة، مما يضع المغرب أمام خيارات دعم الأنظمة ومساندتها ماديا وعسكريا، بل حتى التدخل يشكل مباشر للحفاظ على مصالحه الاقتصادية، كما تفعل فرنسا.

هذه الإطلالة الإستراتيجية على رسم أفق المستقبل، يمكن أن تكون ضربا من الحلم، إذا ما أدركنا ميزان القوى على الساحة الدولية، حيث القوى الكبرى غالبا ما تتدخل في قرارات الدول المحسوبة على الدول الضعيفة، بل ترسم لها خطوطا حمراء من الصعب تجاوزها، خصوصا إذا تعلق الأمر بمصالحها الإستراتيجية والعسكرية.

المغرب يتوفر على مقومات محترمة، تشكل نقط قوة إذا ما أحسن استغلالها، فالإشعاع الديني والثقافي، الذي تحمل جذوره الزوايا والطرق الدينية، وكذا ارتفاع وثيرة الطلبة والجاليات الإفريقية في المغرب،وللدور الذي يمكن أن يلعبونه عند عودتهم إلى بلدانهم كسفراء للنموذج الثقافي المغربي.

في كثير من الأحيان، ننسى أننا جزء من أفريقيا، لكوننا نتجه دوما ونلتفت غالبا إلى ضفة البحر الأبيض المتوسط لنطل على أوروبا، لكن زمن أفريقيا قادم بقوة، إنها قارة الغد والمستقبل كما يقولون، التي يجب أن نتسلح لها على شتى الأصعدة لفرض مكانتنا داخلها.