سياسة، مجتمع

خبراء يحللون مقومات الدولة الاجتماعية وإمكانية إنجاحها في ظل النيوليبيرالية (فيديو)

ندوة مركز بنسعيد أيت إيدر بحضور نجيب أقصبي وكمال لحبيب وجمال لخليل

في إطار مساهمته الفكرية في النقاش الدائر حول إرساء دعائم مشروع الدولة الاجتماعية، عقد مركز محمد بنسعيد أيت إيدر للأبحاث والدراسات، ندوة عنوانها “الدولة الاجتماعية”، أطرها ثلة من الأساتذة الباحثين والخبراء، في الاقتصاد والسوسيولوجيا والتاريخ وأعضاء المركز، منهم نجيب أقصبي وكمال لحبيب وجمال خليل الذي ألقى مداخلته الكاتب والمؤرخ مصطفى بوعزيز.

وركز الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي في مداخلة بعنوان: “الدولة الاجتماعية-المسار والمقومات”، على لفظ “الدولة الاجتماعية”، باعتباره مصطلحا قديما جديدا، مشيرا إلى أن هذا المصطلح، برز إلى الرأي العام العالمي، منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ومنذ عقود نسمع بمصلحات “دولة الرفاه والدولة الاجتماعية”، وبالعودة إلى الكتب القديمة، نجد أن العمال في فرنسا في عهد بونابارت، طالبوا بالاهتمام بالدولة الاجتماعية، برعاية حقوق الأفراد داخل المجتمع.

وتحدث أقصبي في مداخلته، عن نماذج ومقومات وشروط الدولة الاجتماعية، حيث أوضح أن الدولة الاجتماعية تقوم على في الغالب، على نظامين، هما نظام التأمين، بمعنى اشتراك المواطن في هذا النظام مقابل الولوج إلى الخدمات، ثم نظام المساعدة والمقصود به الدعم، الذي يتطلب وجود المواطن في وضعية لا يتوفر فيها على إمكانيات بمواجهة مخاطر الحياة، حيث تتدخل الدولة في هذا الصدد، عن طريق التمويل بالضرائب التي تمثل اشتراك جميع المواطنين لدعم المواطن لولوجه إلى الخدمات الضرورية.

وعن نماذج الدولة الاجتماعية، ذكر منها الخبير الاقتصادي،”النموذج المحافظ أو الفئوي، (يعتمد على التأمين) كنموذج تاريخي، مزاياه تعني المجتمع ولكن يبقى له طابع منحصر على بعض الفئات، وتوزيع هذا النموذج يتم بأسلوب أفقي من فئة إلى فئة، أو عمودي من جهة إلى جهة”.

أما النموذج الثاني، فأوضح أنه “يعتمد على المساعدة أكثر من التأمين، انطلاقا من الضرائب كمصدر تمويل، وتوزيعه يتم بأسلوب أفقي”، إذ شدد على أن جل بلدان العالم، تعتمد خليط نماذج الدولة الاجتماعية القائم على نظام التأمين والمساعدة، بينما تغلب دول أخرى كفة المساعدة على حساب نظام التأمين”.

ومن حيث مقومات وشروط الدولة الاجتماعية، شدد على وجود ثلاثة مقومات، سياسي واجتماعي ومالي، “أما المقوم السياسي، فأشار إلى أنه يعتمد على تدخل الدولة، وهو ما وقع في ازمة 2008 وأزمة كورونا، من خلال تدخل الدولة، بناء على رؤية وبرامج لخلق نجاعة اقتصادية،” ومن الناحية المالية، “فالدولة الاجتماعية بنيت على ضرائب ونفقات، كميزانية للدولة، باعتبارها تسلم هذه الضرائب كموارد للتمويل وضخها كنفقات في مساعدة الطبقات الهشة، وأيضا لتطوير الصحة والتعليم”، معتبرا بأن المقوم المالي من خلال ميزانية الدولة، “يلعب دورا محوريا في المضي قدما بمشروع الدولة الاجتماعية”.

وعن الحالة المغربية فيما يتداول حول مشروع إرساء دعائم الدولة الاجتماعي، قال أقصبي، “إن بناء هذا المشروع، انطلق من خطاب ملكي، مرورا بوضع قانون إطار، قدم أهدافا وجدولا زمنيا، قسم تحقيق مشروع الدولة الاجتماعية، على أربعة مراحل”. ولم ينفي الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي في مداخلته، بأن “مشروع الدولة الاجتماعية، نظريا، شيء عظيم سيذكره التاريخ، لكن من واجب الأكاديمي كما المواطن، أن يتساءل حول مقومات هذا النظام، والتجارب التي نجحت في تحقيقها”، حيث إنه من الصعب التنبؤ بنجاح المغرب في اعتماد المقومات المشار إليها لإنجاح المشروع الاجتماعي”.

كما تساءل أقصبي على “فعلية وجود القدرة على التفاوض في مضمون الدولة الاجتماعية بين السلطة والسلطة المضادة، ثم هل يتوفر المغرب على سياسة يمكن معاينتها”، حيث إن سياسة المغرب، حسب تعبيره ” غير مستقلة، لقيطة تابعة لدول أو لمنظمات مالية تملي علينا القرارات” حسب تعبيره. وعن النظام الضريبي، كمورد لتمويل نظام المساعدة في إطار إرساء مشروع الدولة الاجتماعية، جزم أنه غير قادر وغير كافي بما هو عليه اليوم لإنجاح هذا المشروع، بينما شدد على اعتماد إصلاح ضريبي، لإنجاح تمويل مشروع الدولة الاجتماعية كما يجب دون ديون”.

وفي مداخلة بعنوان “هل الدولة الاجتماعية بديل للنظام النيوليبيرالي”، تحدث كمال لحبيب عن استحالة تحقيق مشروع الدولة الاجتماعية، في ظل نظام رأسمالي نيوليبيرالي مبني على التمييز الطبقي أو على أساس التمييز بين النوع والعرق واللون.

وذكر أن “ما عاشه المغرب في العشرين سنة الماضية، أبرز أنه ليس بدولة اجتماعية وإنما دولة ضد المجتمع”، نافيا ” أن تكون الدولة الاجتماعية وليدة التفكير اليساري، لأن العلاقة بين الدولة والنظام اليساري ونظام النيوليبيرالية، كانت عبارة عن قوات، وتصاعد هيمنة لثقافة النيوليبيرالية”.

وشدد على أن النظام الضريبي، “تتجلى قوته ودوره في إنجاح مشروع الدولة الاجتماعية عن طريق إلغاء الديون على عاتق الدولة”، مضيفا أن مشروع الدولة الاجتماعية في المغرب ونجاحه في حاجة إلى “اعتماد اصلاحات شمولية تأخذ بعين الاعتبار المساواة بين الجنسين”، مبرزا أن “الوضع بالمغرب اليوم، معقد يفرض إدخال عناصر جديدة في التحليل، حيث لا يمكن للمصطلحات القديمة أن تساعد على فهم الوضع الحالي”.

وفي مداخلة كتبها أستاذ السوسيولوجيا جمال خليل، الذي تعذر عنه الحضور لأسباب صحية، ليلقيها نيابه عنه الكاتب والمؤرخ  مصطفى بوعزيز، في موضوع عنوانه “هل يمكن للدولة أن تكون اجتماعية”، فرق خليل بين الدولة التي تسيرها الأقلية والمبنية على القوة والسلطة والعنف، وبين البعد الاجتماعي الذي يعتبر أساسه، التضامن والتآخي بين مجموعات بشرية مكونة للمجتمع، هدفها مساعدة الضعيف والفئات الهشة.

وتساءلت ذات المداخلة، ما إذا كان ممكنا الجمع بين مقومات الدولة والبعد الاجتماعي، أي الجمع بين القوة والسلطة وبين التضامن والهشاشة”. مجيبا عن هذا السؤال، “بأن الدولة التي تسيرها مجموعة بشرية محدودة فارضة لنفسها في إطار الأتوقراطية والثيوقراطية، مختارة من طرف أغلبية مجتمعية عبر التصويت، تبقى أقلية تبحث عن شرعيتها في تعاملها مع مجموعات تُكون البعد الاجتماعي، مستعلمة في ذلك التوجه الأمني لضبط هذه المجموعات، وفي حالات محدودة تتعامل الأقلية المكونة للدولة مع مجموعات بشرية مكونة للبعد الاجتماعي، من أجل إعادة إنتاج قوتها وليس من أجل تدبير الضعف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *