مجتمع

فندق ابن عائشة.. قصة بناية منسية بالرباط آوت قوافل التجار قديما فصارت مجمعا للحرفيين (فيديو)

فندق بن عائشة

هنا على الضفة الغربية لنهر أبي رقراق، وعلى الجانب الشرقي لشارع القناصلة ممر الساسة والسفراء، وقبل قرون من الزمن، كان فندق ابن عائشة أحد أوجه الزخم برباط الفتح، شاهدا على الكثير من الأحداث السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي عرفتها المملكة المغربية، معلمة رسمت بعض أوجه الماضي التليد، وإن لم ينصفها الحاضر.

فندق ابن عائشة تحفة عمرانية، تخفي وراء جدرانها روعة معمارية بلمسة محلية ونفحة مورسكية أندلسية، جامعة بين عبق الماضي وأريج الحاضر، في إحدى الصور الدالة على الغنى الثقافي، والثراء الحضاري للمملكة المغربية.

تم تشيد فندق ابن عائشة، حسب المعطيات الشفاهية المتداولة، في القرن السابع عشر، خلال فترة حكم المولى إسماعيل، وتم تخصيصه كما يظهر من هندسته لإيواء القوافل التجارية آنذاك، يتكون الفندق من طابق سفلي، وآخر علوي يتوسطهما رواق خصص فيما مضى لعقل الدواب والرواحل.

يضم الفندق عددا من الغرف لاستقبال الوافدين، وقد أضحت اليوم عبارة عن دكاكين لمزاولة الحرف التقليدية المغربية، التي توارثها الصناع والمهرة عن الآباء والأجداد، وتتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تدبيره، كغيره من الأملاك الحبسية.

في الدكان الأول على يسار المدخل العلوي للفندق يجلس عبد الحبيب المعادي، وهو شيخ سبعيني أمضى سنوات عديدة من عمره في صناعة المعدات الجلدية التقليدية، يتحدث عن تاريخ المكان بنبرة افتخار، فيقول: ‘‘إن تاريخ المكان يناهز 4 قرون، وقد تم تشيده من قبل زوجة أحد السفراء‘‘، ويضيف ‘‘إن الاسم الحقيقي للفندق هو فندق ابن عائشة، في حين أن الاسم المتداول هو فندق بنعيسى‘‘.

تعرض الفندق للإهمال لوقت طويل من الزمن حتى أنه بدأ في الانهيار والتلاشي لولا التدخل الحكومي، الذي عمل على رد الاعتبار إلى هذه التحفة الفنية، حيث تم العمل على ترميمه وتأهيله، وإرجاعه إلى سابق عده، هكذا قال المعادي، وفرحت الرجوع للمكان بادية على محياه، مشيرا إلى نقل جميع الصناع التقليديين المتواجدين بالفندق إلى دار الصانع بالرباط، خلال فترة الترميم، حيث مكثوا  لما يقارب أربع سنوات.

عبد الله لشكر صانع تقليدي آخر بالفندق، وأحد الشباب الذين نشؤوا بالقرب منه، يقول: “ولدت بالقرب من الفندق وأنا أحد الصناع التقليديين به الآن‘‘، ويضيف‘‘ قبل مرحلة ترميم الفندق كان الكل يتخوف من زيارته، لم يكن السياح يعرفون بوجوده، أما اليوم فقد أضحى أحد الأمكنة المميزة للعاصمة الرباط‘‘.

على الجانب الأيمن من مدخل الفندق بالطابق الأرضي يتوسط دكان الحرفي التشكيلي محمد الكاز المكان، وهو أحد الملتحقين الجدد بعد ترميم الفندق، وقد كشف الكاز عن سر الاختلاف الحاصل في اسم الفندق حيث قال‘ ‘الاسم الحقيقي للفندق هو ابن عائشة، أم الاسم المتداول‘‘ بنعيسى، ‘‘ فهو يعود إلى أحد أشهر الحرفيين بالمكان، مضيفا أن ابن عائشة هو اسم من شيد الفندق، في حين أن اسم بنعيسى يعود لأحد الحرفيين”.

المشترك بين جميع الروايات المتداولة حول الفندق هو لفظ ‘‘السفير ابن عائشة‘‘، ونظرا لغياب مصادر تاريخية حول المكان وقلة الملمين به، واستحضارا للفترة التي تم خلالها تشييد الفندق، فإن اسم ابن عائشة هو ذاته اسم لأحد سفراء المغرب التاريخيين.

وقد عرف السفير ابن عائشة بنجاحه في ميدانين متناقضين كأشد ما يكون التناقض، أولهما ميدان الحربية البحرية، والثاني ميدان الدبلوماسية المغربية. كما جاء في العدد 146 من مجلة دعوة الحق.

رجع السفير ابن عائشة للمغرب حيث استقر بالرباط وحيث توفر على ثروة مادية كبرى مما جعل خليفة المولى إسماعيل بمكناس (الذي تولى الحكم مدة غيبة المولى إسماعيل بالحدود الشرقية)‘‘. وإذا كان المؤرخون المغاربة قلما يتحدثون عن هذه الشخصية اللامعة في عصرها فإن المؤرخين الغربيين أسهبوا في الحديث عنه لما كانت له من شهرة في عصره بأوروبا، تضيف المجلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *