خارج الحدود

“متلازمة السحق”.. مرض قاتل يهدد حياة الناجين من زلزال تركيا وسوريا

لم تنته مأساة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، والذي خلف عشرات الآلاف من القتلى والمصابين، فمتلازمة الهرس أو السحق تظهر عند الناجين الذي ضغط الركام على أطرافهم السفلية والعلوية.

وكان من ضمن هؤلاء الناجين من تحت الأنقاض الطفلة شام التي أخرجها الدفاع المدني السوري بعد 40 ساعة من بين الأنقاض بريف إدلب، وكانت الطفلة ذات الثماني سنوات قد أمضت طوال هذه الساعات تحت الركام والحائط يضغط على أطرافها السفلية.

وتتلقى شام العلاج حاليا في أحد مستشفيات ريف إدلب، لكنها تواجه حالة مرضية خطيرة قد تؤدي إلى بتر ساقيها تسمى متلازمة الهرس أو السحق، إذ يتسبب الركام بالضغط على الأطراف العلوية والسفلية من جسم الإنسان.

كما يهرس المرض العضلات والأنسجة والعظام، فيتوقف تدفق الدم إلى هذه الأطراف، وتتمثل أعراض متلازمة الهرس بوجود تورم حاد في الأطراف وتغيير لونها وفقدان الإحساس وإدرار البول.

تفاصيل المرض

متلازمة الهرس (Crush syndrome)، وتدعى أيضا متلازمة الانحلال العضلي الرضي (traumatic rhabdomyolysis)، هي حالة يتم فيها تدمير الخلايا العضلية الهيكلية الموجودة في الأطراف بفعل قوة خارجية ضاغطة، مما يؤدي إلى خروج محتويات الألياف العضلية وانتشارها في الدوران الدموي.

الدكتور محمد عبد القادر خطيب، وهو اختصاصي في جراحة العظام، يقول إن المتلازمة تنجم بشكل عام عن انضغاط طويل الأمد بجسم ثقيل للعضلات الهيكلية الموجودة في الطرفين السفليين خاصة، كما هو الحال في ضغط جدار إسمنتي ثقيل إثر انهيار مبنى ناجم عن قصف حربي أو كارثة طبيعية كالزلزال الأخير.

ويضيف في حديث لموقع قناة “الجزيرة”، أن “الانضغاط المستمر لساعات أو أيام يؤدي إلى نقص التغذية الدموية للألياف العضلية، مما يؤدي إلى موتها وخروج البروتين العضلي (Rhabdomyoglobin) وانتشاره إلى الدوران الدموي، كما يخرج البوتاسيوم الخلوي والكرياتين كيناز (Creatine kinase) العضلي وينتشران في الدوران الدموي أيضًا”.

ويشير الطبيب السوري إلى أنه يتم تشخيص متلازمة الهرس بوجود ارتفاع شديد في البوتاسيوم والكرياتين كيناز في التحاليل الدموية، إضافة إلى وجود انخفاض محتمل في مستويات الكالسيوم في الدم وتطور الحماض الاستقلابي (Metabolic acidosis) عند المريض.

مع وجود كميات كبيرة من البروتين العضلي في الدم بشكل يفوق قدرة الكليتين على تصفيته من الدم وتصريفه في البول، ومع ترسب هذا البروتين العضلي في الأنابيب الكلوية تتوقف الكليتان عن العمل ويصاب المريض بالقصور الكلوي الحاد (Acute renal failure)، وتتوقف الكليتان عن طرح البول خارج الجسم، مما يزيد الحالة سوءا، الأمر الذي يتطلب خضوع المريض لجلسات غسيل الكلى.

وأشار الدكتور محمد عبد القادر خطيب في حديثه للجزيرة نت إلى أنه مع الشك بمتلازمة الهرس وقبل تطور القصور الكلوي يجب البدء بإعطاء المريض كميات كافية من السوائل الوريدية حتى تسهل عملية تصريف البروتين العضلي عبر الكليتين، و”كذلك لا بد من قلونة الدم لمعاكسة الحماض الاستقلابي من خلال إعطاء مركبات البيكربونات الوريدية (Bicarbonate)”.

ويعتبر أنه “عند تطور القصور الكلوي فلا بد من تقدير حجم السوائل الوريدية المطلوبة وتعويض الكالسيوم وخضوع المريض عند الحاجة لجلسات غسيل الكلى حتى حدوث الشفاء من القصور الكلوي”.

وكشف أنه في الزلزال الأخير وردت العديد من الحالات التي تعاني من متلازمة الهرس إلى المستشفيات العاملة في شمال غرب سوريا، وكانت شدة الحالات مرتبطة بالفترة التي قضاها المريض تحت أنقاض الكتل الإسمنتية الثقيلة، وتقدر نسبة الحالات التي وردت إلى المستشفيات من مجموع الإصابات عامة بحوالي 10%، مما شكل ضغطًا كبيرًا على أقسام العناية المشددة ومراكز غسيل الكلى في المستشفيات.

بدوره، يقول معاوية الأحمد الطبيب في مستشفى تابع للجمعية الطبية السورية-الأميركية (sams)، إن نسبة حدوث متلازمة الهرس في المنطقة التي يضربها الزلزال تكون من 2% إلى 15%، 50% منهم قد يصابون في الكلى.

وعن الصعوبات والعوائق التي يواجهها القطاع الصحي، أشار الطبيب السوري إلى أن العائق الكبير هو أن منظومة الإسعاف ضعيفة وغير مجهزة تماما، إضافة إلى وجود ضعف في وحدات غسيل الكلى.

وأضاف أن هذه الظروف قد تؤدي إلى نسبة وفيات كبيرة، لكون الإصابة بأمراض الكلى تشكل خطورة وتهدد حياة المريض، وقد تتطور إلى اضطرابات وأمراض في القلب.

ويشير في حديثه إلى أن “هناك نسبة من المرضى بدؤوا بالاستجابة للعلاج، وأصبح عندهم إدرار جيد للبول”، مؤكدا أن بعض المرضى احتاجوا فقط إلى جلسة أو جلستين تعافت بعدهما الكلى وعادت إلى وضعها الطبيعي.

* المصدر: الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *