مجتمع

ثلاث قضايا حارقة أججت غضب الشارع المغربي بعد 20 فبراير

منذ موجة المظاهرات العارمة التي عاشها المغرب سنة 2011، بالموازاة مع ثورات الربيع العربي، أصبح الفعل الاحتجاجي للمغاربة طابعا مميزا للتعامل مع الأزمات الكبيرة التي عاشتها البلاد، وهمت بشكل مباشر أو غير مباشر مختلف شرائح الشعب المغربي.

ورغم أن التظاهر والاحتجاج لم يغب يوما عن الشارع المغربي، لأسباب مختلفة، فإن حدته تفاوتت بالنظر للقضايا التي يخرج من أجلها المحتجون. وإذا كانت مطالب الدستور الجديد وإسقاط الفساد والاستبداد وحّدت المغاربة إبان الحراك الفبرايري، فإن روح “فبراير” حضرت بقوة في احتجاجات أخرى، وصاغتها وفق نفسها “الثائر” على “النموذج القديم” في العلاقة بين المجتمع والدولة.

ومن بين موجات احتجاجية كثيرة، يمكن تمييز ثلاثة أحداث كبرى، هزت الشارع المغربي بقوة، وأخرجت الآلاف للاحتجاج على نطاق واسع، وتطلّبت ردود فعل على مستويات عليا في البلاد، تحتاج إلى الوقوف عندها، وقراءتها بتأمل وروية.

البيدوفيل “كالفان” .. طفولة مستباحة

أشعل الإفراج عن مغتصب الأطفال، البيدوفيل الإسباني دانيال كالفان، بعفو ملكي، في شهر غشت من سنة 2013، موجة واسعة من الاحتجاج، انطلقت من الفضاء الافتراضي، لتتطور إلى وقفات احتجاجية بالعاصمة الرباط والعديد من المدن المغربية، بعدما تحول الغضب من استباحة الطفولة المغربية، إلى تحرك ميداني، وجه انتقاده صوب أعلى سلطة في البلاد، مما جعل القصر الملكي يقوم بعدد من الخطوات من أجل امتصاص الغضب، وتدارك “الخطأ” الفادح الذي أدى إلى العفو عن مرتكب سلسلة جرائم بشعة بحق أطفال مغاربة.

تلك الموجة الاحتجاجية كانت الأقوى بعد الحراك الفبرايري، وشهدت تدخلات أمنية عنيفة، لم تزد نار الاحتجاج إلا تأججا، مما بعث رسالة واضحة بأن المغاربة غير مستعدين للتهاون في الدفاع عن كرامتهم، حتى لو جوبهت احتجاجاتهم بعنف من الأجهزة الأمنية.

ورغم محاولات بعض الجهات تجاوز سقف المطالب الشعبية بمحاسبة المسؤولين عن الإفراج المشبوه عن المجرم، وإعادة النظر في الطريقة التي يصدر بها العفو عن السجناء، من خلال توجيه البعض سهامه بشكل مباشر نحو المؤسسة الملكية، فإن الشارع المغربي امتلك القدرة على ضبط أسلوب احتجاجه الحضاري والسلمي والمتزن.

فواتير “أمانديس”.. تغول الشركات الكبرى

مثل كرة ثلج متدحرجة، تعاظمت الحركة الاحتجاجية ضد شرطة أمانديس الفرنسية، المفرض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل بمدينة طنجة، بعيد الانتخابات الجماعية لسنة 2015، بعدما انطلقت على شكل دعوات على موقع “فيسبوك” لإطفاء الأنوار ساعة واحدة، كشكل احتجاجي حضاري، قبل أن يقرر الطنجاويون النزول إلى الشارع.

وامتدت الاحتجاجات لتشمل العديد من مدن الشمال، ثم تنتقل إلى مدن مغربية أخرى، بسبب غلاء الفواتير المبالغ فيه، والتي جعلت مطلب رحيل الشركة، التي وصفت بالاستعمارية والمتوحشة وغيرها من الأوصاف، يرفع في كل خروج للمتظاهرين، مصحوب بانخراط كبير من المنازل والمحلات التجارية في إغراق المدن في ظلام دامس.

ومرة أخرى لم تكن تلك الاحتجاجات لتخلو من “شذوذين” غير مرغوبين، يتمثل الأول في تدخلات عنيفة لرجال الشرطة في حق المتظاهرين في بعض الحالات، واستغلال تلك الحالات من قبل بعض “متحيني الفرص” لتحويل الاحتجاج إلى “ثورة” صغيرة تطالب بإسقاط الحكومة أو النظام.

لكن يقظة الشارع حالت مرة أخرى دون السماح لأحد بامتطاء “موجة” الاحتجاج الاجتماعي، الذي نتج عن المس بجيوب المواطنين، من أجل تحقيق غايات سياسية، ليفضي الاحتجاج إلى مراجعة واسعة للفواتير، فضلا عن عدد من الإجراءات التي همت تدبير الشركة الفرنسية لقطاع الماء والكهرباء.

محسن فكري.. وطن يطحن أبناءه

استفزت صور تاجر السمك، محسن فكري، “مطحونا” داخل شاحنة لنقل الأزبال بمدينة الحسيمة، الرأي العام بصورة غير مسبوقة، وخلفت حالة من الغضب العارم، وإحساسا بإهدار كرامة المغاربة بشكل فظيع، جعل التحرك إلى الشارع لا يحتاج إلى كثير من الدعوات والتعبئة.

وبعيدا عن جدل الروايات حول ما وقع بالضبط، فإن آلاف المغاربة نزلوا إلى الشوارع محتجين وغاضبين، وداعين إلى محاسبة “القتلة”، ووقف إهدار كرامة المغاربة، وعجرفة “الإدارة” في التعامل معهم. واجتاحت تلك الاحتجاجات في وقت قصير عددا كبيرا من المدن.

ولم تخل تلك الاحتجاجات أيضا من محاولات الاستغلال السياسي، أو محاولات الإقبار بالتخويف من الاستغلال السياسي. وبينما رفع بعض “المتطرفين” أعلاما ومطالب انفصالية، سُمعت في المقابل أصوات نشاز تعتبر الواقعة برمتها مؤامرة تستهدف البلد، لكن وعي الشعب المغربي، أبى مرة أخرى إلا أن يصون للاحتجاجات سلميتها وحضاريتها ومطالبها الأساسية.

وعي شعبي

يلاحظ في التحركات الاحتجاجية الثلاث، وغيرها من الاحتجاجات التي شهدها المغرب، منذ 2011، قدرة المغاربة على ضبط احتجاجاتهم بالسلمية والاتزان في رفع المطالب، والفطنة في تحديد الوقت المناسب للخروج إلى الشارع، والوقت المناسب للانسحاب منه أيضا، إذ إن غالب الاحتجاجات عملت على تصحيح اختلالاتها بنفسها، وبشكل فوري في غالب الأحيان.

ويبقى ضغط الشارع إحدى الأوراق المهمة التي يستعملها المغاربة، لمواصلة التقدم على مسار بناء وطن يحترم مواطنيه، ومجابهة أي مسعى للعودة إلى الوراء، أو الردة عن الحقوق والحريات.