حوارات، مجتمع

“خمسة أسئلة”.. أيت لحو: الأسرة المغربية لم تتخل عن وظيفتها وآراء “لا الزواج بموظفة” ظرفية

الأسرة المغربية

التبدل من حال إلى آخر هو مسلمة سوسيولوجية تفرض نفسها على جميع المجتمعات والمؤسسات بما فيها مؤسسة الأسرة، إلا أن التساؤل الذي يفرض نفسه هنا، هو طبيعة هذه التحولات، هل هي عادية تلقائية؟ أم أنها مقصودة موجهة من أجل خدمة سياسات واستراتيجيات محددة؟

كما تنذر هذه التحولات الاجتماعية والقيمية التي تعيشها الأسرة، بـ”تخلي” الأسر عن وظائفها في التنشئة، وذلك بعد ظهور قنوات تغيير أخرى شاركتها نفس الأدوار، كالمدرسة والإعلام والإنترنت والشارع.

ويطرح موضوع التحولات التي لحقت الأسرة المغربية كذلك عنصر التغيرات التي عرفتها بنية هذه الأسر، خاصة بعد وولوج المرأة لسوق الشغل بشكل كبير، والجدل الذي يرافق الأدوار التي أصبحت متداخلة ومتشابكة بين الزوجين، والتي تنطلق في مجملها من “آراء شخصية وظرفية على حساب كل وضعية”، ويغيب عنها نقاش علمي واقعي، يفكر بمنطق البناء المجتمعي بعيدا عن الأنانية والبرغماتية المعيبة.

سنحاول في فقرة “خمسة أسئلة”، من خلال استضافة أستاذ السوسيولوجيا بجامعة القاضي عياض مراكش، ادريس أيت لحو، أن نتعرف على هذه التحولات، وفهم طبيعتها ومسببتها، وأهمية وعي الأسرة بهذه التحولات لاستعادة مهمة “لمِّ الشمل” بمعناه المادي والمعنوي.

ما هي أبرز التحولات الاجتماعية والقيمية التي لحقت الأسرة المغربية؟

شهد كل المجتمع والأسر باختلافاتها المغربية تحولات اجتماعية وقيمية لحقتها بفعل التحولات الماكرو حضارية والماكرو اقتصادية والماكرو ثقافية والماكرو سوسيولوجية، هذه التحولات لحقت كل المجتمعات الدولية بصفة عامة قرابة قرن ونصف، وذلك عبر مراحل ما يسمى بالكولونيالية، وفي مرحلة ما بعد الكولونيالية، ونشأة ما يسمى بالدول الأمم. بعد هذ المراحل تحملت جميع الدول مسؤولياتها في نشأة أسرتها وتربية أبنائها وتنشئة مواطنيها على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية واللغوية. بين هذه الدول من كان تابعا للمد الكولونيالي وبقي ضحية للتبعية، وهناك من الدول التي جعلت سياساتها العمومية تنخرط في إطار الاستقلالية وبناء الذات والهوية الخاصة التي تحترم تاريخها وثقافتها.

والمغرب كدولة، وبعد فك الارتباط مع الاستعمار الفرنسي، لم يكن هناك استقلال تام منذ البداية، بل حصل فك الارتباط تدريجيا نحو نوع من بناء الذات والهوية الوطنية، ينطبق الكلام أيضا عن الأسرة المغربية، وفق ثقافة وتاريخ واقتصاد وسياسات عمومية أعطتنا فيما بعد الذات المغربية المتميزة.

يمكن تلخيص هذه التحولات في ثلاثة عناصر، أولها، بناء الاستقلالية وإبراز مميزات وخصائص الأسرة والهوية المغربية، وثانيا، الحفاظ على الذاكرة والتاريخ والامتداد لقرون عبر الزمن، وهذا المعطى عامل مؤثر إيجابي على شخصية أي مواطن مغربي، لذلك نجد المغاربة متميزون في العديد من المجالات، ثم ثالثا، على المستوى السياسي، إذ نجد تحولا كبيرا جعل الدولة المغربية تعيش نوعا من الكاريزما المغربية التي نراها في مجموعة من المناسبات.

ما هي مسببات هذه التحولات، وهل هي تحولات طبيعية تلقائية أم موجهة ومقصودة؟

لا يمكن لأي كان أن يجزم بأن التحولات التي تلحق الأسر طبيعية وعادية وتلقائية أو موجهة مائة بالمائة. أما المسببات والعوامل التي تؤثر في هذه التحولات، مرتبطة أساسا بالسياسات العمومية التي تنجزها الدولة، هذه السياسات في حد ذاتها لا يمكن اتهامها ونعتها بالتلقائية أو القصدية، لأن الواقع يؤكد أن جميع الدول توجد مؤسسات كبيرة توجه كل شيء، وقصدنا هنا بالتوجيه لا ينم عن سوء نية، كما أنه غير مبني عن حسن نية أيضا، لأننا لسنا في منبر إصدار الأحكام على أحد.

هنا يجب أن نشير إلى معطى مهم جدا، وهو أننا نعيش في المغرب داخل نظام مركزي منذ الاستقلال، ومع رياح الحداثة والتغيير والعولمة وقيم الحكامة، أصبحنا منفتحين عن الجهوية المتقدمة وسياسات القُرب وعلى المحلي، لكن تبقى الدولة المغربية في سياساتها دولة مركزية، وتسير بتأني ودينامية رغم الظروف الصعبة التي يصادفها، إقليمية وعالمية.

بناء على ما سبق، يمكن القول بأن الأسرة المغربية ليست بخير مائة بالمائة، لكن يجب التنبيه في الوقت نفسه بأنها ليست في الحضيض، وعند مقارنة الأسر المغربي مع أسر الجيران وحتى مع بعض الدول المجاورة في أوروبا، سنلاحظ أننا في المعدل المتوسط، وأننا نجتهد في طريق صائب.

يلاحظ البعض أن الأسرة كمؤسسة تخلت عن وظائفها في التنشئة وسمحت للمدرسة والإعلام والانترنيت والشارع… هل هذا المعطى صحيح؟ وهل التحولات المجتمعية فرضت هذا وجعلته أمرا واقعا؟

هذا الحكم غير صحيح نهائيا، إذا كان منطلقه قطعي ويعني بأن الأسرة تخلت عن وظائفها في التنشئة والتربية، لأن الأسرة لم تتخلى عن وظيفتها، بدليل أن هناك دائما روح مغربية وتامغرابيت في جميع الأسر المغربية.

لكن هذا لا يمنع كذلك من القول -وهذا الأمر يتعلق بجميع دول العالم- بأنه منذ القرن الواحد والعشرين، لوحظ انفتاح كبير للأسر على وسائل الإعلام والاتصال وعلى المدرسة وعلى مختلف شرائح المجتمع، بما فيها الشارع، لكنه ليس باعتباره مؤسسة بالدلالة الأكاديمية والدستوري، لكنه يحدث تأثيرا كواقع.

ليس صحيحا أن الأسرة تخلت عن دورها في التنشئة، وليس صحيحا كذلك أن المدرسة والشارع والانترنيت طغوا على كل شيئ، هناك دائما فرض الذات المغربية في هذه الأمور، وذلك رغم أن الواقع يبرز اجتياح الأنترنيت والثقافة الحداثية وأنه فاق واجتياح المدرسة والإعلام، باعتبار هذين الأخيرين من نتائج السياسات العمومية، بمعنى أن هناك نوع من هيمنة الثقافة الكونية العالمية بفعل الإنترنت والتواصل العالمي حتى على السياسيات العمومية.

إن الانترنيت والثقافة التواصلية العالمية هي التي فرضت هذا الوضع وليس التحولات المجتمعية، إذن هذه التحولات نتيجة وليست سببا، والعامل الرئيسي فيها هو القيم الحداثية المتقدمة التي طغت مع رياح العولمة الثقافية والاقتصادية. ومؤخرا يلاحظ أن هناك اجتياح لشيئ جديد آخر يسمى بالعولمة الرقمية أو الثقافة الديجيتالية، والتي تحمل معها تغييرات في سلوك وتربية وتنشئة الإنسان وشخصيته.

هل من المفيد أن تسترجع الأسرة وظيفتها والأدوار المنوطة بها في تنشئة الأجيال القادمة وكيف يمكنها ذلك؟

منطلق هذا السؤال خاطئ، لأنه يوحي بأن الأسرة تخلت عن وظيفتها. والصحيح هو أن الأسرة لها أدوار ووظيفة تقليدية تخص لمّ الشمل أساسا، بالتالي لا يمكن القول بأن الأسرة المغربية كانت لها وظائف وأدوار في مستوى جيد ونبيلة، وجاءت العولمة وأفسدت لنا كل شيء، هذا يصنف في خانة البكاء عن الأطلال.

في جميع دول العالم، للأسرة تاريخ وذاكرة، والأسر المغربية اليوم لديها أدوار أخرى، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الأدوار غير مفروضة عليها مائة بالمائة، كما لا يمكن القيام بتعميمات في جميع الأحوال وعلى جميع الأسر، لأن الأسرة في الدار البيضاء ليست كالأسرة في أزيلال، أو في فكيك، أو في الداخلة.

إذن، فالأسرة المغربية اليوم تقوم بأدوارها بشكل أفضل، وعندها أدوارها الخاصة، وهي تخطو في توافق مع السياسات العمومية، وفي تقديري الشخصي 20 بالمائة من هذه الأسر تغرد خارج السرب، انطلاقا من فهمها الراديكالي لبعض الأمور، وانطلاقها من عقلية محافظة وهابية ومتطرفة للعرق واللغة، إلا أن غالبية الأسر المغاربة تمشي في طريق سليم وتنهج نهج السياسات العمومية المغربية.

عشنا قبل مدة موجة نقاش على منصات التواصل الاجتماعي حول الزواج بالموظفات، كيف وجدت هذا النقاش؟ وإلى أي مدى يؤثر الزواج بالموظفات في الأسرة؟

موضوع الزواج كبير جدا، ويحتاج لنقاش كبير وهادئ.. شخصيا في النقاش الدائر مؤخرا، الأغلبية فيه لا أتفق معه، لأن الناس ينظرون إلى الموضوع بعقلية نمطية، مفادها أن الزوج له أدوار محددة والزوجة لها أدوارها الخاص، وهذه الآراء تبقى شخصية وظرفية على حساب كل وضعية.

من جهتي أتفق إلى حد ما مع ما هو طبيعي في الموضوع، وأميز مثلا في هذا الإطار بين الإنجاب للمرأة، والقوة العضلية عند الرجل، لكن بالنظر إلى الموضوع في شموليته، فإن ثقافة المساواة والإنصاف والثقافة الحقوقية هي سيدة الموقف، ولا يمكن إلزام الناس بالزواج من صنف معين وفرض نظرته طرف على طرف في هذه الاختيارات.

كما يجب تناول موضوع النوع كمقاربة بمفهومه الحقيقي، وليس بمنطق التفضيل بين الطرفين أو المساواة الطوباوية التي تقول بأنه يمكن للطرفين أن يقوما بنفس الأدوار، لأن الحياة فيها إنصاف وتكافؤ وتكامل بين الجندر، ويجب أن يكون التشاور والتواصل والتوافق هي شروط كل بناء مجتمعي وأسري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *