سياسة، مجتمع

حسن أوريد يدعو لإخراج علم السياسة من جبة القانون العام للارتقاء به

في حديثه عن واقع علم السياسة وأهميته في المغرب، قال الكاتب والمفكر حسن أوريد، إنه انطلاقا من هذا العلم ‘‘يمكن أن نفهم ما يقع ونستطيع أن نتوقع ما قد يقع ونغير في أفق يجنبنا ما لا نريد أن نقع فيه‘‘، كما دعا إلى إخراجه من جبة القانون العام.

واعتبر أيضا أن عددا ممن أسهموا في تأسيس هذا العلم بالمغرب وعلى رأسهم محمد عابد الجابر وعبد الله العروي أتوا من تخصصات خارجة كليات الحقوق، وأنه لا يمكن الارتقاء بالعلوم السياسية إذا بقيت في جبة القانون العام، وأنه سيكون من العبث الزعم بارتقاء منظومتنا التربوية وتجاوز اختلالاتها دون تآلف عناصر ثلاثة.

جاء ذلك في محاضرة بعنوان ‘‘حاجتنا إلى علم السياسة‘‘، ألقاها حسن أوريد، برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، تم تنظيمها من قبل مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد ومختبر القانون العام والعلوم السياسة بذات الكلية.

التأسيس والتدريس

نبه أوريد إلى أنه لا يمكن الارتقاء بالعلوم السياسية إذا بقيت في جبة القانون العام. إذ أن الكثير ممن تجرؤا وأسهموا في إنشاء علم السياسة، لم يأتوا من كليات الحقوق، ولأن علم السياسة أصبح مستقلا في غالبية الجامعات العالمية، ولم يعد شعبة متفرعة عن القانون العام ولكن أصبح تخصصا مستقلا.

واعتبر أن علم السياسة في ‘‘المغرب عرف اجتراء بعض المتطفلين من دائرة التاريخ من خلال بعض الباحثين الذين فكروا في الشأن السياسي من خلال منظورهم، وأتوا من مجالات غير كليات الحقوق وعلى رأسهم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي‘‘.

واستغرب كيف أن الطالب يلج تخصص علم السياسة بعد أن سلك سنتين أو ثلاثة أو أربع، وهو خلو من أي معرفة بالسوسيولوجيا، معتبرا أن دراسة القانون الدستوري ومبادئ القانون المدني وعلم الإجرام ورغم أهميتها إلا أنها قد لا تفيد مثل ما تفيد المعرفة بالسوسيولوجيا في هذا التخصص.

واعتبر أنه ‘‘سيكون من العبث أن نزعم بارتقاء منظومتنا التربوية وتجاوز اختلالاتها دون تآلف عناصر ثلاثة؛ من دون انخراط الإدارة، ومن دون جهد الباحثين، ومن دون اهتمام الطلبة‘‘، مضيفا أن ‘‘هذه العناصر الثلاثة أساسية للارتقاء بالعملية التربوية، وسيكون من العبث أن يقع العبء على كاهل فئة دون الفئتين الأخريين‘‘.

أهمية السياسة واقعا وعلما

استحضار منه لأهمية علم السياسة، أعتبر المفكر المغربي، أن ‘‘الاهتمام بالعلوم السياسية ليس مسألة ترفيهية أو اعتباطية، إذ من خلالها يمكن أن نفهم ما يقع ونستطيع أن نتوقع ما قد يقع ونغير في أفق يجنبنا ما لا نريد أن نقع فيه‘‘.

كما أن السياسة شأن الجميع وشأن الجميع هو السياسة، لأن السياسة تؤثر في مسار الإنسان ولا يمكن الانسلاخ عنها، وهي تُعاش ‘‘بطريقة مأثرة وقد يتاح للبعض أن يؤثر فيها‘‘، يضيف أوريد.

وأكد على أن السياسة لازبة للإنسان الاجتماعي منذ ظهوره، مستأنسا في تأكيده هذا بمقولة أرسطو حول أن الإنسان كائن اجتماعي وأن الطبيعة الاجتماعية تحتم تنظيما وتوزيعا للمهام وحاكمين ومحكومين.

وشدد على أن ‘‘السياسة تدبير حاكم ومحكوم‘‘، على أنه قد ‘‘تكون هاته العلاقة الرضائية بناء على مميزات للحاكم كالشجاعة والكاريزما وقد تكون استبداد منه، وأنه ليس هناك مجتمعا لا يعرف حاكمين ومحكومين وهو مدار السياسة لأنها في آخر المطاف هي السلطة‘‘.

إن السياسة تتيح تنظيم المجتمع من خلال علاقة الحاكم والمحكوم، والدين هو الذي يمنح غاية للأفراد وللمجتمعات، والزواج هو الذي يتيح استمرارية الجنس البشري، على أنه حين اختلال هاته المؤسسات يتهدد المجتمعات خطر الأفول، يقول أوريد.

وأوضح أنه لكل الحضارات أدبيات في تدبير شؤون السياسة، كالأحكام السلطانية في نموذج الحكم الإسلامي، والقوانين الدستورية في القوانين الغربية، فضلا عن أدبيات الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها صاحب الأمر ومن يحيطون به تحت مسمى أخلاق الملوك أو الشهامة.

وقال أيضا أن ‘‘ما يهم ليس مكنيزمات السلطة مما يضطلع به بالأساس القانون الدستوري، ولا بعض القواعد الأخلاقية ولكن القواعد الموضوعية التي تتحكم في الفعل السياسي أو ما يُعبر عنه بالعلم، وما يقوم عليه من قواعد.

تقعيد علم السياسة

عن شروط قيام العلم، قال أوريد، إن ‘‘العلم يقوم من خلال القدرة على استخلاص قواعد، والقدرة على إقامة العلاقة السببية بين سبب ومسبب أو علاقة تلازم، وإلا فلسنا في دائرة العلم وإنما في دائرة التوصيف أو في دائرة السجال والدفاع‘‘.

إن علم السياسة علم حديث يدخل في زمرة العلوم الإنسانية وانبثق أساسا عن علم السوسيولوجيا وهذا الأخير علم حديث أنشأه أوغست كونت وصاغ اسمه، حينما أراد أن يطبق قواعد علمية على المجتمع، ثم استخلص هذا العلم وتطور هذا إلى أن انسلخت عنه مادة تسمى السوسيولوجيا السياسية، قال أوريد.

وأضاف أن غاية أوغست كونت حينما أرسى علم الاجتماع، هو قواعد ثلاثة تنطبق على العلوم الإنسانية ويمكن أن تنطبق على ما يتفرع عنها من العلوم السياسية، أولها تقليل نسبية هذا العلم، وثانيها أن المعرفة العلمية من شأنها التوقع أو التنبؤ ‘‘لأننا نعرف من أجل رصد ما قد يقع‘‘، والعنصر الثالث هو السعي في تغيير هاته المعرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *