منوعات

حسن بويخف يكتب عن فاجعة الحسيمة: فهل نعتبر؟

فاجعة الشهيد محسن فكري وما أثارته من ردود فعل ينبغي أن تستوقف الجميع، ملكا وحكومة وأحزابا مجتمع مدني، وإعلاما، ومواطنين أحرار. وضرورة هذا التوقف عند الحدث لأخذ العبرة والدروس قبل فوات الأوان، تمليه الدلالات المقلقة للنازلة المؤلمة، وسياقها التراجعي.

لقد أتاح الحراك السلمي لـ20 فبراير 2011 وخيار الإصلاح الدستوري والسياسي الذي أفرزه فرصة سانحة للمغرب لحسم المعركة ضد الفساد والاستبداد، غير أنه وبمجرد النجاح في اعتماد الدستور الجديد، وتنظيم الانتخابات التشريعية، وتشكيل الحكومة، وتراجع قوة ضغط الشارع، حتى أخذت “حيلمة” تسترجع مواقعها القديمة، وظن كثيرون أنهم، وكما يقول المثل الشعبي، “قطعوا الواد ونشفو رجليهم”، وبلغ بهم الوهم أن نزلوا بثقلهم الشديد لتزييف إرادة الناخب في الانتخابات التشريعية الماضية، كان أفجر ما فيها تنظيم مسيرة العار الشهيرة في الدار البيضاء. وقد أشرنا في شتنبر من سنة 2012 إلى هذا التحول السلبي في مقال أغضب البعض، كان تحت عنوان “السياسة الكحلة”، سجلنا فيه عودة الفساد التدريجي إلى بعض المواقع التي انسحب منها، على غرار عودة “الميكا الكحلة” إلى الأسواق شهورا قليلة بعد اعتماد قانون يمنعها، وكانت تلك الحقيقة التي ينبغي الصدح بها لمن كانت له إرادة للإصلاح وألقى السمع وهو بصير.

وباعتبار الإدارة خط التماس اليومي بين الدولة والمجتمع فإن فاجعة محسن فكري بالحسيمة تؤكد استعجالية فتح ورش إصلاحها، قبل أن يشتعل ذلك الخط بكيفية قد يتعذر التحكم فيها، لا قدر الله. ذلك أن نازلة بائع السمك في الحسيمة تكشف أن تطورها التراجيدي يرجع إلى التعسف في استعمال السلطة، تماما كما هو الشأن في جل الفواجع التي تشبهها في مختلف مناطق المغرب.

وبعيدا عن منطق استباق التحقيق لإصدار الأحكام والخروج بالاستنتاجات المتسرعة، فالوقائع الميدانية كما تناقلتها مختلف المصادر الإعلامية، تؤكد أنه مقابل الاحتجاج الذي انخرط فيه محسن فكري ومجموعة من زملائه في المهنة ضد احتجاز سلعته مطالبين باسترجاعها، نجد تصرفا غريبا يقضي بإتلاف تلك السلعة في الحال والمكان، وأمام مرأى المحتجين وباستعمال شاحنة أزبال مجهزة بآلة شطف! وهذا المستوى من التطور يتطلب تدقيق التحقيق في ملابساته: من اتخذ قرار إتلاف تلك السلعة في ذلك المكان والزمان والسياق والوسيلة؟ وما هي الإجراءات الاحترازية المتخذة لتنزيل مثل ذلك القرار وفي مثل تلك الأجواء المشحونة؟ وهل جربت بدائل أخرى أرحم بالمتضررين، وأقل عنفا واستفزازا في تدبير الملف؟

إن السياق الذي جاءت فيه فاجعة الحسيمة والذي ميزه الخطاب الملكي حول أولوية إصلاح الإدارة المغربية في المرحلة الجديدة، والمشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، وكذا حجم التفاعلات التي أثارتها تلك الفاجعة، و خريطتها الجغرافية وطبيعتها التي تجاوزت الحدث في حد ذاته إلى حالة من التسخين السياسي الذي انزلق حد المطالبة بالاستقلال الذاتي لمنطقة الريف، بالإضافة إلى تواتر تكرار مثل هذه الأخطاء الإدارية المكلفة جدا في مناطق مختلفة من المغرب، يفرض أخد ملف إصلاح الإدارة المغربية بجدية واستعجال كبيرين. ذلك أن الإدارة مرشحة، بما تختزنه من فساد وما تنطوي عليه من فقر مدقع في ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، وثقافة الأنصاف والعدل، للعب أدوار خطيرة في تهديد الاستقرار في المغرب بما تتسبب فيه من معاناة يومية للمواطنين في كل مناطق البلاد، وبما تقترفه في حقهم من مس صادم للرأي العام.

وإذا كان إصلاح الإدارة واجبا حقوقيا وإنسانسيا ووطنيا مطلوب لذاته لرفع عراقيل تحقيق الشعب المغربي لانتظاراته في الاستقرار والرفاه وحقوق الإنسان، فإن مؤشرات كثيرة حول مستقبل الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب تؤكد استعجالية فتح ورش إصلاح تلك الإدارة اليوم وليس غدا. ذلك أن الراجح حول مستقبل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب سوف لن يكون مساعدا في ضبط التراكم السلبي لنبض الشارع، في ظل توقع مواسم فلاحية متواضعة، وتوجه نحو استعادة أسعار البترول العالمية لعافيتها، والهشاشة التي ما تزال تطبع الاقتصاد العالمي. كما أن البدائل السياسية بعد الإصلاح الدستوري (رغم ما فيه)، والمسلسل الانتخابي الذي تم في ظله بزعامة الحزب ذي المرجعية الإسلامية، لن توفر هامشا كافيا لامتصاص أية موجة غضب تتمكن من تحريك الشارع من جديد على غرار حراك 20 فبراير 2011، كما وفرته من قبل. فهل نعتبر قبل فوات الأوان؟