حوارات، مجتمع

“خمسة أسئلة”.. لماذا أسعار الأدوية مرتفعة بالمغرب وهل هامش ربح الصيدلي معقول؟

رافق جدل واسع التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات حول السياسات الدوائية بعد رصده اختلالات بالجملة في تدبير منظومة الأدوية، منها وجود أدوية في حالة احتكار، وارتفاع نسبة الضريبة على القيمة المضافة وهوامش ربح الصيدليات.

وتفاعلت نقابات صيادلة المغرب مع هذا التقرير، خاصة في النقطة المتعلقة بهامش الربح للصيدلي، إذ اعتبرت أن الربح لا يتعدى 8%، فيما سجل تقرير “قضاة مجلس الحسابات” أن نسبة هامش الربح تصل إلى 57%، إضافة إلى نقاط أخرى خلقت الجدل بين الطرفين، أبرزها احتكار الأدوية وارتفاع الضريبة (TVA)، علاوة على ضعف الترسانة القانونية.

وجاء هذا النقاش في سياق محتدم مع اقتراب انتخابات مهنيي الصيدلة، وبعد موجة من الانتقادات التي لحقت السياسات الدوائية، خاصة بعد جائحة كورونا، وبروز نقاش حول الأدوية الأصلية والأدوية الجنيسة (المصنوعة محليا)، ولماذا لا يتم صنع الدواء محليا، وتساؤلات عن أسباب نفاذ مخزون الدواء، خاصة المتعلق بالأمراض المزمنة.

لمناقشة هذا الموضوع بكل تفاصيله، تستضيف جريدة “العمق”، ضمن فقرة “خمسة أسئلة”، هشام الخرمودي، وهو صيدلاني حاصل على دكتوراه في الصيدلة من كلية الطب والصيدلة بالرباط، كما سبق له أن اشتغل صيدلاني داخلي سابقا بالمستشفى الجامعي بـ”بواتيي” فرنسا، واشتغل أيضا صيدلاني بوزارة الصحة بمراكش مكلف بتدبير الصيدليات العمومية وتفتيش الصيدليات الخاصة.

بداية هل صحيح ما يروج حول ارتفاع أثمنة الأدوية بالمملكة مقارنة مع باقي الدول ذات الدخل الفردي المتساوي مع المغرب؟

دعني أذكرك في بداية الحديث أنه بعد صدور المرسوم رقم 2.13.852 والمتعلق بتحديد أثمنة بيع الأدوية، سنة 2013، أصبح المواطن المغربي يقول بأن أثمنة الأدوية سارت منخفضة التكلفة بمقتضى هذا القانون. لكن في الآونة الأخيرة، شنت حملات إعلامية أججها اقتراب الانتخابات المهنية، وربما أيضا بعض المصالح الضيقة لبعض الأشخاص، هذا الوضع خلف صدى في الشارع المغربي، وأصبح حديث الساعة حاليا هو أثمنة الأدوية.

كما أؤكد هنا أن أثمنة الأدوية ليست مرتفعة كما يتم تداوله، وذلك بمقتضى المرسوم المذكور، والذي حدد ثمن الأدوية، إذ أن الأدوية يتم بيعها وفق مقارنة معيارية مع 6 دول، هي فرنسا وبلجيكا وتركيا والسعودية وإسبانيا والبرتغال. كما أن المشرع المغربي فرض بمقتضى هذا القانون أن يكون سعر البيع بالمغرب أدنى من السعر في هذه الدول.

وإذا كان الدواء الأصلي غير متوفر في هذه الدول ولا يسوق فيها، يحدد المرسوم ذاته، ثمن البيع في المغرب بما يعادل ثمن المنشأ. أما بالنسبة للأدوية الجنيسة، فيحدد بالسعر المرجعي الأقصى، ويفترض أن يكون أقل ثمن من الدواء الأصلي.

سجل المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير جملة من المشاكل في قطاع الأدوية، أبرزها هامش الربح المرتفع عند الصيدلي.. ما تعليقك على هذا التقرير؟

فعلا، وجه المجلس الأعلى للحسابات نقدا لهامش الربح لدى الصيادلة، وقام في هذا الإطار بمقارنته مع مجموعة من الدول الأخرى. هنا لا بد أن أشير إلى فترة ما قبل المرسوم الذي ذكرناه من قبل، والذي كان هامش ربح الصيادلة يصل 30 بالمائة على جميع الأدوية، وهذه النسبة كانت محل انتقاد من طرف منظمة الصحة العالمية، بحكم أنها كانت إحدى هوامش الربح العالية جدا في دول شمال إفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط، وقد كان المغرب ثاني أكبر هامش ربح من بعد الأردن.

وبعد مجيء مرسوم 2013، حدد هوامش ربح محددة في أربع أشطر، هي على الشكل التالي: عندما يكون الدواء أقل من 166 درهم، يكون هامش ربح الصيدلية 57 بالمائة، وهامش الربح عند الموزع 11 بالمائة. وعندما يكون سعر الدواء ما بين 166 درهم و588 درهم، يصبح هامش الربح عند الصيدلية 54 بالمائة والموزع 11 بالمائة. أما عندما يتراوح ثمن الدواء بين 588 و 1766 درهم، يصبح هامش الربح عند الصيدليات 300 درهم، وإذا تتجاوز الثمن الأخير، يصبح هامش الربح 400 درهم.

الإشكال الواقع هنا بالضبط حاصل مع الأدوية التي تترك هامش ربح كبير، لأنها الأدوية المهمة، وتخص معظم الأمراض وهي الأدوية التي تستهلك بشكل روتيني. وهنا يدخل عامل جد مهم يرفع هامش الربح، وهو الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، لأنها تدخل في هامش ربح الصيدلية، ولا تنعكس على جيوب المواطنين، وهنا بالضبط وقع خلط وسوء فهم لما جاء به تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

نشير هنا إلى أن الضريبة على الأدوية وفق القوانين المعمول بها، مقسمة على ثلاثة مستويات، الأولى 0 بالمائة، والثاني 7 بالمائة و20 بالمائة. والدولة هنا أعفت العديد من الأدوية من الضريبة، خاصة تلك التي تؤرق بال المواطنين والتي تتعلق بالأمراض المزمنة.

هل هامش ربح الصيدليات معقول وكيف يمكن تجاوزه رفقة باقي مشاكل القطاع؟ وهل سيُمكن إنتاج الأدوية الجنيسة بالمغرب من حل هذه الأزمة؟

بطبيعة الحال هو هامش ربح غير معقول، وسبق أن كان موضوع انتقاد منظمة الصحة العالمية عندما كان فقط في حدود 30 بالمائة، أما والحال اليوم وصل 57 بالمائة في بعض الحالات، فهذا غير مقبول نهائيا. وهذا يحيل إلى الحاجة لسياسات تحدد أثمنة الأدوية، ويمكن أن نختار في المغرب بشكل دقيق ما يناسبنا نظرا لتوفر العديد من النماذج والاقتراحات في هذا الإطار.

استغلال الإعفاء الضريبي يعتبر من أبرز المشاكل التي طغت على السطح مؤخرا بعد قيام الدولة بإعفاء بعض الأدوية من الضريبة على القيمة المضافة، حتى تنعكس على جيوب المواطنين، إلا أنه تم توجيهها لصالح هامش ربح الصيدليات، وبما أن المواطن لا يستفيد من هذه الإعفاءات يجب مراجعة هذا المرسوم، والعمل على إنجاز سياسية دوائية أخرى. هنا أوجه نداء للحكومة المغربية إلى إعادة النظر في التشريعات القانونية القادمة وعدم تكرار ما وقع، والتسبب في رفع هامش الربح من جديد.

هنا، لا بد من الإشارة إلى أنه في عهد حكومة بنكيران مع الوزير الحسين الوردي، مورس على الصيادلة تعتيم خطير من أجل عدم إعلاء أصواتنا لما يعرفه الموضوع من مخاطر كنا نريد التنبيه لها. وهذا ما لا نريد أن يتكرر مع هذه الحكومة. والقانون الحالي يضم مخاطر كثيرة إضافة إلى هامش الربح، من قبيل الأدوية الأصلية الغير منتجة في المغرب وفي الدول المعيارية، والمنافسة التي تحصل بين الشركات، والتي كما تنتج عنها أمورا إيجابية، تبقى احتمالية حدوث نتائج خطيرة، من بينها إغراق السوق بالأدوية المشابهة، والاكتفاء بتغيير عمليات التعليب والأسماء من أجل الحصول على الحظ الأوفر من كعكة السوق.

أما بخصوص إنتاج الدواء في المغرب، يجب التنبيه إلى أننا تكاسلنا قليلا في تجديد الأساطيل الصناعية، وبقينا نعتمد على مناهج وتقنيات متجاوزة. هنا أشير إلى ما تم تداوله على جرائد إخبارية، بعد قيام رئيس الحكومة هذا الأسبوع بتدشين مصنع أدوية متطور، وهذا ما نطالب به أن يشمل المصنعين المغاربة، من أجل مواكبة تطورات العلمية، والحصول على الأدوية الجنيسة لفئة كبيرة من الأدوية، والتي لا تتجاوز حاليا عتبة 34 في المائة من مجموع الأدوية الأصلية.

بين الفينة والأخرى يجد المواطنون صعوبة في الحصول على أنواع محددة من الأدوية.. ما هي مسببات ذلك؟

نعم تقع حالات كهذه، ومردها إلى سببين اثنين، الأول يتعلق بتدبير مخزون الدواء عن طريق الدراسات الاستباقية التي تسعى لمعرفة كمية الدواء التي يحتاجها المواطنين في مدة معينة، وذلك من أجل عقلنة تعاطي المصنع في تدبير مثل هذه المشاكل، لكن المشكل هنا يكمن في كون هذه التوقعات لا تكون دائما هي حقيقة الأمر، بسبب وقوع أزمات ومشاكل صحية غير متوقعة تتسبب في مضاعفة استهلاك الدواء، مما يؤدي إلى نفاذ مخزون بعض الأدوية.

أما السبب الثاني؛ فيتعلق ببعض الممارسات السيئة عند بعض المهنيين، وأقصد هنا بعض التكتلات الصيدلانية التي تشتغل دون أي إطار قانوني، تتحامل على مخزون الأدوية، عبر شراء كل الأدوية أو جزء كبير منها من عند المُصنعين، وتضعها رهن إشارة أعضاء هذا التكتل، مما يسبب مشاكل لباقي الصيدليات.

ومن الناحية القانونية، فإن للمشرع اليد العليا في تدبير مخزون الأدوية، إذ طالب صيدليات القطاع العام مطالبة بتأمين مخزون بنسبة لا تقل عن 10 بالمائة، فيما طالب من القطاع الخاص تأمين 3 أشهر من الأدوية التي يحتاجها المواطنين، وذلك درءا لكل المخاطر الممكن أن تحل بشكل فجائي. وبالتالي فإن المشكل هنا ليس في الترسانة القانونية، بل يوجد في الممارسات التي ذكرناها، وبشكل أقل في الدراسات الاستباقية.

يشكل الأمن الصحي أحد المواضيع الحساسة.. كيف تجد ما يتم تداوله إعلاميا في هذا الصدد؟

فعلا، يعتبر الأمن الدوائي وترا حساسا يبدأ من أعلى عتبة إلى غاية ما يمكن أن ينفذ إلى المجتمع من دعاية وإشاعات مغرضة في الموضوع، سأبقى هنا في حده الأدنى، وأذكر بما تم الترويج له زمن كورونا عن نفاذ مخزون اللقاح، الذي روج له الرافضين للقاح أولا، وهذا يطرح علامات استفهام كبيرة، ثم ما يروج هؤلاء الأشخاص من كون أن الأدوية غالية في المغرب، وقد بينا أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة في بداية الحوار، كما أنهم يقولون أن الدولة تغرم المرض، في حين أنها قامت بالعديد من الإجراءات والإعفاءات الضريبية في هذا الإطار، علاوة على ادعاءات تنقص من فعالية الأدوية في المغرب

كل هذه المغالطات وغيرها كثير يتم تداولها دون حساب تأثيرات سلبية جدا، أولا على فعالية الدواء وثانيا على الحالة النفسية للمواطنين، خاصة إذا كان المروجين لهذه الإشاعات يشتغلون في قطاع الصحة.

لا بد من الإشارة أيضا في هذا الصدد إلى الدور الإيجابي الذي يلعبه الصيادلة والتمثيليات النقابية التي أبانت عن وعي نضالي كبير، وتفاعلت مع تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وعبرت على أنها قوة حية وأنها فاعلة في الدفاع عن مكتسباتها. في المقابل، يستدعي الموضوع أن يتحلى الجميع بالواقعية والموضوعية في التعاطي مع مواضيع حساسة مثل الأمن الدوائي بما يخدم بلادنا ومواطنيها. وإذا حصل هناك سوء تقدير، فإن هذا لا ينفي عن الصيادلة تشبثهم بأدوارهم الاجتماعية في روتينهم اليومي، فهم يعاملون بالطلق بصفر درهم إضافي، مع تقديم النصائح والاستشارات الطبية مجانا، في الوقت الذي تقدم مثل هذه الخدمات بمقابل مادي في دول أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *