سياسة

عبد الواحد الراضي.. المهووس بالسياسة إلى آخر رمق

خطف الموت الزعيم اليساري، وأحد مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، عبد الواحد الراضي، عن سن يناهز 88 عاما، وذلك بعد حياة مليئة بالعطاء والنضال من مختلف المواقع.

ولد عبد الواحد الراضي الملقب بـ “شيخ البرلمانيين” عام 1935 بمدينة سلا، حيث تابع دراسته الابتدائية، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة الرباط حيث حصل على الباكالوريا، قبل أن يلتحق بجامعة السوربون بباريس حيث تابع دراسته الجامعية.

اقتحام للسياسية في سن مبكرة  

ينحدر الراضي من عائلة قروية تعد من أعيان المنطقة، وقد انخرط في العمل السياسي في حقبة كان فيها هذا المجال مقتصرا على  أبناء المدن والحواضر.

انتخب الراضي خلال الفترة الممتدة من 1958 إلى 1960 كاتبا عاما لفدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا، حيث كان يتابع دراسته العليا. كما كان من مؤسسي ومسؤولي كنفدرالية طلبة شمال إفريقيا.

وبالموازاة مع نشاطه الجمعوي والمدني والنقابي، عرف عبد الواحد الراضي بنضاله السياسي في إطار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي انتخب عضوا في مجلسه الوطني عام 1962 ثم عضوا في لجنته الإدارية عام 1967.

وانتخب عضوا في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ 1989، وفي سنة 2003، انتخب نائبا للكاتب الأول للحزب، ثم كاتبا أولا للحزب خلال المؤتمر الوطني الثامن للحزب الذي انعقد أيام 7-8-9 نونبر 2008 بالصخيرات.

وترأس عبد الواحد الراضي أشغال المؤتمرين السادس والسابع للحزب اللذين انعقدا على التوالي عامي 2001 و2005.

إلى جانب ذلك، يضيف موقع مجلس النواب الذي نشر سيرته الذاتية، أن عبد الواحد الراضي ساهم في سنتي 1955 و1956 في تأسيس عدد من الجمعيات التربوية والثقافية والمنظمات النقابية، كحركة الطفولة الشعبية والجمعية المغربية لتربية الشبيبة والاتحاد الوطني لطلبة المغرب والتي تحمل في إطارها مسؤوليات قيادية. كما ساهم إلى جانب المرحوم المهدي بنبركة في الإعداد والإشراف على بناء طريق الوحدة في بداية مرحلة استقلال المغرب.

وأضاف المصدر ذاته أنه بالموازاة مع عمله كأستاذ لعلم النفس الاجتماعي بجامعة محمد الخامس بالرباط، تولى الأستاذ عبد الواحد الراضي مهمة الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي من 1968 إلى 1974، وهي نفس الفترة التي ترأس خلالها شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

وعلى المستوى البرلماني، فلستة عقود متتالية، لم يغادر عبدالواحد الراضي قبة البرلمان كممثل لدائرة سيدي سليمان، إذ تمكن منذ سنة 1963 وهو ابن الـ26 من عمره من الحفاظ على مقعده ليصبح الممثل الدائم لساكنة سيدي سليمان في البرلمان.

الراحل تجاوزت شهرته المغرب، إذ صنفته منظمة اليونسكو عام 2019 تراثا برلمانيا عالميا لكونه الأكثر مكوثا في المنصب في تاريخ البشرية، ولم يستطع أحد على الصعيد العالمي أن ينافس شيخ البرلمانيين في التشبث بالمقعد السياسي سوى الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو الذي ظل في السلطة منذ العام 1959 إلى غاية 2008.

وخلال هذه العقود، تحمل الراضي  عدة مسؤوليات برلمانية حيث تولى خلال الولاية التشريعية 1963- 1964 رئاسة لجنة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ومهمة نائب رئيس الفريق الاتحادي بمجلس النواب. كما  تولى سنة 1977 رئاسة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، وهي المهمة التي استمر فيها إلى حين تعيينه من طرف الملك الراحل الحسن الثاني وزيرا للتعاون عام 1983.

وعين عبد الواحد الراضي في 1984 أمينا عاما للاتحاد العربي الإفريقي الذي كان يضم المغرب والجماهيرية الليبية. وفي 1993 انتخب نائبا أولا لرئيس مجلس النواب ثم رئيسا للمجلس خلال الولايتين التشريعيتين (1997 – 2002) و (2002 – 2007).

كما تولى عبد الواحد الراضي عدة مسؤوليات كبرى على صعيد المنظمات البرلمانية الجهوية و الدولية، حيث انتخب في أكتوبر 1998 رئيسا مشاركا للمنتدى البرلماني الأورو متوسطي إلى جانب رؤساء البرلمان الأوروبي المتوالين خلال الفترة من 1998 إلى مارس 2004، تاريخ تحويل المنتدى إلى جمعية برلمانية أورو متوسطية الذي كان أحد مؤسسيها البارزين، وتولى في إطارها رئاسة مجموعة العمل حول «السلم والأمن في الشرق الأوسط».

وتولى رئاسة مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي من شتنبر 2001 إلى مارس 2003. كما ترأس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي من 2001 إلى 2004.

وفي أكتوبر 2004 انتخب الراضي نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الدولي وهي المهمة التي استمر فيها إلى أكتوبر 2007، بعد أن ترأس المؤتمر 107 للاتحاد الذي انعقد في مراكش (المغرب) في مارس 2002. وفي 11 شتنبر 2006 انتخب رئيسا للجمعية البرلمانية لحوض البحر المتوسط، وهي المهمة التي تولاها خلال عامين.

وعلى الصعيد المحلي تولى عبد الواحد الراضي رئاسة المجلس الجماعي للقصيبية  منذ 1983 إلى غاية 2021. كما تولى رئاسة المجلس الإقليمي للقنيطرة من 1977 إلى 1992 ثم رئاسة جهة الغرب – الشراردة – بني حسن من 1998 إلى 2004.

وفي يوم 15 أكتوبر 2007 عين صاحب الملك محمد السادس السيد عبد الواحد الراضي وزيرا للعدل. وفي 9 أبريل 2010 انتخب رئيسا لمجلس النواب.

المغرب الذي عشته 

قبل خمس سنوات من الآن، أصدر الراحل كتابا يحكي فيه عن جزء كبير من تاريخ المغرب وتحولاته منذ ثلاثينيات القرن الماضي وإلى حدود دستور 2011 مرورا بالأحداث الهامة والصراعات التي كان أحيانا جزءا منها، باعتباره أحد اليساريين الذين تعرضوا للاعتقال.

وفي السيرة التي تحمل عنوان “المغرب الذي عشته” يحكي الرجل بالتفصيل عن الأدوار التي لعبها كحلقة وصل بين القصر واليسار في عز تأزم العلاقات بين الجانبين.

وعن الكتاب، قال المؤرخ والدبلوماسي محمد الخصاصي في لقاء نظمه المعهد العالي للتسيير بفاس سنة 2017 والذي لتقديمه، (قال) إن كتاب “المغرب الذي عشته”، الذي صدر لمؤلفه الاكاديمي والسياسي عبد الواحد الراضي، “يبرز حقبة تاريخية مهمة من تاريخ المغرب المعاصر”.

وأضاف الخصاصي أن “هذا المؤلف يهدف الى إطلاع الأجيال الجديدة والصاعدة على مرحلة تاريخية من النصال السياسي الوطني على مدى أزيد من ستين سنة المنصرمة، وكذا النضال المرير الذي خاضه القادة الوطنيون من أجل الاستقلال والتحرر، وبناء الديموقراطية والمساواة”.

وقبل شهر من الآن، أعلنت مؤسسة أرشيف المغرب، أن عبد الواحد الراضي، ائتمنها على أرشيفاته الخاصة، “التي تشهد على مساره الجامعي والحزبي والسياسي، وطنيا ودوليا”، وذلك “للمساهمة في حفظ تاريخنا المشترك ونقله للأجيال الحالية والقادمة”، حسب ما جاء في بلاغ صحفي.

وقالت المؤسسة في بلاغ لها إنه من المرتقب تنظيم حفل التوقيع على التسليم بين الراضي، وجامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، في بداية يونيو من السنة الجارية، تزامنا مع الأسبوع العالمي للأرشيف.

وذكر المصدر ذاته أن الالتزام السياسي طبع مبكرا مشوار حياة الراضي، مضيفا أن “مساره النضالي والمهني والسياسي مرآة تعكس بجلاء انشغالات تلك الحقبة المهمة من تاريخ المغرب التي عاش في كنفها، وما شهدته من تقارع للأفكار وتعدد للتوجهات”.

وزاد أن الجيل الذي عايشه الراضي، يعتبر “شهادة نابعة من عمق الحياة السياسية المغربية وتطوراتها وتعقيداتها، على المستوى الجهوي والوطني والدولي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *