آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي، الكرة المغربية

هل تحصن آليات الرقابة المال العام الموجه للجمعيات الرياضية سعيا لحكامة جيدة؟

يحاط تقديم الدعم العمومي للجمعيات الرياضية في أغلب الأحيان، بغياب الوضوح بسبب غياب بيانات دقيقة لأوجه صرف الإعانات المالية المقدمة إليها من طرف الدولة ومؤسساتها، وفقا لقواعد الشفافية والمصداقية المفترضة في التصرف في المال العام، بالإضافة إلى عدم احترام الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الجمعيات والجامعات الرياضية المدعمة.

ولأن الحكامة مدخل أساسي لترسيخ منافسة حقيقية داخل القطاع الرياضي، من شأنها أن ترفع من مستوى هذا المجال لبلوغ الغايات والأهداف، فقد أصدرت السلطات العمومية دورية للوزير الأول تحت عدد 7/2003 بتاريخ 27 يونيو 2003، تتعلق بالشراكات مع الدولة والجمعيات للتأكيد على أن القطاع الرياضي من أولوياتها ولتحسين التنسيق والمراقبة.

فكيف يتم تخليق الحياة العامة من خلال الرقابة على طرق صرف الأموال العمومية ومحاربة كل أنواع الفساد المالي والانحراف، خصوصا في مجال الدعم المالي المقدم للجمعيات الرياضية من أجل تمكين المغرب من تحقيق التنمية الشاملة المنشودة؟

لا دعم دون إطار تعاقدي

الإطار بقطاع الرياضة، المصطفى الهيبة، أكد في تصريح لجريدة “العمق” أنه، “بالاستناد على دورية الوزير الأول، فإن أي مساهمة عمومية تعادل أو تفوق 50000 درهم، سواء كان مصدرها الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات والمقاولات العمومية، ينبغي أن تتم في إطار تعاقدي يحدد التزامات الطرفين، خاصة التزامات الجمعية الرياضية طالبة التمويل، وقد حددت الدورية المسطرة الواجب اتباعها قبل التوقيع على اتفاقية الشراكة بين الطرفين”.

وأضاف الهيبة، “في الحالات التي يكون فيها مبلغ الدعم يقل عن 50000 درهم، فإن تقديم الدعم يتم اتخاذه بقرار من الآمر بالصرف، بعد تقديم ملف متكامل من طرف الجمعية طالبة التمويل، وأنه إذا كانت الجمعيات الرياضية صغيرة الحجم وتنشط في إطار الهواية، بحكم عدم توفرها على موارد مالية كبيرة، فإن الجامعات الرياضية باعتبارها فاعلا أساسيا في القطاع الرياضي هي المعول عليها لتنفيذ السياسة الرياضية للدولة أو الصعود بالمجال الرياضي إلى درجة الاحتراف، مشيرا إلى أنه للحصول على الإمكانات المالية اللازمة لبلوغ هاته الأهداف تم توقيع عقود برامج و دفتر تحملات مع الوزارة الوصية”.

وأضاف الهيبة، “بمقتضى هذا العقد-البرنامج، تلتزم الجامعة الرياضية الموقعة في مقابل تلقي الإعانات المالية للدولة بتحقيق الأهداف المسطرة، ومن ذلك تقوية أسس الحكامة الجيدة في مجال التدبير الإداري والتقني لشؤون الجامعة، إلى جانب ضمان شفافية محاسبتها في كيفية صرف المال العمومي وإنجاز تقارير للأنشطة وتقييمات سنوية وتوسيع قاعدة الممارسين وتطوير برامج التكوين، كما تلتزم الجامعات الرياضية بتبني استراتيجية رياضة النخبة لبلوغ نتائج ملموسة في المنافسات الرياضية الدولية الكبرى”.

وأوضح الإطار بقطاع الرياضة، “أن ترسيخ ثقافة النجاعة وتحقيق الأهداف المتوخاة من دعم القطاع الرياضي لن يتأتى فقط بوضع الشروط القانونية وإبرام اتفاقيات الشراكة، بل لابد من التتبع والرقابة المالية لأوجه صرف المال العمومي وهذا ما سنتناوله في الفصل الموالي”.

أوجه الرقابة  

أكد المصطفى الهيبة، “أن وضع سياسة عمومية ناجعة في القطاع الرياضي، يتطلب ضمان الاستقلالية الحقيقية للجامعات والجمعيات الرياضية من خلال تحويل طبيعة العلاقة التي تربط الدولة بالجمعيات الرياضية من وصاية إلى شراكة وتعاقد، سيما وأن هذه الجمعيات جزء لا يتجزأ من مؤسسات المجتمع المدني الذي ما فتئ أصحابه ينادون بالاستقلالية”.

وتابع، “يمارس الآمرون بالصرف الرقابة المالية القبلية على أوجه الصرف العمومي المقدم للجمعيات الرياضية، في هذا الصدد، فإن الوزارة الوصية على القطاع الرياضي لا توافق على تقديم الإعانات إلا للجامعات الرياضية التي توقع معها عقد-البرنامج وتلتزم بدفتر التحملات الذي يتضمن مجموعة من الشروط والأهداف الواجب تحقيقها، ومن ذلك شفافية حسابات الجامعات الرياضية المتعاقدة والمصادق عليها من طرف مراقبي الحسابات”.

وأشار الإطار بقطاع الرياضة إلى “أن الوزارة الوصية قد تحرم الجامعات الرياضية التي لا تحترم التزاماتها المسطرة في عقد البرنامج من الإعانة المالية المخصصة لها برسم السنة الموالية، وفي بعض الحالات قد يتم تخفيض قيمة الإعانة بالنظر إلى نسبة تحقيق الأهداف”.

وأوضح الهيبة أن، “الرقابة القبلية التي تمارسها الوزارة على الجامعات الرياضي في الغالب يكون الهدف منها الحفاظ على الموازنات المالية الكبرى للميزانية العامة، واعتبارا لما قد يشوب الرقابة القبلية من نقائص، فقد تم تعزيزها بالرقابة البعدية للإدارة على الأموال العمومية المقدمة للجمعيات الرياضية”.

المفتشية العامة للمالية

وقال الهيبة، “تتبوأ المفتشية العامة للمالية مكانة مركزية وموقعا محوريا ضمن منظومة الرقابة الإدارية البعدية على صرف المال العام وذلك بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث الاختصاص أو المجال، حيث تتسع لتشمل جميع الأموال العمومية أيا كان مصدرها أو مكانها، وتعتبر مراقبة مالية كل جمعية رياضية تستفيد من دعم مالي عمومي من اختصاصات المفتشية العامة للمالية”.

وأضاف، “تقوم هذه المراقبة إما بصفة تلقائية أو بطلب من الوزارة الوصية على القطاع الرياضي، ولعل الظهير الشريف المتعلق بحق تأسيس الجمعيات هو الإطار القانوني المنظم لهاته الرقابة، حيث نص الفصل 32 من هذا الظهير على أن حسابات الجمعيات التي تتلقى دوريا إعانات من احدى الجماعات العمومية تخضع لمراقبة مفتشي وزارة المالية، وأضاف الفصل 32 مكرر مرتين أن الجمعيات التي تتلقى أكثر من 10000 درهم كإعانة من أحد أشخاص القانون العام تجري على دفاتر حساباتها مراقبة مفتشي وزارة المالية”.

وزاد قائلا، “تعتبر المهام الموكولة للمفتشية العامة للمالية في هذا المجال واسعة ودقيقة، حيث تشمل تدقيق وافتحاص ميزانية وحسابات جميع الجمعيات الرياضية المستفيدة، بصفة مباشرة أو غير مباشرة من الدعم المالي المقدم من طرف الدولة أو الجماعات المحلية أو المنشآت العامة ومراقبة تسييرها”.

وأشار الهيبة إلى أن، “تنوع واتساع نطاق الرقابة المالية الإدارية لا يمكن أن يغني الرقابة القضائية التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات والقضاء الزجري عند الاقتضاء”.

المجلس الأعلى للحسابات

الباحث في سلك الدكتوراه تخصص العلوم القانونية والإدارية والمالية، محمد معاش، قال في تصريح لجريدة “العمق”، “فيما يخص الرقابة المالية على مالية الجمعيات الرياضية، فإن الاختصاص ينعقد للمجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات في إطار اختصاص مراقبة استخدام مراقبة استعمال الأموال العمومية”.

وأضاف معاش، “غير أن هذا الاختصاص رهين باستفادة هذه الجمعيات من مساهمات من طرف الدولة أو المؤسسات العمومية أو جماعة محلية أو الأجهزة الأخرى الخاضعة لرقابة كل من المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، وذلك ما تنص عليه المادة 86 و154 من مدونة المحاكم المالية”.

وأوضح الباحث في سلك الدكتوراه تخصص العلوم القانونية والإدارية والمالية، “أن هذه الرقابة تهدف إلى التأكد من أن استخدام الأموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الأهداف المتوخـاة من المساهمة أو المساعدة”.

وتابع، “المادة 87 و155 من المدونة تلزم الجمعيات التي تتلقى مساهمات كيفما كان شكلها من الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات بتقديم الحسابات المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية التي تلقتها لدى المجلس”.

نصوص قانونية

أكد محمد معاش في حديثه لـ”العمق، “أن القانون رقم 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة ينص في المادة 9 منه على أن تتضمن الأنظمة الأساسية للجمعيات الرياضية بنودا تهدف إلى ضمان الشفافية في التدبير الإداري والمالي”.

وأضاف، “على مستوى الواقع، نجد أن أكبر مدعم للجمعيات الرياضية هي الجماعات، إذ نجد أن المادة 92 من القانون التنظيمي 113.14 تنص على أن من القضايا التي يتداول فيها مكتب المجلس توزيع المساعدات والدعم لفائدة الجمعيات، فمثلا على مستوى جماعة مراكش صادق المجلس في دورة عقدت بتاريخ 29‏/07‏/2022، على دعم الجمعيات الرياضية بمبلغ 259 مليون سنتيم”.

وختم معاش حديثه بالقول: “بخصوص الإجراءات التي يجب اتخادها من أجل تعزيز شفافية مالية الجمعيات الرياضية ومحاربة أشكال الريع والتنافي، فإنه يتعين أولا إعمال رقابة القاضي المالي في الرقابة على الأموال العمومية التي تتلقاها هذه الجمعيات، ذلك من خلال برمجة رقابة ميزانية هذه الجمعيات المدعمة ضمن البرنامج السنوي للمجالس الجهوية للحسابات، وفرض غرامات على الجمعيات التي تتخلف عن تفعيل المادة 155 من مدونة المحاكم المالية، مع تفعيل دورية وزير الداخلية d2185 الصادرة بتاريخ 5 ابريل 2018 والتي تهدف إلى تنظيم الدعم المقدم من طرف الجماعات الترابية لفائدة الجمعيات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *