لنا ذاكرة

زينب النفزاوية.. حسناء “أغمات” وزوجة الحكام والسلاطين التي خبرت السياسة

وصفها المؤرخ أحمد بن خالد الناصري، بـ”سعد يوسف بن تاشفين، والقائمة بمكله، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب”، وقال عنها ابن أبي زرع في روض القرطاس، إنها امرأة حازمة لبيبة ذات عقل ورأي وجزالة ومعرفة بالأمور حتى كان يقال لها الساحرة.

زينب النفزاوية، حسناء حوت كل المفاتن، سيدة زمانها وملكة عصرها، وُهبت الجمال وجُعلت لها الحكمة، ومَلكت قلوب الحكام السلاطين، فباتوا مرآة لحكمة وفطنة ورجاحة عقلها، وخبر ضلوعها في أمور السياسة والحكم.

نشأتها وذياع صيتها

هي زينب الشهيرة بالنفزاوية نسبة لقبيلة نفزاوة، بنت إسحاق الهواري ذي الأصول القيروانية، وأحد كبار تجار مدينة أغمات، يرجح تاريخ ولادة النفزاوية بأغمات ما بين سنتي 430 و440 هجرية، وهي الفترة التي تصادف اهتمام المرابطين بالمدينة التاريخية، قبل استيلاء أبوبكر بن عمر اللمتوني عليها، والشائع أنها ولدت سنة 464.

رأت النفزاوية النور في فضاء العلم والثقافة التي امتازت بهما مدينة أغمات بفضل الشيوخ والأدباء والعلماء الذين كانوا يفدون من كل حدب وصوب على ذوي الجاه والسلطان، وترعرعت في أكناف أسرتها الميسورة، أضحت في باكورة أنوثتها تنضح جمال ورقة وسمتا حسنا، وبذلك اشتهرت أول الأمر بين الناس وذاع صيتها في الأنحاء، قال عنها ابن عذاري: ‘‘كان في أغمات امرأة تعرف بزينب النفزاوية قد شاع ذكرها وأمرها بين قبائل المصامدة وغيرها‘‘، وبذياع صيتها ذاع خبر رفضها الزواج إلا ممن يحكم المغرب.

زوجة السلاطين

كان زواجها الأول من شيخ أوريكة يوسف ابن علي ابن عبد الرحمان، بعدها تزوجت من لقوط زعيم بنو يفرن، بعد أن تغلب على قبائل أوريكة وقتل زوجها الأول، لم يدم زواج النفزاوية الثاني كثيرا، إذ ما لبث القوط أن قُتل هو الآخر على يد المرابطين بتادلة.

زواج النفزاوية الثالث كان من المؤسس الأول لدولة المرابطين، أبوبكر بن عمر اللمتوني، الشيخ الزاهد الورع التقي، كما عرف عنه، استمر زواجها من أبي بكر إلى حدود نشوب الفتن في الصحراء، آنذاك قرر الهجرة لإخماد الفتن القائمة وتوسيع رقعة الإسلام فما كان منه إلا أن يفترق عن النفزاوية.

حين علمت النفزاوية رغبة أبوبكر بن عمر اللمتوني في الهجرة للصحراء، وهو الذي لم يراع فطنتها ورجاحة رأيها وفصل قولها، ولم يشركها في أمره، كما هو متداول، خاطبته بالقول: وأنا كيف أصحبك في الجيش وكيف أتنقل معك في الصحراء حتى غانا وبلاد السودان..

كان رد أبوبكر اللمثوني بالقول “لا يمكنني أن أمشي وأنت في عصمتي، فإن أنا مت كنت مسؤولاً عنك، والرأي أن أطلقك‘‘ فقالت له: سمعنا وأطعنا، وقال أيضا: على أنه لا يصح أن تبقي لوحدك وليس لك محرم يسعى عليك فإذا كان الله قد قضى بيننا بالفراق وكان لا بد لك من زوج فعاجله خير من آجله والرأي أن تتزوجي ابن عمي ونائبي يوسف ابن تاشفين نعم الرجل هو أهل لك.

وفي هذا جاء عن ابن أبي زرع في روض القرطاس قول أبوبكر بن عمر اللمتوني: يا زينب إنك ذات حسن وجمال فائق وإني سائر إلى الصحراء برسم الجهاد لعلي أرزق الشهادة والفوز بالأجر الوافر، وأنت امرأة لطيفة لا طاقة لك على بلاد الصحراء وإني مطلقك.

في السياسة والحكم

وذكر ابن عذاري في البيان أن أبا بكر طلب من ابن عمه يوسف ابن تاشفين أن يتزوج بزينب على أنها امرأة مسعودة، الأمر الذي وافق عليه ابن تاشفين باني الدولة المرابطية، ويجمع المؤرخون على أن للنفزاوية دور بارز في تدبير الشأن السياسي لدولة المرابطين، وصاحبة الرأي في انقلاب ابن تاشفين على ابن عمه أبوبكر بنعم ر اللمتوني حين عودته من إخماد فتن الصحراء..

حين كان قاب قوسين أو أدنى من أن يتنازل لابن عمه أبوبكر بن عمر اللمتوني عن إمارة المغرب، بعد أن فوضه عليها لــ 11 عاما، خاطبته زينب بالقول: “ليس الأمر بينك وبينه، وما هي دنيا تُغالبه عليها أو يغالبك، لكنه صالح المسلمين ودولتهم وإن كنت تتوهم أنك تقدم الصالح العام على الخاص وتُأثره على نفسك حين تنزل له عن الإمارة فأعد النظر فالضد هو الصواب؛ إذ إنك بذلك إنما تفرط بصالح الأمة فقط لترفع عن نفسك التهمة أو تدفع عن نفسك الحرج”.

وقالت أيضا، “إن كان ابن عمك صاحب تقوى وصلاح، فإن التقوى وحدها لا تصنع أميرا بارعا عظيما، وقد جعل الله الأمور منوطة بأسبابها، وقد أعطاك من أسباب الإمارة والتدبير ما لم يعطه مثله وإلا كيف صارت كل المغرب بيدك بعد أن توليت أمورها.. مثل هذا يكون لمن يغيب شهرا ولكن 11 عاما، في أي سنة من سنن السلطان يكون هذا..”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *