مجتمع

حرفة بلادي (ح3).. الزليج الفاسي صناعة تبرز الأصالة المغربية منذ قرون (فيديو)

انبثقت صناعة الزليج الفاسي من نظرة موحدة وشمولية عن الفن الهندسي يطبعها الفن التجريدي الساحر، وذلك في العصر الذهبي الأندلسي، وتوارثت صناعة الزليج بفاس أبا عن جد دون دراسته في مدارس أو معاهد تكوينية أو تعليم منظم.

وفي الوقت الذي اختص المغرب الأقصى والأندلس بالفن الهندسي، اتخذت مدينة فاس المغربية فسيفساء الزليج رمزا لتزيين المساجد والقصور والأزقة منذ 12 عشر قرنا، انطلاقا من زخرف جامع القرويين وضريح مولاي ادريس بفاس وقصر الحمراء بغرناطة وقصر البديع بمراكش وجل المنشآت المعمارية في المغرب الوسيط والمعاصر.

يعتبر الزليج فناً تقليدياً مغربياً، يتألف من قطع صغيرة من الفخار الملون والمزخرف، يتم تركيبها بشكل هندسي معقد لإنشاء تصاميم فريدة وجذابة، ويتم تصنيع الزليج بطريقة يدوية بواسطة أيادي صناع تقليديين أخذوا على عاتقهم الإبداع والعمل بمهنية، وفقًا لتقاليد عريقة تعود إلى عصور الحكم المغربي الأندلسي.

وتتم سيرورة انتاج الزليج كما في مجال صناعة الفخار، فالطين هو المادة الأساسية المستعملة في صناعة الزليج، ففي البداية يستخرج الطين من منطقة نواحي جماعة سيدي حرازم بجهة فاس مكناس، وهي المنطقة الوحيدة بالمغرب التي تتميز بصخور طينية ذات جودة عالية، ويفتت الطين في حوض مائي يسمى ب “الزوبة” لمدة ثلاثة أيام من أجل تخميره وتحويله إلى عجين طيني.

وبعد ذلك تتم عملية المجانسة عجنا وذلك باليد مع تنقية العجين الطيني من الأحجار الصلبة أو الشوائب، ثم يتم تجفيفه في الظل للحصول عل عجين قابل للقولبة، لهذا الغرض يملأ المعلم الضراب قالبه طينا بواسطة مطرقة مسطحة، بعدها توضع المربعات تحت أشعة الشمس لتجف وتيبس، وبعد ذلك تأتي عملية الحرق داخل فرن محكم الإقفال حرارته 950 درجة مئوية إلى ما فوق ذلك.

وبعد ذلك يتم تلوين هذه المربعات ثم إرجاعها إلى الفرن مرة ثانية، ليعطيها لمعانا بعد طلائها بمواد معدنية مكونة مت الرصاص والقصدير والنحاس والكابلت، ثم يتم تسليمعها للمعلم “النقاش” الذي بدوره يوزعها على المعلمين “الخطاطة” ثم “الكسارة”، الذين يقومون بتكسير المربعات إلى قطع صغيرة مختلفة الشكل والإسم واللون، قبل أن تصل الزليجة لمرحلتها الأخيرة عند المعلم “الفراش” الذي يفرش هذه القطع الهندسية بشكل مقلوب وبتركيز عالي للحصول على أشكال هندسية تطبعها جمالية فسيفساء الزليج الفاسي التقليدي.

تأتي بعد ذلك مرحلة التقوية والتجميع، بواسطة السيما والرمل، ثم تلصق اللوحات على الجدران حسب تسلسلها، ليعطينا في الآخر لوحات هندسية بالزليج المغربي الأصيل، قد تكون عبارة عن سقايات أو نافورات أو أبواب أو جدران غرف الضيوف …

وتُعتَبَر المباني التاريخية والمساجد والمدارس المغربية من أبرز الأمثلة التي تضم زخرفة الزليج الفاسي العريقة، حيث استُخدِم الزليج الفاسي في الديكور الداخلي والخارجي وفي تأطير الأبواب والنوافذ، بالإضافة إلى تشييد الأعمدة والقُباب والنافورات.

ويظلُ الزليج الفاسي تعبيراً عن هوية المغرب وتاريخه الغني، كما يعكس التأثيرات العربية والأمازيغية والأندلسية في الثقافة المغربية، كما يبقى الزليج الفاسي خير شاهد على الإبداع الفني والحرفي المغربي، حيث يواصل لفت انتباه عشاق الفن العربي الإسلامي الأصيل، بفضل جماله ودِقة تصميمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *