اقتصاد، سياسة

هل أفقدت سياسات “ماكرون” فرنسا نفوذها وتأثيرها الاقتصادي في المغرب؟

الملك وماكرون

أفادت صحيفة “جون أفريك”، أن الاضطرابات السياسية في العلاقات بين باريس والرباط، تخفي في الواقع خسارة فرنسا لنفوذها الاقتصادي بالمملكة، مشيرة إلى أنه في ظل التراجع الفرنسي الكبير في الاقتصاد المغربي أصبحت إسبانيا الشريك التجاري الأول للمملكة، بينما احتلت الولايات المتحدة للمرة الأولى صدارة المستثمر الأجنبي الأول بالمملكة.

وقال أنس عبدون، وهو محلل مختص في قضايا إفريقيا والشرق الأوسط بمكتب الاستشارات “ستراتاس”، ضمن مقال منشور على الصحيفة الفرنسية، إن قضيتان حساستان قوضتا الدبلوماسية الفرنسية في شمال إفريقيا، حيث أشار إلى استدعاء السفير الجزائري في فرنسا للتشاور بسبب قضية الناشطة الفرنسية الجزائرية “أميرة بوراوي” المدانة في الجزائر والممنوعة من المغادرة نحو فرنسا.

من جهة أخرى، تحدث عبدون ضمن مقاله المعنون بـ”من الجزائر إلى المغرب، فرنسا بين الأزمات الدبلوماسية والفشل الاقتصادي”، عن إعلان المغرب انتهاء مهمة سفيره في فرنسا دون تسمية خليفة له، وبحسب المحلل السياسي المذكور، فإن هذه التقلبات الدبلوماسية توضح فشل توازن باريس بين الجزائر والرباط ، وقبل كل شيء تشير إلى فقدان التأثير الاقتصادي في باريس.

وتشير “جون أفريك”، إلى أن الاعتبارات الاقتصادية كانت هي أصل التقارب بين باريس والجزائر، اللتين تحافظان تقليديًا على علاقات متضاربة، مضيفة أن الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة التي تمر بها أوروبا أقنعت أخيرًا إيمانويل ماكرون بالحاجة إلى اللجوء إلى الجزائر للاستيلاء على بعض من غازها.

على الجانب الجزائري، تضيف الصحيفة، لا يفسر التقارب مع فرنسا من خلال العمل على تهدئة ذكريات الاستعمار الفرنسي للجزائر، بقدر ما يفسر بالحاجة إلى الاستثمارات الفرنسية، موردة أنه بالرغم من أن الجزائر منحت الجزء الأكبر من عقود استكشاف البترول إلى الشركة الإيطالية ENI، رغم قضايا الفساد التي تورطت فيها، إلا أنها لاتزال بحاجة إلى استثمارات أخرى لا تستطيع تحقيقها إلا شركة “توتال إنرجي” الفرنسية.

ومضت مستطردة: “بدون استثمارات كبيرة، لن تكون الجزائر، التي لم تعد قوة نفطية، دولة مصدرة للغاز خلال عقد من الزمان. ومع ذلك، لا تزال هناك بطاقة واحدة لم تلعبها الدولة بعد، وهي ورقة احتياطيات النفط الصخري”، وهنا تقول الصحيفة إن الشركة الفرنسية تتقدم بشكل كبير على نظيرته الايطالية، فيما يخص الإتقان التقني والتكنولوجي للغاز الصخري.

ويرى أنس عبدون، أن “توتال إنرجي” تعرف الجزائر بشكل أفضل، كما أن لديها سياسة استثمارية أكثر جرأة، مقدما مثلا على ذلك باستثمارها 15 مليار دولار في موزمبيق على الرغم من السياق الجيوسياسي المتوتر، مضيفا أن الشركة الفرنسية هي موضوع اهتمام السلطة التنفيذية الجزائرية، خصوصا وأن استخراج الغاز الصخري يتطلب استثمارات ضخمة.

في غضون ذلك، قالت “جون أفريك”، إن التقارب بين باريس والجزائر، عمق من الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا، مضيفة أن الشراكة الإستراتيجية القديمة بين باريس والرباط وصلت إلى النهاية، إذ أن العلاقة بين البلدين تكمن في دعم فرنسا السياسي والدبلوماسي للمغرب في قضية الصحراء مقابل علاقات اقتصادية مميزة وحضور قوي للشركات الفرنسية في المغرب.

وأشارت إلى أن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي المغربي بأكثر من 50 بالمائة في عشر سنوات دفعت الرباط إلى الرغبة في إعادة التوازن إلى هذه العلاقة الاقتصادية، حيث باتت الشركات المغربية في قطاعات البنوك والتأمين والبناء تنافس بقوة الشركات الفرنسية في غرب إفريقيا.

علاوة على أن الدبلوماسية الاقتصادية للمملكة فعالة للغاية لدرجة أن الرئيس إيمانويل ماكرون ذكرها في خطابه في يونيو 2017 في المغرب ، حيث دعا إلى “الجمع بين هذه السياسات الأفريقية” بين فرنسا والمغرب، وفق تعبير المصدر ذاته.

واعتبرت الصحيفة الفرنسية، أنه في نفس العام الذي اعترفت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وأعلن المغرب أن الشراكات الأجنبية للمملكة ستحدد من الآن فصاعدا على ضوء المواقف بشأن قضية الصحراء المغربية، سجل الوجود الفرنسي تراجعا كبيرا في الاقتصاد المغربي.

وبحسب المحلل السياسي، أنس عبدون، فإن التقارب الذي بدأه إيمانويل ماكرون مع الجزائر لم يرق إلى النجاح المتوقع، بسبب الخلاف مع الرباط، في حين يتزايد تعاون المغرب مع إسبانيا وألمانيا، -اللتان تدعمان خطة الحكم الذاتي في الصحراء-، خصوصا في مجال الهيدروجين الأخضر والصناعة والزراعة.

ووقعت مدريد حوالي 20 اتفاقية تعاون مع المغرب، في حين زادت برلين من صادراتها نحو الرباط بنحو 30 بالمائة في 2022، في حين بدت، بحسب عبدون، فرنسا متخلفة عن السوق المغربية، كما أنها لا تزال غير قادرة على تحقيق أي اختراق في السوق الجزائرية.

وخلص المحلل المختص في قضايا إفريقيا والشرق الأوسط بمكتب الاستشارات “ستراتاس”، إلى أن بصمة فرنسا في المشاريع الاقتصادية الكبرى في البلدين، تلاشت، كما أن الموازنة التقليدية لباريس، بين الجزائر والرباط تهدد الآن موقعها الجيوسياسي ومصالحها الاقتصادية في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *