سياسة

ما السر في تغير نبرة الدبلوماسية الخارجية للمملكة المغربية؟

العاهل المغربي

نشرت الصحيفة الفرنسية “جون أفريك” تقريرا أشارت فيه إلى أن منطق المغرب في  تدبير شؤون السياسة الخارجية يتسم بالشفافية والفعالية، وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس خلال خطابه يوم 20 غشت بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة الملك والشعب.

وأشارت الصحيفة إلى أن النبرة المباشرة وغير المقيدة التي استخدمها دبلوماسيو المملكة في السنوات الأخيرة، مثل تلك التي صدرت من وزير الخارجية، ناصر بوريطة، خلال أزمة الرباط ومدريد في عام 2021، أو تلك التي يستعملها ممثل المغرب في الأمم المتحدة في نيويورك، عمر هلال، تعطي فكرة واضحة على وجود حزم واضح في السياسة الخارجية.

ونقلت “جون أفريك” عن السفير السابق للملكة لدى الأمم المتحدة، محمد لوليشكي، قوله: “الدبلوماسية المغربية هي ثمرة تقليد عريق في العلاقات الخارجية مكّنها من التغلب على العديد من المحن والتحديات خلال تاريخها الطويل. ولذلك فهي تعمل بطريقة متوازنة وهادئة، دون أي اندفاع “.

“من ناحية أخرى، فهي قوية وحازمة، بمعنى أنها تدافع عن مصالحها بحزم وإصرار، من خلال الحجج والبراهين، ولكن دائمًا مع احترام محاوريها مهما كان الوضع، وشدة التوتر أو الشدائد التي قد تتعرض لها معهم تخضع للمعاملة بالمثل، وهي القاعدة الذهبية لكل الدبلوماسية”، يضيف لوليشكي.

وتساءلت الصحيفة الفرنسية قائلة: “من أين تأتي هذه النبرة المباشرة، وحتى الجافة التي تستخدمها السلطات المغربية، والتي يمكن أن تعطي للبعض انطباعًا بسياسة “معي أو ضدي”؟ هل المغرب “ثمل” من نجاحاته الدبلوماسية الأخيرة، مثل اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء؟ أم أنها مرتبطة بشخصية المسؤولين عن تطبيق الدبلوماسية المغربية اليوم، مثل ناصر بوريطة أو عمر هلال أو يوسف العمراني، الذين يتناقض أسلوبهم مع أسلوب بعض أسلافهم مثل محمد بن عيسى أو الطيب الفاسي الفهري؟

وفي هذا السياق، أوردت الصحيفة تصريحا للدبلوماسي الأسبق، محمد لوليشكي قال فيه إن سياسة المغرب الخارجية، من حيث الرؤية والاستراتيجية، هي امتياز ملكي. لذا فإن الأسلوب الذي تتبناه لا يعكس أسلوب الرجال المسؤولين عن تنفيذه بل أسلوب الملك، الذي عمل منذ توليه العرش في عام 1999 على ترك بصمته في الدبلوماسية المغربية التي تركز على الجانب البراغماتي والإنساني في آن واحد، فضلا عن استمرار مبادئ الدبلوماسية المغربية التي يمكن أن نراها في العهود السابقة.

وبالتالي، يضيف المصدر ذاته، فقد دفع بسرعة كبيرة بسياسة أفريقية، دون أن يسعى ليكون زعيم إفريقيا. وتحركه كان وفق منطق الشراكة بين المغرب والدول الإفريقية من خلال تبادل المعرفة والمهارات والموارد، كما في حالة الفوسفاط الذي يجب أن يكون في خدمة جميع الأفارقة، لتجد أفريقيا في النهاية مكانها الصحيح على المستوى الدولي.

وأوضح المتحدث نفسه أن التغيير في لهجة الدبلوماسية ليس مقتصرا على المغرب، لكنه مرتبط بتكوين دولي جديد، حيث يجب على كل دبلوماسية تكييف أهدافها وأدوات عملها ووسائل عملها مع أسلوب جديد.

ميزة أخرى للدبلوماسية المغربية، تضيف الصحيفة، وهي تنوع الشركاء والتي يبدو أيضًا أنها تزعج بعض أصدقائها التقليديين. وهو اتجاه غير جديد، لكنه برز في السنوات الأخيرة، خاصة منذ الإعلان المفاجئ، في 20 دجنبر 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل واعتراف واشنطن بمغربية الصحراء.

كان هناك تغيير كبير في الجغرافيا السياسية الإقليمية، وأعطى العلاقات المغربية الأمريكية، التي كانت بالفعل استراتيجية للغاية، مجالًا أكبر. قد يكون هذا قد أساء إلى بعض شركاء المغرب التقليديين في أوروبا، الذين رأوا في ذلك رغبة الرباط في إبعادهم، وهذا أمر مستبعد من الجانب المغربي، لأنه في العقيدة الدبلوماسية المغربية، لا يتم أبدًا إقامة تحالفات مع أحدهم ضد الآخر.

وقد لوحظ ذلك مع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، والزيارات العديدة لملك المغرب إلى القارة ، بما في ذلك شرق إفريقيا ، حيث كان للرباط حضور ضئيل في الماضي، أو حتى مع تقوية العلاقات مع إسبانيا الأزمة بين البلدين، أو مع ألمانيا. ناهيك عن العلاقات التقليدية والخاصة للمملكة مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث استطاع المغرب الحفاظ على حياده في الصراع بين قطر وباقي أعضاء المجلس (السعودية، الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وعمان).

منذ ذلك الحين، تبنت الرباط نفس النهج في الصراع الأوكراني الروسي. إذ المغرب صديق الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت لا يتردد في تطوير علاقاته مع الصين أو روسيا، وهما دولتان عملت الدولة المغربية في عام 2016 على وضع أسس لشراكات استراتيجية في عدة مجالات.

وهذا الخط الذي اتبعته الدبلوماسية المغربية لا يعود تاريخه إلى اليوم، ومن هنا استغرب الدبلوماسيون المغاربة من الإحراج الذي يشعر به بعض شركائهم في الوقت الحالي.

وختمت الصحيفة تقريها بالقول إنه بالنسبة للمغرب لا يوجد صديق نهائي أو عدو نهائي، وهي عقيدة تعيد صياغة مقولة تشرشل: “ليس هناك أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *