مجتمع

الاعتداءات الجنسية على الأطفال.. قصور قانوني وتطبيع مجتمعي يفاقم انتشارها

التحرش الجنسي بالأطفال

مع الانتشار المتكرر لأخبار الاعتداءات الجنسية على الأطفال، أصبح الأمر “شبه عادي” في الوسط المغربي، فكل شهر على الأقل ينتشر خبر مفاده أن طفلا أو طفلة تعرضت لاعتداء جنسي من طرف شخص ما، إما قريب أو بعيد، أحيانا ينتج عنه حمل، وأحيانا تبلغ قسوة المعتدى حد قتل الضحية.

هي حالات كثيرة، لا يتسع المقام لذكرها، لكن بعضها بقي راسخا بالأذهان، ربما لانتقال تفاصيلها من الواقع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وآخرها على سبيل الذكر قصة الطفل عدنان بطنجة (2021)، والطفلة سناء بتيفلت (2023).

وحسب التقرير السنوي للنيابة العامة في المغرب، الذي صدر في يناير الماضي، كشف أن نسبة العنف الجنسي ضد الأطفال خلال سنة 2021 بلغ نسبة 47 في المائة، وتم تسجيل ما مجموعه 6314 جريمة وجناية ارتكبت ضد الأطفال خلال نفس السنة، توبع خلالها 6855 شخصاً، فيما بيّن نفس التقرير أن 1779 من هذه الجرائم تتعلق بهتك عرض قاصر بالعنف، و1031 تتعلق بهتك عرض قاصر دون عنف، فيما 184 قضية تتعلق بالاغتصاب.

في ظل هذه المعطيات والأرقام المرتفعة، يطرح سؤال سبل احتواء ضحايا هذه الاعتداءات، وكيف يمكن حماية الأطفال الآخرين؟

اشتهاء الأطفال

يصنف علم النفس “البيدوفليا” كاضطراب نفسي يصيب من بلغوا 16 سنة فأكثر، وفق كلام الأخصائي النفسي، رضا محاسني، ويوضح المتحدث أنه “اضطراب نفسي جسدي جنسي، يتطلب على الأقل فرق خمس سنوات بين المعتدي والمعتدى عليه”.

ويضيف محاسني، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال ليس بالضرورة من طرف أشخاص بالغين قانونيا، فمثلا أن يقوم شخص يبلغ 16 سنة بعلاقة جنسية (وإن كانت تبدو رضائية) مع شخص يبلغ من العمر 10 أو 11 سنوات، تعتبر اعتداءً جنسيا، وفق المتحدث.

وعن المصابين بهذا الاضطراب، يوضح محاسني أنه قد يكون إما تعرض لاعتداء جنسي في صغره، أو بقي حبيس تمثلات جنسية مرتبطة بالأطفال لعدم نضج نفسيته، مردفا أنه شخص “يحمل تمثلات شهوانية حادة ذات طابع جنسي، تتسم بسلوكات قبل مراهقاتة، أي أنه يبقى رهينا لمرحلة عمرية قبل المراهقة، كحبه لأقرانه في ذلك السن”.

ليس اعتداء جنسيا!

وفي تفسيره للخطوات التي يسلكها المعتدي للوصول إلى ضحيته، يرى الدكتور محاسني أن تسمية الاعتداء الجنسي هي “تسمية مجازية”، لأن الطفل المعرض لهذا الاعتداء في غالب الأحيان “لا يعيشه كاعتداء جنسي”، لكونه ينسج خيوط شبكته العنكبوتية العاطفية حول الطفل، وهو ما يجعله يبني علاقة ثقة معه حتى يحل محل أب أو أم، هذه الشبكة تمكنه من “فرض سلطة عاطفية تصل إلى السلطة الأبوية في العديد من الأحيان، ولهذا يصعب على الضحية التعرف على أن ما يقع له هو اعتداء”.

وسبب جهل الضحية لتعرضه للاعتداء، حسب رضا محاسني، هو أن “المعتدي يحل محل المحرم الذي يحمي ويحن ويعطف عليه، وهنا يمكننا الحديث عن خيانة الثقة للطفل الذي يشعر بنوع من العار والذنب، خاصة عند شعوره بمتعة ورعشة نتيجة مداعبة أعضائه الجنسية، يلوم نفسه لأنه لم يقاوم ولم يتحدث، وذلك راجع لكون الشخص المرتبط بالاعتداء هو شخص يحظى بثقة الجميع”.

احتواء نفسي للضحية

بعد خيانة ثقة الطفل (ة) من طرف المعتدي، وإحساسه بالعار وأنه هو المذنب الأول في القضية، تدخل الضحية في حالة من الصدمة في ظل تكتمها عما وقع، في ظل غياب أي حماية أو احتواء نفسي لها.

في هذا الصدد، ترى الناشطة الحقوقية، سميرة بوحية، أن “أهم شيء يجب القيام به هو احتضان الطفل(ة) وطمأنته، ودفعه للإحساس بالحماية والأمان، وتجنب الغضب والتأنيب، من قبيل طرح أسئلة توحي بمحاسبة الضحية وتحميلها المسؤولية، لكون شعور الطفل بالأمان والحماية، سيخلصه من الخوف، وهي مرحلة مهمة ستمكنه من الحديث والإفصاح عما جرى له”.

وتشير المتحدثة في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أنها تابعت العديد من الحالات التي عرفت تأخرا في المساطر القانونية، هذا التأخير في التعامل مع الشكايات يؤثر بشكل سلبي على الحالة النفسية للضحية نتيجة الخوف والرعب من انتقام المعتدي ومن نظرة المجتمع، وفي ظل غياب أي متابعة طبية نفسية أو اجتماعية لها، بهدف إعادة التوازن النفسي للضحايا وإعادة إدماجهم داخل المجتمع.

وتطالب بوحية الأسر في هذه الحالة، بضرورة طلب المؤازرة من إحدى الجمعيات الحقوقية الجادة، لتقديم الدعم والارشادات، أو التدخل في حالة “صدور أحكام مخففة بالمقارنة مع خطورة الجرم المرتكب”.

تأكيدا لما سبق، يشير رضا محاسني، إلى أن “70 في المائة من الحالات التي يتم التبليغ عنها لا تصل إلى أبعد نقطة بسبب صعوبة المساطر القانونية”، وأمام هذا المعطى يصعب على الضحية الإفصاح عن تفاصيل الحادث في ظل غياب أي دعم نفسي لها، وأيضا لكونها ترى بأنها ستصبح حديث الجميع في جلسات النقاش، خصوصا مع تبرير البعض بأنها “هي اللي قلبات عليها” (هي التي أرادت ذلك)، يسترسل المتحدث قائلا.

التربية على حرمة الجسد

من جهة أخرى، يربط الأخصائي النفسي، رضا محاسني، في تصريحه لـ”العمق”، ارتفاع حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال، بتطبيع المغاربة مع بعض الممارسات، المتمثلة في السماح لأحد أفراد العائلة بتقبيل الأطفال في مناطق حساسة بدعوى أن نيته حسنة، أو طلب بعض الآباء من أبناءهم الجلوس في حِجر قريب أو قريبة لهم، منبها إلى أن هذه الأفعال لا تخص الرجال فقط، بل أيضا النساء، مشيرا إلى أن هناك حالات عديدة لاعتداءات جنسية على الأطفال تكون من طرف النساء بدافع جنسي أو بدافع مرضي.

وللحد من هذه المظاهر، يدعو محاسني، إلى ضرورة تربية الطفل على حرمة الجسد، وأن ذلك “الجسد ملك له، ولا يحق لأي شخص أي كان أن يرغمه على تقبليه أو لمسه، وهذا الأمر يبدأ من عند الآباء، اللذان وجب عليهما ترك الحرية لأطفالهم في تقبيلهم وحضنهم، وترك المبادرة تأتي من الطفل”.

ونبه إلى خطورة تعويد الطفل على “حشومة وعيب بوس فلان أو فلانة” عند رفضه ذلك، لكونها تؤدي إلى تكسير حرمة الجسد، وترسخ لديه بأن جسده مباح للجميع، وأن بإمكان أي شخص، سواء كان قريبا منه أو بعيد، تقبيله ولمسه ومداعبته.

حمايته من زاوية حقوقية

بالعودة إلى الحقل الحقوقي، تؤكد بوحية، أن مسؤولية حماية الأطفال من أي اعتداء جنسي كيفما كانت صيغته، أكبر من أن تتحملها الأسرة وحدها، لاختلاف وضعية الأطفال، ففي بعض الحالات يكون المعتدي من داخل الأسرة نفسها، وفي أحيان أخرى تكون الضحية من الأطفال المتخلى عنهم أو بدون مأوى. “ولهذا فإن الدولة هي التي تتحمل هذه المسؤولية”، تضيف المتحدثة.

وتتمثل هذه الحماية، في توفير الشروط الاجتماعية، والتربوية، والثقافية، والصحية، والنفسية لفائدة الأطفال لمكافحة هذه الظاهرة. وتطالب الحقوقية بضرورة “إحداث مدونة خاصة بحقوق الطفل، التي ستشكل قاعدة حقوقية لبلورة آليات قانونية ملائمة، وعلى أساسها يتم اعتبار جرائم الاعتداء على الاطفال ترتقي إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة”.

وأبرز المصدر، أن من بين أهم مطالب الجمعية أيضا، “التنصيص على جريمة “البيدوفيليا” في القانون الجنائي، وتسهيل مساطر الانصاف القضائي لأسر الضحايا، واعتماد تقارير طبية، بما فيها الطب النفسي، كوسائل للإثبات، بالإضافة إلى عدم التساهل أو التماس ظروف التخفيف وتشديد العقوبات مع كل من تبين أنه قام باغتصاب أو اعتداء جنسي في حق طفل أو طفلة، خاصة في حالات اغتصاب الأطفال في وضعية إعاقة”.

خطاب مرعب

يشير الأخصائي النفسي، رضا محاسني، إلى أن الخطاب المجتمعي السائد في الوسط المغربي، والمبني على المطالبة بـ “الإعدام”، “الإخصاء”، “الحرق”، “المؤبد”، يصعب من مأمورية الأطباء والأخصائيين النفسيين من التعرف على المصابين بهذا الاضطراب، ومن التعامل معهم.

ويضيف المتحدث، أن “سماع أولئك الناس الذين لم يسبق لهم أن أقدموا على اعتداء جنسي، ولكن يعانون كل الوقت من تمثلات جنسية تحط في صلبها الأطفال، والتي يصعب عليهم تجازوها، يؤدي بهم هذا الخطاب “الدموي” المهدد بطريقة مباشرة بالموت، إلى عدم الإقدام على اتخاذ خطوة استشارة أخصائي نفسي لتجاوز صعاب هذا الاضطراب، وهو ما يدفعهم إلى كبت تلك التمثلات، وينتج عنه تراكمات تصل إلى ما لا يحمد عقباه، كالتفكير فالانتحار”.

وفي الأخير أشار المصدر، أن الدراسات كشفت “نسبة لا تتجاوز 5 في المئة من المعتدين “الشواذ”، و”الطغاة” و”الديكتاتورين”، الذين لا ينظرون إلى الشخص على أنه إنسان، وإنما كأداة جنسية، فيما النسبة المتبقية هي ممن يعانون من اضطرابات نفسية، قد تتبلور في بعض الأحيان إلى سلوكات إجرامية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *