حوارات، مجتمع

مغربية عالقة بسوريا تنشد العودة للمملكة .. لست إرهابية ولم أحمل السلاح (حوار)

مغربية عالقة بسوريا تنشد العودة للمملكة .. لست إرهابية ولم أحمل السلاح (حوار)

“أنا لست إرهابية ولم أحمل السلاح من قبل” بهذه الكلمات تدفع “سناء ب” وهي مواطنة مغربية من مواليد 1983، عالقة رفقة ابنها ذو الأربع سنوات بمدينة “إدلب” السورية، (تدفع) عن نفسها تهمة الإرهاب والتطرف، مؤكدة أن دخولها لسوريا رفقة زوجها كان بدافع طلب العلم في الشام.

وتحكي سناء، التي تنحدر من أسرة هاجرت إلى فرنسا، في حوارها مع جريدة “العمق”، تفاصيل مثيرة حول دخولها لسوريا، وكيف عاشت وسط الحرب والقصف، واصطدمت بواقع آخر غير الذي كانت تظنه، وكيف هربت من أراضي “داعش” ودخلت “مخيم الهول” وهربت منه إلى الحدود السورية التركية، علها تجد وسيلة للعودة إلى أرض الوطن رفقة طفلها.

إليكم الحوار الكامل:

حديثنا عن بعض تفاصيل حياتك قبل سفرك إلى سوريا؟

أنا سناء ب، مواطنة مغربية، لكن تربيت خارج البلاد، وكبرت وتعلمت في إحدى الدول الأوروبية (فرنسا)، واشتغلت في سويسرا وبعدما ارتديت الحجاب، وتعرفت على بعض الأخوات هناك، وأيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، صادف ذلك أنني كنت أبحث على طريقة لطلب العلم، وأتعلم اللغة العربية، لأن عربيتي كانت ضعيفة بسبب أنني كبرت في الخارج.

في سنة 2013 ذهبت إلى اليمن لدار الحديث وبالضبط إلى قرية “دماج” حيث التحقت بمدرسة “الشيخ مقبل” رحمه الله، وهو أحد العلماء اليمنيين هناك تعلمت الفقه ودروس بالعربي، ومكث هناك تقريبا سنة واحدة وبعد هجوم الحوثيين على المدرسة تم إخراجنا بآمان حتى صنعاء وبعد طلبوا منا الجوء إلى القنصليات.

آنذاك تم إرسال المغاربة إلى المغرب، ولم يكن هناك أي اشكال ولا مشاكل، والحمد لله دخلت بيتي في المغرب، وقضيت مدة سنة تقريبا أتنقل بين المغرب والخارج، حيث كنت أزور والدتي، وأيضا بعض صديقاتي في بلدان أخرى.

ما الذي دفعك إلى الإلتحاق بسوريا بالرغم من أن البلاد كانت تشهد صراعا كبيرا، وأغلب المناطق سيطر عليها تنظيم “داعش”؟

أثناء تجربتي في طلب العلم، تعرفت على زوجي والذي كان أيضا طالبا، وجاء قبلي إلى سوريا، وبعد ذلك التحقت به سنة 2015، ظنا مني أننا سنواصل طلب العلم في الشام، كما بدأناه في اليمن.

فعلا كنت أعلم بان هناك حرب، لكن لم أكن أتصور أو أظن أن الوضع سيكون بهذا السوء، لأن الناس كانوا يقصدون الشام رغم ذلك لطلب العلم. عندما وصلت البلاد توجهت إلى مناطق “إدلب” وهناك انتظرت مدة 3 أشهر، لوجود قصف شديد، وكنت خائفة من الوضع وإطلاق الرصاص بين الفصائل، لم أكن مستوعبة لما يدور حولي.

بعد ذلك، اتصل بي زوج وأخبرني أن هناك من سيأتي من أجل نقلي إلى “الرقة”، وأخبرته أين هي معاهد ومساجد طلب العلم؟ ورد علي اصبري، عندما يكون هناك قصف فمن غير الممكن الخروج. وكنت أقضي أغلب الوقت في المنزل، ومرت الأيام وأنا أعيش في رعب، وكنت أفكر من الخروج من سوريا، لكن لم أستطع ذلك.

حاولت التواصل مع أهلي، لكن لم يكن هناك أنترنت، كان ذلك ممكنا فقط في “صالات النت”، وطبعا طلبت مني والدتي أن أعود، لكن أخبرتها بعدم وجود أي طريقة للعودة، إذ كان قوات النظام تسيطر على الحواجز، وأيضا القوات الكردية، وهو ما يعني أن الخروج غير ممكن.

هل حاولت الهروب، وما هي الصعوبات التي واجهتك خصوصا وأنت في مناطق يسيطر عليها تنظيم “داعش”؟

قمت بعدة محاولات لكنها دائما ما تفشل، بعدها انقطع التواصل مع أهلي بشكل مفاجئ، وبقيت على تلك الحال إلى أن وصلت “دير الزور”، وبعدها حاولت أن أهرب انطلاقا منها، وجدت أحد المهربين، لكن المجموعة الأولى (تضم النساء والأطفال) تم القبض عليهم، وأخذهم الأكراد إلى المخيمات، ومن النسوة من ضاع مالها، ووقعت في أيدي مهربين لا يرحمون، وكنت أخاف أيضا من أن أتعرض للاغتصاب كما حصل لبعض الأخوات.

كل من يريد الخروج من أراضي الدولة الإسلامية، يكفرونه، ويعتقلونه ويقومون بتعذيبه، لأنه باعتقادهم يريد ترك بلاد الإسلام، هكذا يقولون، وكم قتل من الأشخاص، لأنهم كانوا يعارضون فكرهم، والكل كان يريد أن يخرج من تلك المناطق، رجالا ونساء، ولكن الوضع كان صعبا.

كنا نعاني الجوع، ولا يوجد مال، وأصوات القصف والرصاص لا تهدأ. رأيت أخوات يذهبن إلى “ديوان الزكاة”، لطلب الأكل والحليب لأطفالهن، كان ذلك مأساة حقيقة، وكل من يعارض، أو يقول هذا ليس دين الله، يأخذونه إلى السوق ويقومون بتعليقه لكي يكون عبرة للآخرين.

كنا في أيدي أناس لا يعرفون دين الله، ولولا أنني تلقيت بعض العلم في اليمن، لوقعت أيضا ضحية لهذا الدين الجديد، دين التكفيرين والخوارج، ولكن الحمد لله الذي عافانا، زوجي أيضا كانوا يريدون القضاء عليه، لأنه كان من حفظة القرآن الكريم ودارس للمذهب المالكي، وما كان ذلك يعجبهم.

الهروب من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” كان أمرا صعبا، والمبالغ المالية التي كانوا يطلبونها منا كانت كبيرة، وأهلنا في أوروبا ممنوع عليهم إرسال الأموال، لأن ذلك يمكن اعتباره مساعدة للإرهاب. في الأخير وجدنا نحن النساء أنفسنا في أيدي القوات الكردية وتم الزج بنا في المخيمات.

كيف كانت الظروف المعيشية في هذه المخيمات؟

كانوا يعاملوننا مثل الحيوان، بالرغم من أن الحيوانات في أوروبا لها حقوق، كان هناك أخوات مصابات ولم يهتم لأمرهن أحد، صديقتي مثلا كانت مصابة وكنت أرى الدود يخرج من رجلها، وهناك من بترت رجلها، أو تعرضت لحروق، كان الوضع بمخيم “الهول” صعبا جدا.

القائمين على المخيم، عزلوا المهاجرات عن السوريات لكونهن متشددات، وعموما ليس هناك مستشفى ولا أدوية، وكل ما يروج على الإعلام من احترام حقوق الإنسان، لم نر منه شيئا، وهناك أطفال ماتوا بسبب المياه الملوثة أو غياب العناية.

كنا نعيش داخل خيم من القماش، وإن تضررت الخيمة بسبب الأمطار أو الحرارة لا يمكن استبدالها، وفي رمضان والصيف لا يوفرون لنا مياه الشرب، وحتى إن وجدت المياه فيكون صراع كبير حولها، نفس الشيء بالنسبة للمواد الغذائية والمساعدات، والتي لا يتم تسليمها مرة في شهر ومرة أخرى بعد 3 أشهر.

من كانوا يتوفرون على المال، فيمكنهم شراء ما يشتهون من السوق، ومن ليس لديه، يجب عليه أن ينتظر وصول المساعدات. الوضع عموما كان مخيفا، وفي بعض الأحيان يتم حرق الخيم، ويدخل علينا العساكر ليلا للسرقة بحجة التفتيش، إضافة إلى أن هناك تكفيرين وجماعات متطرفة تقوم أيضا بحرق الخيم وزرع الرعب في المخيم.

مع كل هذه المعاناة ألم تفكري في الهروب أيضا من المخيم؟

دخلت مخيم “الهول” سنة 2019، وقبل ذلك بشهرين أنجبت طفلي، كان ذلك تحت القصف، وأثناء وضعي للمولود تذكرت كلام جدتي حينما كان تقول لي بأنها ولدت في البيت، “ما كان في فشوش مثلكم اليوم”، تذكرت هذا الكلام في تلك اللحظة وصبرت وكنت أكرر جدتي كانت تلد في المنزل، قد يبدو الأمر مضحكا، لكن لم يكن سهلا عليا، خصوصا وأنني تربيت في مجتمع حديث، والآن عاد بي الزمن 50 سنة إلى الوراء ليس هناك حياة ولا شيء.

بعد سنتين في مخيم “الهول”، وأنا أسميه معتقل، قررت أن أهرب منه، بأي وسيلة، لأن ابني بدأ يكبر ويمرض، وكنت سأفقده، وقلت يجب أن أنقذه من هذا المجتمع وأنقذ نفسي أيضا. حاولت الهروب مرة بعد تنسيق مع المهرب ولكن اكتشفت أنه نصاب، والعساكر سلبوا مني ما تبقى من المال لأنه كانوا ينسقون مع المهربين، وأرجعوني للمخيم وأدخلوني السجن مع ابني، لأن هناك سجن أيضا داخل المخيم.

مكثت هناك 3 أيام، وتعرضت للضرب والاعتداء، لكنني دافعت عن نفسي وابني الصغير بين يدي، ولا أحد منه رأف لحاله، وحقوق الطفل والإنسان داخل المخيم، مجرد حكايات وقصص للاستهلاك، لكن يجب على العالم أن يعرف بأن العساكر هم من يأخذون الأموال منا لكي نخرج، وإلا كيف نخرج وهم يحرسون المخيم من كل الجهات.

جربت مرة ثانية أن أهرب، ولم أفلح في ذلك، وفي الأخيرة وفرت مبلغا كبيرا، ونجحت في الهروب، وبعدها اعتقلتني عناصر من الجيش الحر، ووضعوني في السجن لمدة شهرين، وأطلقوا سراحي، وجئت إلى “إدلب” على الحدود بين سوريا وتركيا، وقد حاولت عدة مرات لأعبر الحدود ولم أستطع وأنا هنا منذ سنتين.

أنت الآن في “إدلب” كيف هي حياتك هناك؟ وهل تحسين بالأمان؟

الحمد لله أنني خرجت من مخيم “الهول”، ولكن هذا لا يعني أن المشاكل انتهت، فهنا أيضا لا يوجد أمان، وهناك جماعات وفصائل متطرفة، وقتل. وهناك مخيمات على شكل بيوت من غرفتين وحمام ومطبخ صغير، ولكن المنظمات تقدمها فقط للذين بحوزتهم أوراق، وهناك نساء يقمن بتزوير الوثائق ويقدمن أنفسهن على أنهن سوريات ويتحدثن باللغة السورية حتى يتمكن من الحصول على السكن المساعدات الغذائية.

الحمد لله، هناك أناس يساعدونني من أجل الخروج أيضا من “إدلب” باتجاه الأراضي التركية، حتى أتمكن من العودة إلى بلدي المغرب. ومادامت هنا، فقد قمت بتسجيل ابني في رياض الأطفال، وأدفع مصاريف تعليمه شهريا، وأوفر له كل شيء ليعيش طفلوته بشكل طبيعي وحتى لا يتذكر معاناة مخيم “الهول”.

هل لديك خطط للعودة للمغرب وما هي طموحاتك؟

بدأت فعلا إجراءات الدخول إلى المغرب، وشجعني على ذلك أن بعض الأخوات تمكن من العودة لأرض الوطن. أحاول الخروج الآن من “إدلب” ودخول تركيا، حتى أقصد القنصلية المغربية لأفاتحهم بخصوص قضيتي.

المغرب قد يقبلني أنا لكوني مغربية وأتوفر على نسخة من جواز السفر، لأن باقي الوثائق ضاعت مني، لكن ابني لن يقبل به لأنه لا ليس لدي أي اثباتات وكل شيء ضاع في القصف والحرب.

لذلك كلفت محاميا في المغرب، لكي يتكفل بقضيتي، لأنني تعبت كثيرا، ومهما كان الحال، فنحن مغاربة وأطفالنا مغاربة، وليس لديهم ذنب في أي شيء، ونتمى من الوطن أن يعفو عنا، ويعطينا فرصة أخرى لتربية أولادنا في أمان.

الأطفال ليس لهم ذنب في أخطائنا، وقد دفعنا الثمن في السجون، وشردنا وتبهدلنا في مخيم “الهول”، ونريد من السلطات المغربية أن تمنحنا فرصة جديدة. أريد تدريس ابني في المدارس المغربية. ورغم أننا هنا فإنني أعلمه اللغة الإنجليزية والفرنسية وأحاول أن أكون أمّا في المستوى رغم الصعوبات التي مررت منها.

فعلا أنا أخطأت تبعت زوجي، وجئنا إلى سوريا، وهو أيضا فهم أنه أخطا بالقدوم لهذا البلد، لكن بعد فوات الأوان، لأنه قُتل في سجون الأكراد. والآن أريد أن أجتمع بأهلي في المغرب، وأن أتواصل مع والدتي وباقي أهلي في أوروبا، لأنهم ممنوعون من التواصل معي بداعي مساعدة الإرهاب.

ما هي رسالتك للمسؤولين خصوصا وأن المغرب يحتاط كثيرا في التعامل مع ملف العائدين من بؤر التوتر؟

أنا لست إرهابية ولم أحمل السلاح، وزوجي (من الدار البيضاء) أيضا رحمة الله عليه كان طالب علم، وكان إمام مسجد، وظننا أن الناس هنا كلهم طيبين، وأننا سنجد أناس يتخلقون بأخلاق الإسلام، كما كان رسول الله، والصحابة، ولكن وجدناهم بعيدين عن العلم والأخلاق والإسلام بصفة عام، وكل إنسان معرض للخطأ، ولكن يجب أن تمنحوا لنا فرصة.

مهما وقع نحن مغاربة، أعرف أن ملف الإرهاب ملف خطير وطبعا المغرب يريد أن يحافظ على الوطن ويحصنه من المتطرفين خوفا من العمليات الإرهابية، لكنني لست إرهابية ولا أحمل أية أفكار متشددة، وأريد فقط أن أنسى ما حدث ويكبر ابني في بلده بجانب أهله، الآن عمره 4 سنوات، ويكفينا ما تعرضنا له من معاناة وتشريد، وندمنا ونرجو العفو، فنحن نساء وأطفال ضعفاء.

أنا شخصيا أتوفر على منزل خاص بمدينة طنجة، وأريد استعادة حياتي من جديد، من أجل طفلي ولأقوم بتربيته في المغرب أحسن تربية. نرجوا من الوطن أن يقبل بنا، وإن الله غفور رحيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Salem
    منذ 11 شهر

    رواية غير منطقية هل يمكن الذهاب لدولة غارقة في الحروب شعبها أغلبه نازح لا يجد لقمة عيش يعيش تحت وطأة الحصار والقصف وكل هذه المخاطرة من أجل طلب العلم ؟ وكأن العلم لا يلقن الا في الشام