مجتمع

هجرها 80% من سكانها.. الجفاف يحول واحة بزاكورة إلى هشيم تذروه الرياح (فيديو)

الجفاف بضرب جزءا من واحفة فزواطة بزاكورة

يمسح الشيخ السبعيني، محمد عبد الوحيدي، المكان بنظرة تسيل أسى على ما آل إليه هذا الجزء من واحة فزواطة بزاكورة. يضع كفه فوق جبينه ليحمي عينيه من أشعة الشمس، قبل أن تستقر حدقتاه على جذع نخلة ممدد على أرض زحفت عليها الرمال، فتعجز ملامحه عن إخفاء حنينه إلى ماض غزير الماء، كانت خلاله هذه النخلة تقف شامخة وعراجين مثقلة بالتمر تتدلى منها بين الجريد.

أعجاز خاوية تهدد المارة بالسقوط في أي لحظة

تهب الرياح بقوة، كما هي عادتها جل أيام السنة هنا بمدشر زاوية تكرسيفت، على بعد 36 كيلومترا من مركز مدينة زاكورة، فيستجيب لها “المغصوب” (وهو جريد النخل اليابس باللهجة المحلية)، محدثا خشخشة قوية، بينما تتململ عشرات أعجاز النخل الخاوية مهددة من يمر بجانبها بالسقوط في أي لحظة.

جزء من واحة فزواطة، بعرض حوالي 3 كليومترات وطول يناهز 6 كيلومترات، انتهت به الحياة وصار جريد نخله حطبا تعبث به الرياح، فتوقفت الأنشطة الفلاحية بهذا المدشر منذ سنوات، واضطرت العديد من الأسر إلى الهجرة، ليس خارج الدوار فقط بل خارج الجهة كلها، إلى مدن مثل الدار البيضاء ومراكش والرباط وسلا وغيرها.

وجع شديد

وجع شديد ينتاب الفلاح هنا وهو يرى نخيله يذبل يوما بعد يوم، يقول عبد العزيز الإدريسي لـ”العمق”، وهو فاعل جمعوي من سكان “زاوية تكرسيفت”، فعندما “تتعود على رؤية نخلة خضراء يانعة كل يوم، ثم يدب إليها الموت تدريجيا أمام ناظريك، تحس أنها مثل حياة إنسان عليل يشتد عليه المرض كل يوم، وهذا يسبب لنا ألما داخليا”.

حسن الملياني، من سكان زاوية تكرسيفت

بدأ الجفاف ينشر ألويته الصفراء بهذا الجزء من واحة فزواطة منذ تسعينات القرن الماضي، بحسب ما يحكي الشيخ السبعيني حسن الملياني لـ”العمق”، إذ حوّل هذا الوافد، غير المرغوب فيه، مساحات خضراء إلى أراض جرداء قاحلة.

يرفع الملياني يمناه ويشير بسبابته نحو أراض متربة، تمتد لمئات الأمتار، لا أثر للحياة فيها، قائلا: إنها كانت منطقة خضراء كثيفة النخيل، لكن الجفاف التهم أشجارها، فتوقفت الأنشطة الفلاحية، وشرع السكان في الهجرة.

الجفاف دفع الكثير من الأسر إلى الهجرة

يحكي هذا الشيخ، بنبرة من يحن إلى ماض مجيد، أن هذا المدشر كان يأوي 120 أسرة، فتقلص عددها اليوم إلى 26 فقط، وهو ما يعني هجرة 83% من الساكنة، “الكل هاجر، خصوصا الشباب، فلم يعد بالمدشر سوى المسنين أمثالي، الذين يتلقون مصروفهم من أبنائهم الذين يشتغلون بالمدن كما تتلقى صغار الطيور طعامها”.

بنبرة من ينبه إلى خطر داهم، يواصل الملياني كلامه قائلا، “نطالب المسؤولين ليجدوا لنا حلا في ظل هذه الكارثة الطبيعية التي أصابت المنطقة. المدشر سيصبح مهجورا إذا استمر الوضع هكذا لسنوات قليلة”.

هناك عائلات هاجرت المدشر بكاملها، من الجد إلى الحفيد، بحسب ما يحكي الفاعل الجمعوي الإدريسي، وهو ما تترجمه حالة عدد من الدور التي أضحت مهجورة بالدوار وتهدمت أجزاء منها. “عائلتي التي تتكون من 18 أسرة كلها هاجرت، وبقيت هنا أنا وعمي، لأنني لا أعرف أين أذهب أو أن الحمل أصبح ثقيلا علي”، يقول عبد الكبير عبد الواحد.

محمد عبد الوحيدي، من سكان زاوية تكرسيفت

“لم يعد أمامنا إلا الرحيل”، يقول عبد الوحيدي لـ”العمق” مزكيا كلام ابن أخيه، “من له ابن يعمل في إحدى المدن فإنه يرسل له مصروفه بين الفينة والأخرى، ويزوره على الأقل مرة في السنة خلال عيد الأضحى، (واللي ما عندوش راه في يد الله سبحانه وتعالى)”.

يتذكر هذا الشيخ السبعيني كيف كان هذا الجزء من الواحة يجود بالتمور، قبل سنوات، مستدركا بأن السكان لم يأكلوا تمرة واحدة من نخيلهم هنا منذ حوالي 8 سنوات. “أيام الخير كنت أملأ في هذا العش (وهو الصنوان؛ أي مجموعة نخلات تشترك في أصل واحد قبل أن تتفرع في السماء) أربعة زنابل من التمر (والزنبيل باللهجة المحلية جراب كبير يحمل على الحمار)”.

جهود مضنية

أنبوب ماء ينغرز في مكان بوسط المدشر، في طرفه صنبور، يقصده السكان ليتزودوا بالماء، لكن ماءه أجاج لا يصلح للشرب، بحسب ما عاينت “العمق” وحكى عدد من القاطنين بهذا الدوار، موضحين أن الحصول على شربة ماء في هذه الرقعة الجغرافية يستلزم بذل جهود مضنية.

ماء الشرب بهذا المكان ضيف يقوم بزيارة ليلية خاطفة مرتين في الشهر، يقول عبد الوحيدي، “يأتينا ماء الشرب من بئر نشترك فيه مع 21 مدشرا، كان يصلنا مرة كل خمسة أيام، لكن اليوم لا نرى الماء إلا بعد 15 يوما، وحينها عليك أن تملأ كل ما يمكنك من عبوات لتخزين ما يكفي منه لمدة 15 يوما”.

نخيل المنطقة لم يثمر منذ سنوات

هذه القرية التي تستقر على الضفة اليمنى لواد درعة لا تستفيد من طلقات مياهه الموسمية، بحسب ما يقول سكانه، وهو ما عبر عنه عبد الكبير بقوله “الواد تيدوز ولكن ما تنستافدوش منو”، أما عمه عبد الوحيدي فقال: “السواقي لم نر مياهها منذ سنوات”.

ولتعويض هذا النقص في مياه السواقي، فكر عدد من الفلاحين بهذا الدوار في حفر آبار وثقوب مائية، على الرغم من الطبيعة الجغرافية الصعبة، إذ يصطدم كل من حاول الحفر بطبقة سميكة من الصخور، وهو ما يكلف ما بين 5 آلاف و6 آلاف درهم للمتر الواحد، ناهيك عن ضرورة الحصول على رخصة.

والحصول على هذه الرخصة ليس بالأمر الهين، يقول عبد الكبير الذي تقدم بطلب للحصول على رخصة من أجل إصلاح بئر وتعميقه سنة 2017، وظلت عالقة في دواليب الإدارة منذ ذاك الوقت، “كلفتني الذهاب إلى مركز مدينة زاكورة والراشيدية مرارا، وجمع عدد من الوثائق.. لكن في الأخير استسلمت (وما بقا عندي باش نكافح)”.

الرمال تواصل زحفها على الواحة في ظل الجذب

رجاء وأمل

يقول أحد شيوخ المنطقة بنبرة رجاء “نطلب من الله أن يغيثنا بالماء ويغيث كل وادي درعة”، أما عبد الكبير فرغم المرارة التي طبعت نبرة حديثه فإنه ما يزال متشبثا بالأمل، “حنا باقي بغينا نصبرو لربما يغيثنا الله من عندو. أملنا في الله كبير ننتظر الأمطار ويجود النخل بالتمر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *