حوارات، سياسة

تنامي الجريمة بالمدن الكبرى.. هل فشلت السياسات العمومية في حفظ أمن المغاربة؟

إحسان الحافظي - السياسة الأمنية - ارتفاع الجريمة

سجل آخر تقرير صادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج، ارتفاع عدد المعتقلين بالجهات التي تضم مدنا كبرى ما يفسر تنامي الجريمة بهذه المدن، في مقدمتها مدن جهة الرباط سلا القنيطرة تليها جهة الدار البيضاء سطات، ثم فاس مكناس ومدن جهة مراكش آسفي وغيرها.

وتشير أرقام مندوبية إدارة السجون، إلى أن تزايد النمو السكاني بهذه المدن والجهات والتفاوت الاجتماعي، من المحتمل أن يكون له ارتباط بتنامي الجريمة بها بمختلف أشكالها.

ومن هذا المنطلق، يرى إحسان الحافظي الأستاذ والمحاضر الجامعي ومؤلف كتاب “السياسات الأمنية في المغرب: في السلطة وأدوار النخب السياسية”، في حوار أجرته معه جريدة “العمق”، أن ارتفاع الجريمة، ناتج عن عوامل متداخلة.

وفي مقدمة تلك العوامل، يقول الحافظي، تراجع مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن أدوارها، خاصة مؤسسة الأسرة والمدرسة، إضافة إلى ما اعتبره فشل سياسات المدينة وغياب تصورات فعالة للتعاطي مع المشاكل الناجمة عن التوسع العمراني بالمدن.

ورجح الحافظي أسباب ارتفاع أرقام الجريمة بالمدن كذلك، إلى تزايد أفواج الهجرة الداخلية، وتحول إعادة إدماج سكان دور الصفيح إلى عملية لإعادة إنتاج التهميش والهشاشة الاجتماعية، التي تلفظ بدورها ضحايا الانحراف الذين تتولد لديهم رغبة في استهداف الآخرين عبر سلوكات منحرفة وإجرامية.

واستبعد المتحدث فرضية إعادة النظر في السياسة الأمنية بهذه المدن، باعتبار أن المؤسسة الأمنية تعتمد مقاربة وقائية وزجرية، حيث وجدت نفسها في مواجهة نتائج فشل السياسات العمومية المولدة للجريمة.

وفي ما يلي نص الحوار:

س: ما هي العوامل الرئيسية التي تفسر تنامي الجريمة في المدن الكبرى؟

تنامي الجريمة له علاقة بعدد من المحددات السوسيواقتصادية بالأساس، إلى جانب غياب أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة والمدرسة والجمعيات. فشل هذه المنظومة في إدماج فئات واسعة من المجتمع جعلت الكثير منهم على الهامش، وبالتالي تلفظهم البنيات المؤسساتية الحاضنة وتلتقطهم المؤسسات السجنية التي تشكل نهاية تداعيات هذا الفشل/ المشكل وليس بدايته.

س: كيف يؤثر تنامي السكان في المدن الكبرى على تزايد معدلات الجريمة؟

لم تعد المدن الكبرى تحديدا قادرة على استيعاب أفواج الهجرة الداخلية، فالمدينة المغربية غارقة في مشاكلها من ضعف البنية التحتية وغياب فرص الشغل وتراجع جودة الخدمات في ظل ارتفاع الكثافة السكانية.

ارتفاع معدلات الجريمة بهذه المدن تحديدا هو نتاج لفشل سياسات المدينة وغياب تصورات حول التعاطي مع المشاكل التي تولدت عن التوسع العمراني، ونتيجة لذلك تحولت عمليات إعادة إيواء السكان من دور الصفيح مثلا إلى وسيلة لإعادة إنتاج التهميش والهشاشة الاجتماعية بسبب سياسة المدينة المبنية على استبعاد هذه الشرائح الاجتماعية بواسطة آلية “إعادة الايواء” ودفعه نحو الضواحي بعدما كانت كل أنشطتهم الاقتصادية مرتبطة بفضاء عمومي سكني احتضنهم لسنوات طويلة يسمى دوارا صفيحيا.

س: هل الحد من التفاوت الاجتماعي في المدن الكبرى كفيل بأن يقلل من معدلات الجريمة؟

الكليشيهات التي تربط بين التفاوت الاجتماعي وارتفاع معدلات الجريمة لا تعدو أن تكون انطباعات جاهزة غير مبنية على أسس علمية. وبذلك فالجريمة هي نتاج بنية اجتماعية واقتصادية وحضرية غير مساعدة على الاندماج، بل تلفظ خارجها كل ضحايا الفشل الدراسي أو التفكك الأسري أو ضعف السياسات العمومية للدولة/ الجماعات الترابية.

هؤلاء الضحايا الذين يشكلون مشاريع للانحراف يتعرضون لأقسى درجات الإقصاء الاجتماعي، فتتولد لديهم رغبة في استهداف الآخرين عبر سلوكات منحرفة أو إجرامية، وبهذا المعنى تكون الطبقات الاجتماعية الأخرى هي نفسها ضحية لهذا السلوك وليست -أي التفاوت الاجتماعي- عاملا مساعدا على تنامي الجريمة.

س: هل المدن الكبرى في حاجة إلى اجراءات أو سياسة أمنية جديدة لمواكبة تطور ارتكاب الجريمة؟ وما هي هذه الإجراءات في اعتقادكم؟

المقاربة الأمنية في التعاطي مع تطورات الجريمة وحدها لا تكفي، فهذه المقاربة تركز على البعد الوقائي والزجري وإنفاذ القانون بمعنى أنها مقاربة لاحقة.
ومن الضروري التأكيد أيضا على أن المؤسسة الأمنية المغربية وجدت نفسها أمام تدبير نتائج فشل السياسات العمومية المولدة للجريمة، فالأمن غير مسؤول عن التفكك الأسري ولا عن غياب التأطير ولا عن غياب مؤسسات التنشئة الاجتماعية ولا عن المشاكل السوسيو اقتصادية التي تولد عادة الاحتقان الاجتماعي، مثل الشغل والسكن والصحة.

فلو كانت كل المؤسسات تقوم بوظيفتها لكانت معدلات الانحراف أقل والاكتظاض الذي تعانيه المؤسسات السجنية غير مطروح، فالتجارب أبانت أن كلفة فشل السياسات العمومية أعلى بكثير من الاستثمار في المجتمع وبناءه وحماية الطبقات الاجتماعية من التفكك والهشاشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *