مجتمع

عدم تنفيذ حكم عمره 10 سنوات ضد وزارة التعليم يعيد “معضلة” تنفيذ الأحكام ضد الإدارة للواجهة

اعميمي: عدم تنفيذ الأحكام سوء تدبير والمدخل التشريعي هو الحل

تسائل ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة في مواجهة الإدارة، مدى كفاية التشريعات الوطنية، وفاعلية بعض المؤسسات الدستورية، وواقعية مبدأ الأمن القضائي واحترام دولة القانون، وفعلية إصلاح الإدارة.

وتثير الظاهرة مدى مصداقية وجدية مبررات التماطل في تنفيذ هذا النوع من الأحكام، ومنافذها القانونية، أمام ما تطرحه من إشكالات واقعية تطال مختلف القطاعات الحيوية، اجتماعية وسياسية واقتصادية، ربما تفوق عائدات عواقبها تكلفة تنفيذ الأحكام.

مثال على ذلك

في مثال على الأحكام القضائية الإدارية الصادرة في مواجهة الدولة، التي لم يتم تنفيذها، حصلت جريدة “العمق” على نسخة من حكم قضائي صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، بين مفتش تربوي للتعليم الابتدائي، ضد وزارة التربية الوطنية.

الحكم الصادر في يوليوز 2013 قضى بتسوية الوضعية الإدارية للمدعي (المفتش)، بترقيته إلى الدرجة الممتازة من إطار المفتشين التربويين للتعليم الابتدائي من 31/12/2009، مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.

وحسب مصادر الجريدة فإن هذا الحكم، الذي أقر بتضرر المعني بالأمر من قرار صادر عن وزارة التربية الوطنية، حرمه من الترقي إلى الدرجة الممتازة من إطار المفتشين التربويين برسم سنة 2011 رغم استحقاقه لها قانونا، لم يتم تنفيذه لحدود الساعة رغم مرور أزيد من عشر سنوات عن صدوره.

اعميمي يفكك المعضلة

رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس، يعتبر أن ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة في مواجهة الدولة، هي إحدى المعضلات التي لا زالت تعيق تطوير العلاقة بين المرتفق والإدارة، وتمس بسمعة هاته الأخيرة.

ويرى عميمي، في تصريح للجريدة، أن من أبرز الصعوبات التي تثيرها الظاهرة المطروحة، هو غياب نص قانوني خاص بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة، الأمر الذي دفع الاجتهاد القضائي الإداري إلى البحث عن مجموعة من الآليات المسطرية والموضوعية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.

في المقابل، أوضح أن حلول الاجتهاد القضائي قوبلت بتدخل المشرع سنة 2019. من خلال قانون المالية لوضع ضوابط جديدة تحول دون الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية ومحاولة تنظيم تنفيذ هذه الأحكام، الأمر الذي أثار ردود فعل، معتبرا أن هذا المستجد يعقد من مسألة تنفيذ الأحكام عوض حلها.

وأشار إلى أن الاجتهادات القضائية من خلال ما توفره من سوابق قضائية يمكنها أن تتجاوز النص القانوني الجديد وتحقق مبادئ الإنصاف ومبادئ العدالة عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة.

إشكال آخر طرحته معضلة عدم تنفيذ الأحكام القضائية، ذلك المتمثل في اللجوء إلى إبرام مجموعة من الاتفاقيات بين بعض الإدارات والمحاكم الإدارية قصد تأجيل وتنظيم عملية التنفيذ، إن هذا الحل حسب تعبير المتحدث يطرح مجموعة من التساؤلات حول أساسه القانون ومدى قدرته على حل المعضلة.

موضوع تنفيذ الأحكام القضائية يثير أيضا مسألةً دستورية كبرى تتعلق باحترام قدسية الأحكام القضائية، وإصدار الأحكام وتنفيذها داخل أجل معقول، وواجب السلطات العمومية في تقديم المساعدة في تنفيذ الأحكام القضائية وهي مقتضيات تصب في صميم مبدأ الأمن القضائي واحترام دوله القانون التي حاول دستور 2011 التأكيد عليها، يضيف المتحدث.

وذكر بأن مؤسسة الوسيط على غرار عدد من المؤسسات الدستورية، نبهت الى مخاطر عدم تنفيذ الأحكام القضائية، مشيرا إلى أن هاته المؤسسة منحها المشرع سلطه إحالة كل ممتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية على رئيس الحكومة، والتوصية بمتابعته أو إحالة الأمر الى النيابة العامة لتكييف الفعل على أساس أنه خطأ شخصي أو جرم يستحق العقاب وإن كان هذا المقتضى لم يطبق إلى الآن.

وفي سياق ما تطرحه الإشكالية أيضا، يشير اعميمي إلى أن الاطلاع على خطة إصلاح الإدارة 2018/،2021 يوضح عدم إثارة الموضوع ضمن السياسة العمومية التي تهتم بإصلاح العلاقة بين الإدارة والمرتفق، وهو ما يطرح تساؤلا حول الوعي العمومي ووعي السلطات العمومية بخطورة الظاهرة.

واعتبر أن هناك عدد من الإدارات تستغل عقارات وأراض الأشخاص لعدة سنوات دون أداء المستحقات المالية للملاك أو ذوي الحقوق، موضحا أن الملك محمد السادس سبق وأن اثار هذا الموضوع في عدد من الخطب، ونبهت إلى خطورته تقارير وطنية ودولية.

يشير أستاذ القانون الإداري إلى أن ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، تجعل أيضا المستثمرين يتراجعون عن الاستثمار في مجالات معينه تحتاج مبالغ مهمة، خاصة الاستثمار في مجال البنية التحتية والعقار، وذلك خوفا من الصعوبات التي تثيرها هاته الإشكالية.
أمر آخر هو أن ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية عامة ومسألة المنازعات العمومية بصفة خاصة تطرح إشكال الحكامة في تدبير المرافق العمومي.

لتجاوز الإشكال

إن كل المشاكل المذكورة، حسب المتحدث ناتجه عن سوء التدبير وعن سوء اتخاذ القرار وعن عدم اللجوء الى آليات الاستشارة العمومية وإشراك المواطنين.

ويعتبر، أن المدخل الأساسي لحل الاشكالية هو المدخل التشريعي، مذكرا بوجود مبادرة قانونية تتعلق بالمسطرة المدنية تنص على مقتضيات خاصه بتنفيذ الأحكام القضائية، إلا أنها لم تخرج إلى حيز الوجود.

ضمن الحلول أيضا، يشير إلى أهمية المدخل التدبيري، بمعنى ضرورة تحسين آليات التدبير العمومي وتطوير رقمنة الإدارة وتحسين العلاقة بين الادارة والمرتفقين.

مدخل ثالث، لحل المعضلة، وفق اعميمي، هو تخليق عمل المرفق العمومي بصفة عامة وتفادي اتخاذ القرارات في المناطق الرمادية التي تتيح لبعض المدبرين العموميين اتخاذ قرارات لا تبتغي المصلحة العامة.

مبررات واهية

يضيف اعميمي، “إذا نظرنا أيضا لهذه الإشكالية من زاوية الإدارة سنجد مجموعة من المبررات التي تدفع بها الإدارة خاصه ما يرتبط بغموض منطوق الأحكام القضائية، وبعدم امكانية تنفيذ مجموعة من الأحكام لغياب السند المالي والسند القانوني لتنفيذه، ولكن اعتقد ان هذه المبررات تقنيه ولا ترقى الى الانتصار على المبادئ الدستورية الأسمى المتعلقة بتحقيق الانصاف والعدالة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد بوعدين
    منذ 9 أشهر

    شكرا جريدة العمق على إثارة هذا الموضوع الذي يؤرق بال المتقاضين الذين يلجأون للقضاء الاداري لكي ينصفهه، ولكن مع كامل الاسف هذه الاحكام لا تنفذ فتتضاعف المعانات