أخبار الساعة، مجتمع

واحات درعة تافيلالت بين مطرقة الجفاف وسندان الحرائق ودعوات لتحرك استباقي 

تواجه عدد من الواحات الموجودة بنفوذ جهة درعة تافيلالت موسم جفاف، بعدما غابت الأمطار عن سمائها لأشهر عديدة، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على الموسم الفلاحي الحالي، وبالتالي ضعف مساهمة هذا القطاع الرئيسي في التمكين الإقتصادي لعدد من الفئات المجتمعية.

وبات التخوف يعتري قاطني هذه الواحات، بسبب غياب التساقطات المطرية، وتوالي موجات الحرائق، تزامنا مع نذرة المياه بالمنطقة، وهو ما جعل الأزمة على مرمى حجر من السكان، الشيء الذي يستدعي التحرك بشكل مستعجل لتعبئة موارد بديلة، والعمل بشكل استباقي تفاديا للأزمة مستقبلا.

وفي هذا الصدد، قال خبير البيئة الدكتور شكيب عالم، إن“جل خطط التنمية الفلاحية بجهة درعة تافلالت إنصبت على إحداث ضيعات عصرية لإنتاج التمور في أراضي مستحدثة جديدة خارج الواحات القديمة في العشرين سنة الأخيرة”، مشيرا إلى أن هذه الإستراتجية أدت إلى نوع من الإهمال لمجال الواحات التارخية، في حين إنصبت إهتمامات جل المستثمرين نحو الضيعات الجديدة مع إهمال ملحوظ للواحات القديمة”.

وأكد الخبير، في حديث لـ“العمق”، أن هذه الوضعية أدت إلى وجود مساحات كبيرة من غابات النخيل المهملة وغطاء نباتي جاف قابل للإشتعال، في حين كان المجال الواحاتي القديم مبنيا على توازنات بين الموارد المائية والأراضي المزروعة في إطار منهجية الزراعة المسستدامة.

وأشار الأستاذ الباحث بكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية، أن التحولات المناخية تعتبر أهم معامل في نسبة القلق المائي، في حين أن فلسفة الزراعة العصرية المبنية على تكثيف الإنتاج والمساحات المزروعة والتنافسية على الأسواق خلقت ضغطا متزايدا على الموارد لمائية وسرعت من وثيرة العجز المائي.

وأبرز المتحدث ذاته أن إحياء الزراعة الواحاتية التقليدية يتطلب ضبط كميات الموارد المائية القابلة للإستغلال والتثمين مع إحتياجات المنتوج الفلاحي، مع إغناء الفرشة المائية بإحداث عتبات لتكسير السيول أو بناء سدود تلية مع تدبير المياه الغير التقليدية كالمياه العادمة أو المالحة بعد معالجتها.

وسجل وجوب تنزيل إسترتجية فلاحية جديدة للمجال الواحاتي التقليدي تعتمد على فلسفة الفلاحة التضامنية الإجتماعة والمستدامة، وترسيخ فكرة نجاح الفلاح الواحاتي عبر المحافظة على المجال الإيكولوجي الفلاحي الوحاتي وإستداماته، مع تحسين وثيرة التنسيق بين الوكلات والمنظمات الحكومية، والفاعلين الإقتصاديين، والجمعيات ومجموع ساكنة الواحات حول إستراتجية موحدة لتدبير المجال الإيكولوجي الفلاحي الواحات.

ودعا المصدر ذاته، إلى ضرورة إعادة الإعتبار للواحات القديمة بإحداث خطة فلاحية ملائمة ومستدامة مبنية على موازنة المواد المائة والإنتاج الزراعي، إنطلاقا من الموروث التاريخي لتوزيع الماء وإستغلاله، وإعطاء دور أكبر لجمعياة مستغلي مياه السقي لإدارة ٱبار جماعية من السهل مراقبتها.

ولفت إلى إمكانية تكثيف إحدث سدود صغيرة وعتبات لتطعيم الفرشة المائية، وإحدث منظومة للسقي الموضعي الجماعي داخل المجال الواحاتي، إضافة إلى تشبيب أشجار النخيل وتشجيع المزروعات ذات المتطبات المائية المنخفضة والقيمة التسويقية المرتفعة.

وشدد عالم على ضرورة أجرأة خطة وسياسة فلاحية أهدافها إعادة إحياء المنظومة الفلاحية التي كانت تشكل الهوية التاريخية للمجال الواحاتي بمنظومة زراعية مستدامة يكون الإنسان الواحاتي في صلب الأهداف التنموية، وتنويع المنتوج الزراعي والحيواني بجانب إنتاج التمور، مع تنزيل خطة متكاملة لتثمين كافة منتوجات الواحة، وتدبير ندرة المياه والحرائق.

من جهته، قال عبد الحق بوحميد، الباحث المهتم بالمجال الواحي، إن “واحات الجنوب الشرقي تعيش على إيقاع عدد من الحرائق التي همت أقاليم زاكورة والراشيدية وطاطا”، مؤكدا أن “واحات درعة عانت من هذه الظاهرة، خصوصا مناطق افلاندرى وتالوين وتسركات وأفرا وتمزموط وأولاد يحي وتنزولين، التي دمرت فيها الحرائق عددا كبيرا من أشجار النخيل ودمرت معها محاصيل مهمة من التمور التي تعد أهم مورد للساكنة المحلية”.

وأشار بوحميد في تصريح لموقع “العمق”، أن“هذه الحرائق المهولة التي تجتاح أشجار النخيل، وفترات الجفاف المتوالية، وانتشار البيوض، والفيضانات الإستثنائية تعد تهديدا كبيرا لهذه الواحات، وهو الأمر الذي يحتم على الدولة والمجتمع المدني وباقي الفاعلين التدخل لوضع حد لهذه الوضعية الكارثية التي آلت إليها واحات درعة تافيلالت”.

وأردف بوحميد أن“ تأثر الواحة جراء المهددات الطبيعية والبيئية المتفاقمة انعكس على استقرار الساكنة، حيث تزايدت معدلات الهجرة القروية نحو مناطق أخرى بحثا عن ظروف أنسب، وترك السكان منازلهم و مزارعهم عرضة للتلف، ما جعل دواوير عديدة مهددة بالزوال خاصة في واحة لمحاميد حيث زحف الرمال على المجال السكني والزراعي”.

ولفت إلى أن “الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية الكارثية بالواحة متعددة، ويوجد على رأسها التغير المناخي الكبير الذي تعرف المجالات الواحية على غرار باقي العالم، حيث أن الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة وقلة التساقطات والتراجع في الفرشة المائية، وزحف الرمال نحو المجال الواحي، مع انتشار مرض البيوض، كلها أسباب عجلت بموت العديد من اشجار النخيل”.

وسجل المصدر ذاته أن “إهمال الواحة وخاصة أشجار النخيل يعد السبب الرئيسي في انتشار الحرائق بكثرة في الآونة الأخيرة، حيث تسببت هجرة العديد من ملاكي الأراضي الزراعية من الواحة إلى ترك حقولهم ونخيلهم دون عناية (تشطيب الجريد اليابس، سقي الاشجار، غرس المزروعات..)، كما أن ترك مخلفات النخيل في الحقل بعد بيع المنتوج يسهل مأمورية انتشار الحرائق بعد اندلاعها”.

ولمح الباحث في مجال الواحات، إلى“ضرورة التكثيف من عمليات التشجير خاصة النخيل وباقي الأشجار المثمرة، وتنقية الأعشاش، وإعادة إحياء السواقي والخطارات باعتبارها السبيل الأنسب لتشجيع الفلاح المحلي عوض تركه يواجه غلاء أسعار المحروقات لضخ المياه من الآبار، مع تحسيس كل مكونات المجتمع بأهمية الحفاظ على الواحة واعتماد التربية البيئية في المناهج التعليمية كوسيلة لتوعية الأطفال والشباب وتحسين ممارساتهم اتجاه البيئة”.

ودعا المتحدث المتدخلين بمختلف مستوياتهم إلى التفاعل مع هذه الملف بشكل جدي، وذلك عبر “العمل على شق المسالك وسط الواحة، ووضع نقط الماء فيها، مع إنشاء فروع للوقاية المدنية الجماعات الترابية قصد التدخل الأولي، وبناء وحدات لإعادة تدوير بقايا شجر النخيل من أجل إستعماله علفا للماشية أو كسماد طبيعي، وتشجيع الصناعات التقليدية المحلية التي تعتمد على إعادة تدوير مخلفات النخيل”.

وطالب السلطات المختصة، بـ”سن قوانين لردع ومعاقبة كل من تسبب في حرق الواحة، خصوصا وأن الإنتقام أو التهور هما السببان الرئيسيان وراء هذه الحرائق، مع تحفيز أبناء المنطقة للإستقرار في الواحات من خلال توفير مقومات العيش والاستقرار، من قبيل المؤسسات التعليمية العليا، والمؤسسات الاستشفائية المتخصصة، والطرق لفك العزلة، مع توفير الماء صالح للشرب، وشبكة الإتصال والتواصل، والمنشآت الرياضية والثقافية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • براني.
    منذ شهر واحد

    الواحات تحترق ومعرضة للاهمال والأراضي التي تحيط بالواحات قاحلة واتمنى أن تتدخل جهة في المغرب وتجند العمال بصفة مستقلة عن المياه والغابات لتشجير تلك الأراضي بالأشجار الغابوية لترسبخ الاستقرار بتلك المناطق الصحراوية .