مجتمع

حكم قضائي يحول “معاقة ذهنيا” من ضحية اغتصاب إلى متهمة بالخيانة الزوجية

أدانت المحكمة الابتدائية بميدلت، فتاة تعاني من إعاقة ذهنية بالحبس شهرا واحدا موقوف التنفيذ بتهمة المشاركة في الخيانة الزوجية، مع التصريح بنقصان مسؤوليتها الجنائية بسبب ضعف قواها العقلية وقت ارتكابها للفعل الجرمي المدانة من أجله.

وتعود تفاصيل هذا الحكم الذي نشرت تفاصيله منصة “المفكرة القانونية”، إلى مطلع 2021، حيث تقدمت الضحية المنحدرة من ضواحي منطة “الريش” بشكاية إلى الشرطة القضائية برفقة شقيقها، تعرض فيها أنها تعرضت للاغتصاب من طرف زوج أختها نتج عنه حمل.

وصرحت المشتكية، أنه خلال سنة 2020، وبينما كانت في زيارة لأختها، عمد زوج هذه الأخيرة مستغلا غياب زوجته بالتحرش بها إلى أن سقطت بين يديه ومارس عليها الجنس، وسلمها عقارا طبيا لمنع الحمل، غير أنه تبين بعد مدة أنها حامل، فتقدمت بشكاية إلى الشرطة القضائية.

بعد الاستماع إلى المشتكى منه، أنكر المنسوب اليه، قبل أن يتراجع من جديد ويؤكّد أنه مارس مع المشتكية الجنس عن طيب خاطرها بعدما راودته عن نفسه مستغلة عدم تواجد شقيقتها في المنزل.

وأشار نص الحكم، الذي اطلعت عليه “العمق”، إلى أنه تم استدعاء زوجة المتهم للاستماع إليها في محضر قانوني حيث أكدت أنها لا ترغب في تقديم شكاية ضد زوجها من أجل الخيانة الزوجية.

تبعا لذلك، قررت النيابة العامة حفظ الشكاية في حق المشتكى منه نظرا لتنازل الزوجة، في حين قررت متابعة المشتكية بالمشاركة في الخيانة الزوجية والتحريض على الفساد، طبقا للفصول 491 و 502 من القانون الجنائي، وإحالتها على المحاكمة في حالة سراح.

وتقدم دفاع المتهمة بالدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة للبت نوعيا في القضية لكون أن الأمر يتعلق بجناية، وأن المتهمة كانت ضحية اغتصاب نتج عنه حمل من طرف المشتكى به، ملتمسة إجراء خبرة على المتهمة والتصريح بعدم الاختصاص النوعي.

وبعد عرض المتهمة على الخبرة الطبية، خلصت هذه الأخيرة إلى أن المتهمة “تعاني من تأخر عقلي وذهني منذ الشغر واضطرابات سلوكية تدل على إصابتها بمرض عقلي مزمن الأمر الذي يؤثر على إدراكها ويجعل من قدراتها العقلية جد محدودة”.

والتمس دفاع المتهمة من المحكمة التصريح بعدم اختصاصها للبتّ في القضية لأن الأمر يتعلق بجناية اغتصاب تعرضت له المتهمة التي تعاني من خلل عقلي، مما يجعلها ضحية جريمة اعتداء جنسي، طبقا للفصلين 485 و486 من القانون الجنائي، وليست مشاركة في جريمة الخيانة الزوجية والتحريض على الفساد.

وعللت المحكمة رفضها لطلب الدفاع بعدم الاختصاص النوعي للبت في القضية، بأنه “لا محل له في نازلة الحال، لأن الطرف الآخر المتمسك بالوصف الجنائي أعلاه -وهو الاغتصاب- غير متابع في هذه القضية لتنازل زوجته لفائدته، مما تبقى معه هذه المحكمة ليس من صلاحيتها مناقشته في شيء لكونه ليس بطرف في القضية”.

وجاء في نص الحكم، أن المحكمة تعتبر جهة حكم لا جهة اتهام، مما يبقى اختصاصها محصورا فيما عرض عليها من طرف النيابة العامة، ولا يتعداه إلى أطراف غير معروضة عليها بموجب هذه المتابعة.

وفي تعليقها، اعتبرت منصة “المفكرة القانونية”، أن هذا الحكم يثير عدّة إشكاليات حقوقية تتعلق بطريقة ولوج الناجيات من العنف، وبالأخص الموجودات في وضعية إعاقة ذهنية، أو اللواتي لا يتحدثن اللغة العربية -باعتبارها اللغة الرسمية في التقاضي – إلى العدالة.

وسجلت أنّ محضر الشرطة القضائية لم يشرْ مطلقا إلى كون المشتكية تعاني من إعاقة ذهنية، وإنما برّر الاستماع إليها بحضور شقيقها رغم أنها راشدة بكونها لا تعرف اللغة العربية، بحيث تمت الاستعانة به ليقوم بالترجمة من الأمازيغية إلى العربية.

كما سجلت أن المشتكية تقدمت بشكاية ضد زوج أختها تتهمه فيها بالاغتصاب، وبعد الاستماع إليه وادّعائه وجود الرضا في المعاشرة الجنسية، تم تكييف الفعل على أساس كونه خيانة زوجية، رغم أن المشتكية لم تدّعِ طوال إجراءات البحت معها، وجود رضا، وإنّما أكدت أنها كانت ضحية اعتداء جنسي.

وقد أدى ذلك، بحسب المنصة المتخصصة في قضايا العدالة، إلى تغيير المركز القانوني للناجية من العنف واعتبارها متهمة في قضية المشاركة في الخيانة الزوجية لا ضحية اغتصاب، وهو مثال واضح لكيفية استعمال بعض النصوص التي تجرّم العلاقات الرضائية بين الراشدين في تجريم المبلغات.

وبحسب المصدر ذاته، يلاحظ أن دفاع المتهمة/الناجية من العنف التمس إحالة القضية إلى محكمة الجنايات، عوض التصريح ببراءة المتهمة من المنسوب إليها لانعدام مسؤوليتها الجنائية بحسب نتائج الخبرة العقلية التي أمرت بها المحكمة، والحال أن قضية الاغتصاب غير معروضة على أنظار المحكمة بعدما قررت النيابة العامة حفظها وتكييف الفعل على أساس كونه خيانة زوجية.

وأشارت إلى اعتماد المحكمة في قرارها لإدانة المتهمة رغم نتائج الخبرة العقلية، على مقتضيات الفصل 135 من القانون الجنائي الذي ينص على أن “مسؤولية الشخص تكون ناقصة إذا كان وقت ارتكاب الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه، ويؤدي إلى انقاص مسؤوليته جزئيا”، دون أن تراعي خصوصية بعض الجرائم الجنسية أو “الأخلاقية”، والتي يكون عنصر الرضا حاسما في تكييفها القانوني.

إذ أن انعدام الرضا، تضيف منصة “المفكرة القانونية”، بسبب نقص الأهلية نتيجة السن أو الإعاقة الذهنية لأحد طرفي العلاقة الجنسية يحوله من فاعل في جريمة “أخلاقية” كالفساد أو الخيانة الزوجية إلى ضحية لاعتداء جنسي يشكل اغتصابا، بل ويعتبر ظرف تشديد حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل 486 من القانون الجنائي على أنه إذا كانت الضحية ” …عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية ….، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة”.

يشار إلى أن محكمة النقض أصدرت عدة قرارات مبدئية أقرت عدم مسؤولية الأطفال (الأحداث) عن الجرائم الأخلاقية كالفساد أو الخيانة الزوجية واعتبارهم في جميع الأحوال ضحايا لاعتداءات جنسية بسبب نقصان أهليتهم، لكنها لم تبلور نفس الاجتهاد في حق الأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *