اقتصاد، مجتمع

تجارة الخمور بالمغرب بين “رجعية” القوانين والتهرب الضريبي وصحة المستهلكين

تُعد تجارة الخمور من الطابوهات التي لا تتم إثارتها إلا عند الحديث في الحلال والحرام، وفي نقاش عائداتها على الاقتصاد الوطني جراء الرسوم الضريبية التي تفرضها الدولة، والتي تقدر أزيد من 12 مليار درهم سنويا، دون أن تجد مواضيع جودتها وضمان حقوق المشتغلين في الحانات وفي محلات البيع والتوزيع، موطئ قدم في النقاش العمومي.

في كثير من الأحيان، تطل علينا أخبار مفادها أن لجان مراقبة ضبطت كميات كبيرة من الخمور الفاسدة في العديد من المدن المغربية، بل وصل الأمر إلى تورط حانات في تقديم خمور منتهية الصلاحية، أدت سلب أرواح العديد من الزبائن، كما وقع في وقت سابق، على سبيل المثال بمدن السعيدية وطنجة والقصر الصغير والناظور.

هذا الوضع يطرح العديد من التساؤلات، بداية من القانون المنظم لبيع الخمور، إذ أن القانون المغربي يسمح ببيعه وترويجه لغير المسلمين على وجه الخصوص، في حين أن أغلب الزبائن مغاربة. ويساءل كذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمشتغلين في المجال، وأيضا التهرب الضريبي جراء التعامل نقدا، وعدم منح فاتورات الأداء، مما يفتح المجال أمام مُبيضي الأموال.

لجان مراقبة تحتاج لمراقبة

تخضع العديد من محلات بيع الخمور لحملات مراقبة بين الفينة والأخرى، لكنها تكتفي وفق منسق المرصد الجهوي لمحاربة الرشوة وحماية المال العام، محمد الهروالي، بالاطلاع على تواريخ انتهاء الصلاحية والجمارك، دون أن تأخذ عينات إلى المختبرات من أجل فحصها والتأكد من سلامتها وجودتها ومطابقتها للمعايير المنصوص عليها دوليا ووطنيا.

كما لا تقوم هذه اللجان، وفق تصريح الهروالي، لجريدة “العمق” بمراقبة ظروف التخزين في محلات التخزين الكبرى، ولا تنظر لاحترام معايير السلامة الأخرى المتعارف عليها، مردفا أن عدم وضوح عمل لجان المراقبة عرض العديد من المحلات للنصب، لكونها لا تحمل أي شارة أو وثيقة تكشف صفة المعاينين والمؤسسات التي ينتمون إليها.

ولفت الناشط الحقوقي بمدينة مراكش، إلى أن اللجان، مثلا بالمدينة الحمراء، لا تقف على مدى احترام أصحاب المحلات والحانات حقوق العمال والمشتغلين بها، مردفا أن قلة قليلة من تجدهم يحافظون على عمالهم، إذ يتم السماح في مسيريها عند أول مشكل، في حين أن المحاسبة تقتضي أن تشمل صاحب المحل وليس المسير.

وذهب الهروالي إلى القول أن المراقبة يجب أن تشمل بائعي الجملة وخزانات حفظ السلع أيضا، وليس المحلات الصغيرة فقط، إضافة إلى أن اللجان يجب أن تنظمها قوانين معروفة ومضبوطة، ومكونة من مختلف المصالح المعنية.

التهرب الضريبي

وتابع منسق مرصد محاربة الرشوة وحماية المال العام بمراكش، أن المراقبة يجب أن تشمل احترام المحلات والحانات لأداء الواجبات الضريبة، مشيرا إلى أن المستهلك يؤدي نقدا للبائع، وهذا الأخيرين أيضا يقتني السلع نقدا من عند الموزع، وبالتالي، فإن مسار الأموال في ظل هذا يبقى غامضا، ويحيل على تبييض الأموال والتهرب الضريبي، وفق تعبير المتحدث.

ولفت الهروالي الانتباه إلى أن ما يحيل أيضا على التهرب الضريبي، هو قيام أصحاب محلات بيع الكحول بسحب فاتورة الاقتناء من الزبائن، سواء قاموا بأداء المبلغ نقدا أو عن طريق جهاز الدفع الإلكتروني (TPE).

واسترسل المتحدث أن سبب سحب الفاتورة، راجع بالأساس إلى القانون الذي يمنع بيع الخمور للمسلمين، الأمر الذي يساعد تجار المشروبات الكحولية على التهرب الضريبي، مستدركا القول، أنه يجب إعادة النظر في قانون بيع الخمور بالمغرب.

قانون “رجعي”

وأشار الهروالي إلى أنه إذا كان السبب الذي يجعل أصحاب محلات بيع الخمور يمنحون الزبائن الفاتورة، يورطهم في بيع الخمور للمسلمين، يجب أن يعاد النظر في قانون بيع الخمور، إما بمنع البيع بشكل كلي على المغاربة المسلمين، أو بمنحهم فاتورة التي تجنبهم من العديد من المشاكل القانونية، وأيضا سيساهم هذا في الحد من التهرب الضريبي.

وأضاف الهروالي في حديثه للعمق، أنه بسبب القانون المنظم لبيع الخمور، الذي يعود لسنة 1967، فإن المستهلك يبقى عرضة للعديد من المشاكل القانونية والصحية، وأن المستفيد من هذا الوضع هم تجار المشروبات الكحولية، كما أن الدولة أيضا تضيع في العديد من العائدات الضريبية.

السماح في بيع الخمور لجميع المغاربة بدون طرق ملتوية سيؤدي إلى مضاعفة رسوم عائدات الخمور، والتي حددتها الحكومة المغربية في 14 مليار درهم، سنة 2023، كما أنه سيخلص القطاع من احتكار رخص بيع وتوزيع الخمور بالمغرب.

وسجل أن محاضر الشرطة القضائية، تبقى محاضر وصفية، تصف حالة الشخص الموقوف، دون معرفة نسبة تركيز الكحول في الدم، من أجل معرفة هل تم تجاوز النسب المسموح بها قانونا، حتى يتم اعتقال وتكييف الجنح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *