مجتمع

زلزال الحوز يضع برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية على المحك

كشف زلزال الحوز، الذي ضرب عدة أقاليم بالمملكة يوم الثامن شتنبر وخلف آلاف المواطنين، مدى شساعة الفوارق المجالية والاجتماعية بين سكان المداشر والجبال وسكان الحواضر الكبرى، وأعاد إلى الواجهة قضية “المغرب النافع والمغرب غير النافع”، كما وضع برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بالوسط القروي وتنزيله على المحك.

برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي، الذي تمت صياغته تنفيذا للتعليمات الملكية الواردة في خطاب العرش لسنة 2015، يهدف إلى النهوض بالبنيات التحتية في الجماعات والجهات النائية وفق جدول زمني مضبوط، وذلك بتمويل مشترك من مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية.

البرنامج الذي يشمل جميع جهات المملكة، انطلق العمل به سنة 2017 وينتظر أن ينتهي هذه السنة، ورصدت له استثمارات مالية عمومية تناهز 50 مليار درهم، يتحمل منها صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية 23,3 مليار درهم، بينما تساهم المجالس الجهوية بحصة 20 مليار درهم، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمكتب الوطني للكهرباء والماء، على التوالي بمبلغ 4 مليار درهم و2,56 مليار درهم.

وسطر البرنامج أهدافا طموحة، وضعها الزلزال على المحك وكشف عدم تحقيق جزء كبير منها، ومن هذه الأهداف؛ فك العزلة على المناطق القروية  بإنجاز 22 ألف كيلومتر من الطرق والمسالك، وإصلاح 8000 كليومتر من الطرق القروية، ناهيك عن تشييد 114 مؤسسة تعليمية، وبناء ما لا يقل عن 182 مركزا صحيا و167 دارا للولادة و81 دارا للأمومة، وتمديد شبكة الماء الشروب على مدى 668 كيلومتر، وإمداد 123 قرية بالكهرباء.

الزلزال الذي ضرب عدة مدن بالمملكة وكانت بؤرته بالحوز، شرد آلاف الأسر وكشف هشاشة البنية التحتية بالعديد من المناطق القروية، حيث وجدت السلطات والجمعيات الخيرية صعوبة في الوصول إلى عدد من المداشر بسبب وعورة الطرق والمسالك وتدهورها، كما اضطرت إلى الاستعانة بمولدات كهربائية وأولواح الطاقة الشمسية في ظل عدم ربط عدد من الدواوير بشبكة الكهرباء، كما كشفت الفاجعة عن الخصاص الكبير في المؤسسات الصحية وغياب شبكة الماء الصالح للشرب.

ضرورة المحاسبة

في هذا الصدد، يرى رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن زلزال الحوز عرى برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي، وكشف حجم الفساد بجهة مراكش آسفي، متسائلا “إلى متى سيستمر المجلس الأعلى للحسابات في احتجاز تقرير اسود حول التدبير العمومي بالجهة؟”، داعيا إلى ضرورة المحاسبة، حتى لا تتكرر المأساة.

وقال الغلوسي، في تصريح لجريدة “العمق”، إنه على الرغم ضخامة المبالغ المالية المخصصة لهذا البرنامج، “فإن أثر ذلك لم يظهر على وجه القرى والدواوير وبعض المدن التابعة للنفوذ الترابي لجهة مراكش آسفي، خصوصا، وفي مقابل ذلك ظهرت معالم الثراء الفاحش على بعض مسؤولي جهة مراكش آسفي والتي أنجز بخصوصها المجلس الأعلى للحسابات تقريرا أسودا”، مستدركا “لكن للأسف الشديد ظل هذا التقرير محجوزا لأسباب مجهولة لحدود الآن”.

وتساءل المتحدث، في تصريحه للجريدة قائلا “هل ستشكل كارثة الزلزال فرصة للإفراج عن هذا التقرير الأسود وتجسيد ربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع والتدليل على أن الجميع سواسية أمام القانون؟ أم أن التمييز في إعمال قواعده سيظل سيد الموقف؟ وهل ستتجه وزارة الداخلية ومعها المجلس الأعلى للحسابات لفتح علبة الأموال الضخمة المخصصة لبرنامج تقليص الفوارق المجالية وإنجاز تقرير مفصل بخصوص أوجه صرف المال العام وإحالة المتورطين في اختلاس وتبديد المال العام على القضاء؟”.

إن كارثة الزلزال وحجم المأساة والأضرار الجسيمة الناتجة عنه، يقول الغلوسي، تقتضي فتح صفحة محاسبة المسؤولين عن تدبير الشأن العام بجهة مراكش آسفي، الأكثر تضررا من الزلزال، “ذلك أن تلك المناطق ظلت بعيدة عن شعارات التنمية المفترى عليها وتقليص الفوارق الإجتماعية والمجالية وحالها يغني عن السؤال وبقيت على هامش التاريخ والجغرافيا ،في حين انتعش رصيد نخب سياسية وارتقت اجتماعيا وعاشت وتعيش على الريع والرشوة والفساد وراكمت ثروات هائلة داخل وخارج المغرب”.

لم يحقق كل الأهداف

بدوره، قال رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، إن برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي سياسة عمومية ممتدة في الزمان، “ومن الواضح أنه، برغم كل الإمكانيات المرصودة له، ورغم الحصيلة التي تحققت من خلاله، فهو لم يحقق، للأسف، كل الأهداف المتوخاة منه، ولم تستفد من حسناته كافة مناطق بلادنا، وخاصة المناطق الجبلية”.

حموني رأى بأن الظرفية الحالية تقتضي أن تكون جميع الأطراف “يداً واحدة وقلبًا واحداً وعقلاً واحداً” لتجاوز محنة الزلزال، مؤكدا أن وقت المحاسبة والنقد البناء سيأتي لاحقا،  مشيرا إلى أن حزبه يتوفر على “مقترحاتٌ دقيقة في هذا الشأن، منها مقترح قانون تم وضعه منذ مدة طويلة، ويتعلق بإحداث مجلس وطني للمناطق الجبلية ووكالات خاصة بالكتل الجبلية الرئيسية في المملكة”.

ونبه حموني إلى خصوصية اللحظة الراهنة، إذ “يتعين أن تتعبأ فيها كل جهودنا، بتلاحم وتماسك، من أجل معالجة التداعيات المدمرة للزلزال. فلقد نجحت بلادنا، بشكلٍ مبهر، في تجاوز المرحلة الأولى للمعالجة الاستعجالية، بفضل تعبئة كامل إمكانيات الدولة، بتوجيهاتٍ ملكية سامية، ناجعة وفورية. كما ظهر مرة أخرى التضامنُ الشعبي في أبهى صورةٍ أبهرت العالم”.

واعبتر أن من الأدوار الأساسية لفريق كنواب في البرلمان هو مراقبة مدى التفعيل الأمثل لبرنامج إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، من طرف الجهاز التنفيذي، أي الحكومة، “حتى نتفادى أي نقائص أو قصور، أو تأخير، أو عدم كفاية التمويل، لتنفيذه على الوجه الأكمل، وبشكلٍ عادل ومتكافئ، وبإنصاتٍ لحاجيات وانتظارات الساكنة وإشراك لها. كما سيكون من أدوارنا الرئيسية السعي نحو أن تشمل مثل هكذا برامج تأهيلية كافة المناطق القروية والجبلية”.

حصيلة البرنامج

وبخصوص حصيلة تنفيذ برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي، قال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، إنه تم إعداد 7 مخططات عمل جهوية سنوية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية (2017 2018 2019 2020 2021 2022 و 2023) بقيمة إجمالية تناهز 49.37 مليار درهما، أي بنسبة 99 بالمئة من المبلغ الإجمالي للبرنامج (49.92 مليار درهم).

وقال الوزير في جواب عن سؤال كتابي حول “الإجراءات الحكومية المتخذة لتجديد العمل ببرنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية” وجهه رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، إن الميزانية الإجمالية للبرنامج ساهمت فيها المجالس الجهوية بـ21.45 مليار درهم، وهو ما يعادل 43 في المائة، كما ساهم صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية والقطاعات الوزارية المعنية بـ19.9 مليار درهم، أي ما يعادل 40 في المائة، والتنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بـ4.21 مليون درهم، (9 في المائة)، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بـ3.81 مليون درهم (8 في المائة).

ويتوزع الغلاف الاستثماري حسب مجالات التدخل على قطاعات مختلفة، أولها قطاع تأهيل وبناء الطرق والمسالك القروية الذي خصصت له 34 مليار درهم، فيما خصص لتأهيل قطاع التعليم 5 ملايير درهم، ومليارا درهم لتأهيل قطاع الصحة، و6 ملايير درهم للتزويد بالماء الصالح للشرب،ومليارا درهم للكهربة القروية.

وأشار لفتيت إلى أن هذا البرنامج يظل تكميليا للبرامج الحكومية الأخرى، له خصوصيته وظروف تنزيله، “فهو لا يحل محل برامج القطاعات الوزارية، بل فقط كمساهمة لسد النواقص والاختلالات التي تم رصدها بين الجهات وداخل الجهات نفسها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *