اقتصاد، مجتمع

بعد فاجعة درنة.. هل سدود المغرب صامدة بما يكفي أمام الكوارث الطبيعية؟

كشفت منظمة الأنهار الدولية، في تصريح لمسؤوليها نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن انهيار سدين في ليبيا، والذي تسبب في جرف آلاف الأرواح البشرية ونتج عنه انهيار كامل للبنية التحتية بمدينة درنة، كان من الممكن منعه رغم أنه كان متوقعا.

وأورد المقال ذاته، أن سدي درنة لن يكونا آخر السدود الكبيرة التي تنهار إلا إذا تم العمل على إزالة وإصلاح بعض الهياكل القديمة والمتقادمة التي تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها منذ فترة طويلة، وصيانتها بما يصمد في وجه التقلبات المناخية والظواهر الطبيعية.

وأشار المقال إلى أنه “مثل العديد من السدود حول العالم، تم بناء سدود وادي درنة في ليبيا في السبعينيات خلال عصر ذروة بناء السدود العالمية، حيث تم إنشاء حوالي 1000 سد كبير كل عام، والآن تصل معظم هذه السدود إلى نهاية عمرها الافتراضي”.

هذه الفرضية، طرحت معها الكثير من الأسئلة من قبيل، هل التقنيات التي شيدت بها السدود عبر ربوع المغرب كفيلة بالصمود في وجه التقلبات المناخية والظواهر الطبيعية، خاصة الإعصارات القوية كإعصار دانيال الذي ضرب درنة، مع العلم أن المغرب انطلق في بناء السدود منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بما يفيد أن عددا منها تجاوز الـ50 عاما أو أكثر.

المغرب استثناء

قال محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، “إن المغرب حالة استثنائية، لأن السدود بالمملكة في إطار السياسية المائية المعتمدة، تعتبر بنيات أساسية ومهمة للماء لحماية المدن والحواضر من الفيضانات، وفي نفس الوقت هناك خبراء وتقنيون عبر وزارة التجهيز والماء، يقومون بعمليات تتبع مستمرة لهذه السدود لمواكبتها والإشراف عن وضعيتها في مواجهة تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية”.

وأضاف بنعبو في تصريح خص به جريدة “العمق”، أن الوزارة أكدت سلامة وضعية السدود بإقليم الحوز الذي ضربه الزلزال في 8 شتنبر الجاري، وقالت عبر بلاغ توضيحي إن وضعيتها جيدة وسليمة ولم تتأثر بقوة الزلزال”، وهذا بحسب قول بنعبو، “لم يأت من فراغ، بل عن مواكبة وتقارير دورية محينة تواكب مثل هذه الظواهر الطبيعية وتأثيرها على سدود المملكة”.

وأورد الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، أن “المغرب يتوفر كذلك على مديرية عامة للكوارث الطبيعية تابعة لوزارة الداخلية لها تنسيق مستمر مع جميع القطاعات التي لها صلة بالتدخل في حالة وقوع كوارث طبيعية، سواء السلطات المحلية أو الوقاية المدنية أو الدرك الملكي، وهذه مرحلة قطعت فيها بلادنا أشواطا كبيرة جدا”.

وبالنسبة لكارثة الإعصار الذي خلف آلاف الوفيات والمفقودين بعد تأثيره على سدين في مدينة درنة، أكد محمد بنعبو، أن “انهيار السدين والفيضان هو ما أدى لكل تلك الخسائر “، مبرزا أن “التغيرات المناخية أو الظواهر الطبيعية، إذا حملت معها كميات كبيرة من الأمطار أكبر من الطاقة الاستيعابية للوديان والبنيات التحتية، فمسألة التأثر هنا ستكون طبيعية”.

مشاريع لتصريف المياه نحو المحيطات

وسجل محمد بنعبو أن “المدن المستقبلية بالمغرب، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار في هندسة بنيتها التحتية، تقنيات تصريف مياه الأمطار الكبيرة التي تتحول لفيضانات لأقرب مجاري المياه”، مشيرا إلى مدينة طنجة مثلا “تشرف على مشروع هيكلي كبير الذي سيتم عبره إنشاء خنادق متعددة لتصريف مياه الفيضانات مباشرة إلى البحر المتوسطي، وهذه العملية يجب أن تعتمد في جميع المدن”.

وأردف الخبير ذاته في تصريح لجريدة “العمق”، “بأن السدود عندما تفوق بها نسب المياه الطاقة الاستيعابية تكون نشرة إنذارية، تخلق استنفارا لدى السلطات المعنية للتدخل قصد التخفيف من حمولة السدود بإطلاق صبيب مياه ذو مستوى عال للتخفيف من طاقتها وجعلها تستقبل موارد مائية جديدة لضمان استدامتها وصمودها وتفادي أي فيضانات”.

وأكد بنعبو، أن “مسألة المراقبة والاستباقية للكوارث الطبيعية والظواهر التي لها صلة بالتغيرات المناخية، تبقى خاصية يتميز بها المغرب، حيث قطع فيها أشواطا مهمة، والدليل أننا نسجل أقل عدد لخسائر في الأرواح أو الممتلكات في بروز مثل هذه الظواهر، وهو نفسه الهدف من خلق مديرية للكوارث الطبيعية”.

وتابع أيضا قوله بأن “لمستوى اليقظة الذي أطلقته المديرية العامة للأرصاد الجوية في تنسيق تام مع السلطات المعنية، دور كبير في تجنب أي خسائر فادحة بشكل استباقي”.

تقوية شبكات القياس

من جهته، قال مومن عبد العزيز الخبير في الجيوفزياء جوابا على نفس سؤال جريدة “العمق”، إن “السدود التي تقع في سافلة المناطق المأهولة مثل مصب سبو ، هناك أوجه عدة لتأثرها بالتغيرات المناخية أو الكوارث الطبيعية”، موردا على سبيل المثال، “الحمولات القوية خاصة المحملة بالأثربة والأحجار، والتي قد ينتج عنها انهيار السد أو تدفقه بعد ملئه عن آخره”.

ومن العوامل أيضا التي قد تؤثر على هذه السدود، ذكر المصدر، “تبخر مياه السدود بنسبة جد عالية وهو مايقع حاليا مع ارتفاع دراجة الحرارة المستمر وربما يطول على مدار السنة (مرحلة غليان المناخ)، ومع الأسف لم تنشر هذه النسبة على منصة صفحة وزارة التجهيز والماء”، بحسب مومن.

وذكر كذلك، أن “هناك إشكالية مرتبطة بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية التي قد يكون تأثيرها غير مباشر، مثل الزلازل الناتجة عن ملئ أو إفراغ حقينة السدود الكبرى كسد الوحدة مع استنزاف الفرشات المائية الكبيرة كفرشة سايس بجهة فاس مكناس”.

ومن بين الإجراءات التي نصح بها الخبير الجيوفزيائي، هو ” تقوية شبكات كثيفة لقياس التساقطات المطرية في الأحواض المائية الموجودة في عالية السدود، وإنجاز محطات لرصد الزلازل قرب المنشآت المائية الكبرى، وإنجاز عدة وسائل للإنذار المبكر ومخططات لإجلاء الساكنة من المناطق المهددة بالفيضانات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *