وجهة نظر

بنعباد يكتب: حكاية صورة.. ميلاد أمل

“قلت للعدالة والتنمية ديال سيدي مومن ديوني معاكم للمحمدية، بغيت نشوف بن كيران، الساعة مابغاوش، وجيت بوحدي..”، قالها والكلمات تندفع بين شفتيه بسرعة بالغة، كانت عيناه تعلنان فرحه الكبير بتحقيقه إنجاز الوصول إلى المحمدية حيث من المقرر أن يلقي بن كيران كلمة سياسية.

في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح الإثنين، كان أول فوج من منظمي المهرجان الخطابي، قد وصلوا إلى ساحة المصلى، الساحة التي تحتضن المهرجان، وجدوا المكلفين بتهييئ المنصة يواصلون عملا ابتدؤوه ليلة الأحد، كما صادفوا هناك طفلا يذرع الأرض المساحة الفارغة جيئة وذهابا.

لم يتردد الطفل كثيرا، قصد أحد المنظمين وسأله عن مكان مهرجان بن كيران، كان الجواب هو هذه الساحة، فأشرق وجه الطفل من الجواب، قبل أن يستدرك المنظم: “ولكن راه حتى للخمسة ونص”، هز كتفيه ورد الطفل: “عارف، عارف”.. ومضى.

شرع الجميع كل حسب المهمة الموكولة إليه في ترتيب الساحة، بينما عرض الطفل نفسه للخدمة، وكان يشترط لذلك مقابلا، أن يجلس في الصفوف الأولى، كان الشباب يتجاهلون طلبه، بل منهم من أمره أن يبتعد عنهم لأن يوما طويلا ينتظرهم، ودعاه بعضهم إلى العودة إلى بيته، وهم لا يعرفون أنه جاء من حي “سيدي مومن” بالدار البيضاء.

في حدود العاشرة والنصف، حل فوج ثان بالساحة، يضم بعضا من “المسؤولين” عن النشاط، كانوا يعطون التعليمات للشباب، تقدم الصبي نحوهم، انتبه أحد هؤلاء المسؤولين إليه، وهو بالمناسبة أحد أعضاء لائحة الحزب المرشحة، “آهيا آشنو كتدير هنا؟”، “أنا جيت للمهرجان” أجاب بدون عقدة نقص، “ولكن المهرجان ما يبدا حتى للعشية!” استدرك المسؤول، “آه عارف” قال الصبي، وأطرق إلى الأرض وكأنما توقع السؤال التالي، “إوا حتى للعشية واجي انت وداركم” واصل المسؤول، رفع الصبي رأسه: “أنا ساكن في سيدي مومن، وقلت للإخوان ديال العدالة والتنمية يجيبوني معاهم بغيت نشوف بن كيران، هوما مابغاوش، وجيت بوحدي”، هذا الجوب صدم المحاور، الذي تصنع تجاهل الجواب، وتبسم قائلا: “يالاه تفطر يالاه”.

خلال جلوسهما في المقهى، بالكاد تمكن “المسؤول” من سؤال الصبي عما يريد للإفطار، وبعدها انشغل في سلسلة مكالمات لم تنته حتى خروجهما من المقهى، وعودتهما إلى الساحة، لينشغل المسؤول بواجباته فيما ظل صبينا يعرض خدماته على الشباب.

حان وقت الغذاء لم يذهب “الصبي” إلى بيته، لم ينتبه أحد إليه عندما قدمت الوجبات السريعة للشباب العاملين على ترتيب الساحة، بعدما تأكد الصبي من انتهاء الأكل عاد إلى الفضاء باحثا عن عمل يصنعه، لمحه “المسؤول” ناداه ليتناول وجبة الغذاء معهم رفض الصبي بحياء كبير هذا العرض، وبعد مفاوضات ماراطونية قبل العرض.

شرع المنظمون في ترتيب الكراسي، لم يتردد الصبي في أن يضع نفسه في الكرسي الأول في الصف الأول، فشلت “عشرات” المحاولات.. نعم عشرات، لإقناعه بأن ذاك المكان مخصص للشخصيات المهمة، كان مع كل إصرار من المنظمين وعزمهم على إبعاده بكل الحزم والقسوة، يفر إلى دموعه ويتوسل أن يبقى في مكانه حتى يتمكن من الاقتراب أكثر من بن كيران، محاولة واحدة نجحت في أن ترجع “صبينا” صفا واحدا، بعد تدخل “صديقه” المسؤول، قبل بأن يجلس في الصف الثاني، مقابل أن يسمح له بـ”مصافحة” بن كيران.

كانت الموافقة على طلبه “هروبا” من إصراره لا أكثر، كما كان أغلبنا على يقين من أن هذا الطفل، ستخبو حماسته، وسيعقلن جموحه، لما يرى استحالة تلبية طلبه مع كثرة الناس الكبار الأقوياء في القرب من بن كيران فما بالك بمصافحته.

دنت ساعة الصفر، وكان كلما رأى “المسؤول” يمر أمامه إلا رفع صوته بكل الزهو الممكن، “هانا درت اللي قلت لي، وجلست في الصف الثاني، عنداك تنساني”.. انطلق المهرجان وصعد بن كيران المنصة، تبادلت الحشود والزعيم التحايا، عم بعض الصمت، الذي كان يكسره صراخ الطفل وبكاؤه، أمام دهشة الجميع.

استمر الوضع دقائق، وكلما اتجهت الأجواء إلى الهدوء، يتم التركيز على مكان البكاء والصراخ، ورغم نجاحه في لفت انتباه الجميع إليه بما في ذلك المنصة، ظل يصرخ وينادي على “بن كيران” لينتبه صاحبه المسؤول ويتذكر وعده له، ويخبر بن كيران الذي أمر بالسماح له باعتلاء المنصة.

صبي صغير يعانق رجلا عظيم الهيئة، ويبكي، ولا يكاد يقول شيئا، يحاول أن يخبئ وجهه في الرجل، يتشبث به بكلتا يديه الصغيرتين، العاجزتين عن الإحاطة ببن كيران، ثم يتراجع قليلا.. يمسح دموعه ويلوح للناس بيده اليمنى، التي يضعها على فمه في وضعية قبلة ثم يلوح بها من جديد، بينما يده الأخرى متمسكة ببن كيران ولا تريد أن تفلته.

لم يبك بن كيران ذلك اليوم، ربما كبت أحاسيسه ومشاعره، لكن المشهد كان أكبر من الكلام، ومن القدرة عليه.. طفل يعانق رجلا ويبكي بحرقة.

نزل الصبي وعاد إلى مكانه، كانت ملامحه تشي بالصدمة، هل حقق الهدف الذي جاء من أجله؟ ربما! من يدري؟ بعد لحظات من عودته إلى كرسيه، بعدما كان شبه غائب عن العالم حوله، استرجع حيويته بالتدريج وشرع في التفاعل مع المهرجان، وخاصة كلمة صاحبيه المسير وبن كيران.

مشهد الطفل الباكي بين ذراعي بن كيران، لقطة إنسانية فياضة بالمعاني التي تعجز اللغة عن الإحاطة بمعانيها، خاصة وأن الصبي “سافر” ليحضر المهرجان.. قد يكون بن كيران حقق شيئا لهذا الطفل أو أقربائه، وقد يكون هذا الطفل مغامرا وباحثا عن “الشهرة”، كما قد يكون واحدا من آلاف البسطاء “المحبين” لبن كيران ممن حجوا لمهرجان المحمدية، الذين يرون في الرجل الأمل في مغرب ممكن.

تعليقات الزوار

  • شكىا
    منذ 7 سنوات

    Ana hadak