مجتمع

الريسوني: جهات تتعامل مع مدونة الأسرة كحلبة للتدافع وتسجيل الأهداف لصالح إيديولوجياتهم

اعتبر الفقيه المقاصدي أحمد الريوسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن كثيرا من الجهات تتعامل مع مدونة الأسرة وقوانين أخرى مثل القانون الجنائي، على أنها حلبة للتدافع وتسجيل الإهداف.

وقال الريسوني إن كثيرين يسعون إلى جني المكتسبات لحزبهم أو تيارهم أو مذهبهم أو إيديولوجيتهم، سواء في اللجنة المكلفة بتعديل المدونة، أو فيمن ستستمع لهم اللجنة.

وأشار إلى أن هناك من يسعى لتحقيق مكاسب للحداثة والحداثيين، أو للمرأة على حساب الزوج أو الأولاد، أو لطبقة أو فئة معينة، معتبرا ذلك “فسادا كبيرا”.

جاء ذلك في مداخلة عن بعد قدمها الريسوني خلال ندوة علمية نظمها مركز القرويين للدراسات والبحوث بمدينة فاس، أمس الأحد، حول موضوع “مدونة الأسرة المغربية بين تحصين الثوابت والرؤية التجديدية”.

وأشار الريسوني إلى أن عددا من التعديلات في مدونة الأسرة يُلاحظ عليها الارتباك والركاكة بسبب رغبة كل طرف في إدخال التعديلات التي تخدم مصلحته وتوجهه، وبالتالي لا نجد الانسجام في المدونة، حسب قوله.

وشدد على أن الانسجام في المدونة له طريق وحيد وهو الاعتماد على الشريعة الإسلامية، والمذهب المالكي خاصة، لافتا أن المدونة الحالية اقتبست كثيرا من المذهب الحنفي، وهو الأقرب إلى المذهب الملكي.

وأوضح الريسوني أن هدف مراجعة مدونة الأسرة، وكل التشريعات والقوانين، هو إحقاق الحق وإقامة العدل، عبر إقامة التوازن في الحقوق ورفع المظالم والأضرار عن الناس ما أمكن ذلك.

ويرى المتحدث أن أهم مكتساب مدونة الأسرة الحالية هو اسمها، قائلا: “انتقلنا من الفكرة الغربية بأنها مدونة للأحوال الشخصية، إلى الفكرة الإسلامية بأن هذه قوانين للأسرة الإسلامية والبشرية”.

وتابع قوله: “الأمر يتعلق بأحوال مجتمعية وعائلية ومؤسساتية، لأن الأسرة مؤسسة وليست أمورا شخصية، وبالتالي اعتماد هذا المصطلح كان موفقا وإيجابيا جدا، لأنها مدونة ترعى وتثبت مصالح الأسرة، وبين ثناياها حقوق المرأة والطفل والرجل والوارث والعائلة كلها”.

وأشار الريسوني إلى أنه بالرغم من المواضيع المستجدة في العالم الغربي، خاصة الفردانية والشهوانية والمثلية وغيرها، إلا أن البشرية لازالت في معظمها تؤمن بالأسرة وأن حضاراتها قامت على ذلك.

وأعطى الريسوني مثال الأسرة الفلسطينية، مشيرا إلى أنها “من أكثر الأسر تماسكا في العالم والأكثر قربا للإسلام، لذلك نجد هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني لأن الأسرة تتحمل التضحيات وتخرِّج المجاهدين والشهداء”.

غياب التقييم

الفقيه المقاصدي شدد على أن مدونة الأسرة الحالية لم تخضع بعد للتقييم حتى يتم تعديلها أو إصلاحها، موضحا أن الأمر يتطلب مراجعة وليس إصلاح أو تعديل باعتبارهما حكم مسبق، مضيفا: “نحن ندعو وننخرط في مراجعة وإعادة النظر فيها، ثم يأتي لاحقا تعديلها أو إصلاحها، باعتبارها نتيجة”.

وأردف قائلا: “لم أجد في غضون العشرين سنة الماضية، تقييما علميا رسميا للمدونة الحالية أو تعديلاتها السابقة، من طرف جهة علمية حقيقية وليس جهة تخدم أغراضا مسبقة. وهناك أناس يريدون أن ينقضوا على المدونة ويعدلوا ويغيروا فيها وفقط”.

وأشار إلى أنه “لم يقع تقييم شامل وموضوعي للمدونة، ولم ننظر أو نفحص الإشكالات والأعطاب التي تعاني منها الأسرة المغربية، وهل هي بسبب المدونة أم لأسباب أخرى؟ وهل تلك الأعطاب بسبب نصوص المدونة أو بسبب التنفيذ أو عدم التنفيذ”.

وشدد على أن التعديل يقتضي تقييم التعديلات السابقة، على اعتبار أن مدونة الأسرة من أكثر القوانين التي خضعت للتعديل بالمغرب، لافتا إلى أن المدونة الحالية بدأت الحرب عليها بمجرد دخولها حيز التنفيذ.

واعتبر الريسوني أنه لا تزال هناك فرصة على الأقل للمواكبة بين ما يجري الآن من نظر في المدونة والاستماع لمقترحات مختلف الجهات، وبين تقييم المدونة الحالية ومعرفة ما الذي نجحت أو أخفقت فيه، وفق تعبيره.

ومضى قائلا: “المدونة الحالية تحدثت مثلا بشكل جيد جدا وغير مسبوق عن حقوق الطفل، ونصت على واجبات الأبوين ووجبات الدولة والنيابة العامة، فهل قامت هذه الأطراف بما أنيط بها؟”، مجيبا عن السؤال بالقول: “ليس هناك جواب لأنه لا وجود لعملية تقييم”.

وأفاد الريسوني بأن المراجعة تقتضي معرفة عناصر القوة لتثبيتها وعناصر الضعف لمعالجتها، لافتا إلى أن “جميع الأطراف تقريبا تنتقد المدونة، في حين لا نجد من يعترف بإيجابياتها أو يكشف سبب سلبياتها”.

ولفت إلى أن المدونة الجديدة التي ستخرج بعد أشهر، ستطالها الانتقادات أيضا والمطالبة بتعديلها، مفسرا ذلك بكون من أسماهم بـ”أعداء الأسرة” سيظلون يطالبون بذلك مادامت المدونة تقوم على الإسلام والأسرة.

واسترسل في نفس السياق بالقول: “لن يتوقفوا حتى يدخلوا في المدونة عالم المثلية والفردانية ومقولات الجسد ملك للمرأة وللطفل وللرجل والعلاقات الرضائية وغيرها”، على حد تعبيره.

وشدد على أنه ليس بالقانون وحده تُصلح الأمور، موضحا: “الأمر ليس كافيا بل ليس هو الأساس، لأن القوانين وحدها لا تكفي ولا تعفي الدولة والمدرسة والأسرة من المسؤولية، والأساس هو الثقافة والتربية والعقيدة الصحيحة”.

الاجتهاد 

الريسوني اعتبر أنه لا إشكال في أن تخضع نصوص المدونة الحالية للمراجعة والتعديل، مشيرا إلى أنها تضم أزيد من 400 مادة، وكل مادة تشمل عدة أحكام وفقرات، وبالتالي تضم المدونة مئات الأحكام، بعضها قانوني والآخر شرعي وبعضها اجتهادي.

وأوضح أن كل المسائل الاجتهادية يمكن أن يكون فيها اجتهاد جديد في مدونة الأسرة، مضيفا: “بل يُلزم كل مجتهد أن يعيد اجتهاده في مسألة ما بعد مرور مدة من الزمن، بالنظر للمستجدات والتطورات التي تسمى بالنوازل”.

وأشار في هذا الصدد إلى أن أغلب أحكام المدونة هي أحكام اجتهادية، ويجوز إعادة النظر فيها بتجدد العلم والبحث ووسائله، وبتجدد طبيعة الأفعال والتصرفات والملابسات.

ومن الأمثلة على ذلك، يقول الريسوني، أن عددا كبيرا من النساء أصبحت لهن وظائف وعمل يومي خارج البيوت، مثل وظائف الرجال، بعدما كان عملهن محدود في السابق، لافتا إلى أن ثلث اليد العاملة بالمغرب من النساء حاليا.

وتابع قوله: “صار عمل الزوجة مساوٍ لعمل الزوج، وبالتالي صار لابد من مراجعة أحكام النفقة، وهذه من المستجدات التي تتطلب مراجعات واجتهاد وفتاوى”.

وقال الريسوني إن المجلس العلمي يضم لجنة خاصة بالفتاوى، موضحا: “يجب أن يسبق المجلس هذه المراجعات ويصدر فتاوى غير متأثرة بالمنظمات الدولية والوطنية، بل أن تكون منضبطة لأحكام الاجتهاد والشرع”.

وبحسب الريسوني، فإن أبرز مقدمات الاجتهاد هي قاعدة “لا اجتهاد مع النص”، مشيرا إلى أن المقصود بالمعنى الأصولي هو النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا قطعيا وصريحا وثابتا ثبوتا قطعيا لم يُختلف فيه.

وشدد على أن “لا اجتهاد مع النص” لا تشمل كل من ورد فيه نص قرآني أو من السنة، “فباقي النصوص الشرعية يكون فيها اجتهاد في حسن فهمها واستنباط ما تتضمنه” حسب قوله.

وفي هذا الإطار، يرى الريسوني أن أغلب مواد المدونة الحالية تتعلق بما هو إجرائي ومسطري أو تنظيمي، موضحا أنه لا إشكال في تنقيحها وتغييرها أو الزيادة فيها بناء على الخبرة والتجربة والممارسة لدى القضاة والعدول والمجتمع.

واعتبر أن ما يتسبب في صداع ومشاكل للمجتمع والأسرة يجب أن يتغير، وما يسهل على الناس حياتهم يجب إدراجه واعتماده فورا، وفق قوله.

وأشار إلى أن الاجتهاد في هذه الأحكام الإجرائية مطلوب، ولا يتطلب مجهتدين كبار، بل من لهم خبرة وممارسة في الموضوع من قبيل القضاة والموظفين والعدول والمحامين الذين يجب أن تعتمد ملاحظاتهم ومطالبهم واقتراحاتهم.

وأعطى مثالا على ذلك بأحكام الإجراءات المسطرية لكتابة عقد الزواج، والذي خصصت له المدونة الحالية ما بين 5 إلى 6 فصول، “وهي إجراءات تنظيمية يجب أن تكون ميسرة، وكلما ظهر إشكال أو نقص يجب سده” يقول الريسوني.

وشدد على أنه من الناحية الفقهية والأصولية، يجب اعتماد قاعدة “المصلحة المرسلة”، والتي تعني أن كل ما ظهر أنه يحقق مصلحة فيجب اعتماده، وما يعاكس المصلحة يجب إلغاؤه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 6 أشهر

    ابعدوا عنا الخرافات.. والاصولية والاخونجية.. وسوف ترون المغرب كيف سيكون.. .. اما الدين هو ان تتحكم في نفسك .. وليس في الاخرين..