وجهة نظر

عولمة الخدمات وتأثيرها على مهنة المحاماة

مداخلة تحت عنوان: عولمة الخدمات، وتأثيرها على مهنة المحاماة

سياق المداخلة الاجتماعات السنوية لمجلسي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تجري أطوارها بمدينة مراكش من 9 إلى غاية 15 أكتوبر 2023

تمهيد:

لا يمكن الحديث عن علم القانون بمعزل عن سياق نشأته وتطوره والحقول المعرفية التي ترتبط به ارتباطا وثيقا، وخاصة علم الاجتماع وعلم الاقتصاد، وعندما يتطور المجال الاقتصادي وتتشعب الأنشطة التي يهتم بدراستها يصبح القانون مطلوبا لتنظيم هذا النشاط أو ذاك، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن عولمة الاقتصاد، وكيف ساهمت في عولمة الفكر القانوني من خلال التوجه نحو لجوء الدول إلى المصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمجالات الحياة الاقتصادية والسياسية، والمصادقة على المعاهدات الدولية والأنظمة القانونية لمختلف المؤسسات الدولية المنبثقة عن ميثاق الأمم المتحدة منذ نشأتها بتاريخ 24 أكتوبر عام 1945 بسان فرانسيسكو بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، عقب الحرب العالمية الثانية.

لذلك ارتأينا بمناسبة الاجتماعات السنوية لمجلسي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تجري أطوارها بمدينة مراكش من 9 إلى غاية 15 أكتوبر 2023، الحديث عن بعض أوجه تأثير نظام عولمة الخدمات على قطاع خدماتي مهم يتعلق بمهنة المحاماة، وأهم التحديات التي ستواجهها هذه المهنة في القادم من السنوات، وأهم الفرص التي يمكن الظفر بها لتطوير قطاع المحاماة وترسيخ قيمها والنهوض بأوضاع ممتهنيها بالشكل الذي يضمن ممارسة جيدة، شريفة ومسؤولة من المحامي، والاستفادة من خبراته.

وقبل التفصيل في موضوع المداخلة سنسلط الضوء في هذا التمهيد عن مهنة المحاماة ونقف عن ماهية النظام العالمي الجديد أو العولمة (globalisation/mondialisation). ومدى تأثيرها على مهنة المحاماة، من حيث سبل ممارستها وفرص النجاح في تأدية رسالتها، ومدى صمود المحامي الوطني أمام المكاتب الأجنبية التي ستسمح عولمة المهنة بدخولها.
رغم أن عنوان المداخلة يشير إلى عولمة الخدمات أولا، لا ضير في أن أنطلق في التعريف بمهنة المحاماة قبل الحديث عن مفهوم العولمة، وبعد ذلك نبسط الحديث عن تأثير هذه الاخيرة في مهنة قد تبدو من الوهلة الآولى صعبة التأثر.

أولا/ مهنة المحاماة : التعريف، المهام والرسالة

إن المحامي مرادف للمدافع لغة أو الشخص الذي يساعد الأطراف لاقتضاء حقوقهم، ممن سلبوهم إياها، والمحاماة بهذا المعنى مرادف للحماية، فهو الشخص المؤهل علميا لممارسة واحتكار خدمة تمثيل الأطراف أمام المحاكم والإدارات بشتى أنواعها، استنادا إلى نظام قانوني معين كما هو الشأن في المغرب مع القانون رقم 08/28 بمثابة القانون المنظم لمهنة المحاماة، الذي خول المحامي طبقا للمادة 30 القيام بجملة من المهام نوردها كالتالي:

– يمارس المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة، مع مراعاة الاستثناء المنصوص عليه في المادة الثالثة والعشرين أعلاه، من غير الإدلاء بوكالة وتشمل هذه المهام:

1- الترافع نيابة عن الأطراف ومؤازرتهم والدفاع عنهم وتمثيلهم أمام محاكم المملكة، والمؤسسات القضائية، والتأديبية لإدارات الدولة والجماعات والمؤسسات العمومية، والهيئات المهنية، وممارسة جميع أنواع الطعون في مواجهة كل ما يصدر عن هذه الجهات في أي دعوى، أو مسطرة، من أوامر أو أحكام أو قرارات، مع مراعاة المقتضيات الخاصة بالترافع أمام محكمة النقض؛

2 – تمثيل الغير ومؤازرته أمام جميع الإدارات العمومية؛

3 – تقديم كل عرض أو قبوله، وإعلان كل إقرار أو رضى، أو رفع اليد عن كل حجز، والقيام، بصفة عامة، بكل الأعمال لفائدة موكله، ولو كانت اعترافا بحق أو تنازلا عنه، ما لم يتعلق الأمر بإنكار خط يد، أو طلب يمين أو قلبها، فإنه لا يصح إلا بمقتضى وكالة مكتوبة؛

4 – القيام في كتابات الضبط، ومختلف مكاتب المحاكم، وغيرها من جميع الجهات المعنية، بكل مسطرة غير قضائية، والحصول منها على كل البيانات والوثائق، ومباشرة كل إجراء أمامها، إثر صدور أي حكم أو أمر أو قرار، أو إبرام صلح، وإعطاء وصل بكل ما يتم قبضه؛

5 – إعداد الدراسات والأبحاث وتقديم الإستشارات، وإعطاء فتاوى والإرشادات في الميدان القانوني؛

6 – تحرير العقود، غير أنه يمنع على المحامي الذي حرر العقد، أن يمثل أحد طرفيه في حالة حدوث نزاع بينهما بسبب هذا العقد؛

7 – تمثيل الأطراف بتوكيل خاص في العقود…

فالمحامي بهذا المنطق يشكل دعامة محورية لإقامة العدل، وفرض سيادة القانون، و يساهم في تحقيق العدالة وهو جناحها الثاني إلى جانب السلطة القضائية، ويضمن احترام الحريات والحقوق الأساسية، عن طريق الوقوف ضد الظلم والشطط والتجاوز والتعسف…، ولضمان تمسك المحامي برسالته النبيلة هذه، سعت كل الأنظمة القانونية إلى إحاطة تنظيم هذه المهنة بالعديد من الشروط وأولتها الـأهمية اللازمة لجعل المحامي مقيدا بمبدأ السر المهني والممارسة الشريفة للمهنة والاستقلالية والنزاهة في الدفاع عن موكليه كما توجب ذلك أحكام المادة 12 من القانون رقم 08/28 المومإ إليه أعلاه، و الذي جاء في نصها قسم المحامي. “يقيد المترشح المقبول في لائحة التمرين، ولا يشرع في ممارسة المهنة، إلا بعد أن يؤدي القسم الآتي”أقسم بالله العظيم أن أمارس مهام الدفاع والإستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقالية وإنسانية، وأن لا أحيد عن الإحترام الواجب للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي أنتمي إليها وأن أحافظ على السر المهني، وأن لا أبوح أو أنشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة، وأمن الدولة، والسلم العمومي”..

كما حدد المشروع شروطا خاصة للولوج لمهنة المحاماة حددها في المادة 5 فيما يلي:

1 – أن يكون مغربيا أو من مواطني دولة تربطها بالمملكة المغربية اتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى، مع مراعاة مبدأ التعامل بالمثل مع هذه الدول؛

2 – أن يكون بالغا من العمر واحدا وعشرين سنة ومتمتعا بحقوقه الوطنية والمدنية؛ -_3 أن يكون حاصلا على شهادة الإجازة في العلوم القانونية من إحدى كليات الحقوق المغربية أو شهادة من كلية للحقوق معترف بمعادلتها لها؛

4 – أن يكون حاصلا على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة؛

5 – أن لا يكون مدانا قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك ولو رد اعتباره؛

6 – أن لا يكون مصرحا بسقوط أهليته التجارية ولو رد اعتباره؛

7 – أن لا يكون في حالة إخلال بالتزام صحيح يربطه بإدارة أو مؤسسة عمومية لمدة معينة؛

8 – أن يكون متمتعا بالقدرة الفعلية على ممارسة المهنة بكامل أعبائها؛

9 -أن لا يتجاوز من العمر خمسة وأربعين سنة لغير المعفيين من التمرين، عند تقديم الطلب إلى الهيئة.

ثانيا/العولمة : ماهيتها، فلسفتها، وصورها

يمكن تعريف العولمة على أنها جعل الشيء عالمي أو جعل الشيء دولي الانتشار في مداه أو تطبيقه، وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات الدولية في المجال الإقتصادي أساسا بتطويع السياسة، وتسخير باقي الجوانب الاجتماعية والثقافية لخدمة مشروع معين، قد يتعلق بفرض نظام ليبرالي، رأسمالي أو إشتراكي…

كما أن العولمة تجد أهم مظاهرها أيضا في انتشار الشركات العملاقة العابرة للقارات، كأمازون ويوتوب وماكدونالد، هذه الشركات التي أصبحت لها فروعا في أغلب دول العالم بفعل سياساتها التجارية ودراستها للأسواق المحلية وإمكانياتها الهائلة لملائمة منتوجاتها مع خصوصيات الدول حتى تتوسع اقتصاديا وتجني أرباحا كمهمة من استثماراتها في العديد من الاسواق الدولية، وتوسع مجال استعمال الانترنيت ليشمل كل مناحي الحياة اليومية للأفراد.

فرغم تعدد التعاريف لمفهوم العولمة، إلآ أنه يمكن وصف العولمة بالعملة التي يتم من خلالها تعزيز الترابط بين شعوب العالم في إطار مجتمع واحد لكي تتضافر جهودهم معًا نحو الأفضل. تمثل هذه العملية مجموع القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية.

إن من أبرز مظاهر العولمة ارتفاع حجم التجارة الدولية وتوسع نطاقها وتطور التكنولوجيا وتوسع استخدام الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وأن العولمة بهذا الوصف لها تأثير مباشر على المجتمعات.

لا جدال في أن العولمة لم تستجب لإحتياجات جميع الأفراد في مختلف المجتمعات، ولم تلبي طموحاتهم المشروعة في الحصول على عمل مناسب ومستوى معيشي أفضل لهم ولأطفالهم. وهذا يظهر من خلال ازدياد البطالة، تدني الأجور ومستويات المعيشة، وانخفاض مستوى ونوعية الخدمات، وقد أدت ثورة الاتصالات العالمية إلى زيادة الوعي حول التفاوت الاجتماعي، بفعل الاعتماد على الاستفادة من الخدمات عن بعد وتزايد الاعتماد على المكننة في إنجاز العديد من الأنشطة الإقتصادية، حتى أن الان أصبح في بعض الانظمة الانكلوساكسونية المحامي الرقمي الذي يجيب عن كل استفسارات طالبي الخدمة بتطبيق عبر الحاسوب أو الهاتف.

إذن ماهي تأثيرات هذه النظام العالمي الجديد على مهنة المحاماة؟

ثالثا/ تأثير العولمة على قطاع المحاماة

لايختلف إثنان في أن العولمة خلقت نظاما عالميا جديدا، وأن جل المهن تأثرتا بها سالبا أو إيجابا، وهنا نشير إلى أن المهن القضائية والقانونية ولاسيما مهنة المحاماة التي تتوحد في الكثير من تقاليدها وأعرافها وطرق ممارستها بين الكثير من الانظمة القانونية، باعتبارها مهنة قانونية حرة تقدم خدمات للغير الموسومين عادة بالموكلين، سواءا كانوا أفرادا أو جماعات، أشخاص معنوية أـو اعتبارية، ومع تدفق الاستثمارات في الكثير من الدول النامية بات من الضروري أن تواكب مهنة المحاماة هذا النمو، وتعين تأهيل الجسم المهني لمواكبة هذا التطور من خلال تأهيل محامين ملمين بعقود الاستثمار وأحكام التجارة الدولية ومتمكنين من مقتضيات القانون الدولى الخاص وقواعد التحكيم والوساطة الاتفاقية وغيرها من الوسائل البديلة لفض النزاعات بعيد عن نطاق عرضها على القضاء، وهو ما دفع المشرع المغربي إلى التقاط هذه الاشارة وإقرار التحكيم والوساطة الاتفاقية بمقتضى القانون رقم 95.17 بتاريخ 24 ماي 2022.

والتمرس على تفعيل المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة الواردة في أحكام القسم التاسع من القانون رقم 95.15 بمثابة مدونة التجارة، سيما المواد 768 وما يليها التي تهدف إلى تسهيل تعاون المحاكم المغربية مع المحاكم الأجنبية المعنية بمساطر صعوبات المقاولة، وتعزيز الأمن القانوني في مجالات التجارة والإستثمار، العابر للحدود، وأن هذا الواقع يفرض على المحامين ممارسة المهنة في شكل شركات مدنية مهنية للمحاماة، كما تنص على ذلك أحكام المادة 25 من القانون 08.28 التي جاء فيها : يتعين في حالة المشاركة أن يتضمن الجدول إلى جانب اسم كل محام متشارك، اسم المحامي أو المحامين المتشاركين معه، ونصت كذلك المادة 26 من القانون المومإ إليه أعلاه “يمكن للمحامي أن يمارس مهنته وحده، أو مع غيره من المحامين، في نطاق المشاركة، أو في إطار شركة مدنية مهنية، أو المساكنة أو بصفته مساعدا”. غير أنه لا يجوز أن يكون للمحامي، أو للمحامين المتشاركين إلا مكتب واحد.

ومن جهة ثانية، فإن من بين نتائج الليبرالية الاقتصادية التي أصبح العالم يعيش على وقعها الأن، ذلك التوجه نحو تجاوز السيادة الوطنية للدول، لاسيما مع الضغط الاقتصادي للقوى العظمى خاصة تلك التي تتوفر على حق الفيطو، ولا تسمح إلا بما يخضم مصالحها ويديم تربعها على إدارة العالم، بحيث أصبحت الدول السائرة في طريق النمو مجبرة على أن تكون شريكة وأن تجاري القوى العالمية الكبرى وإلا تجاوزها التاريخ.

هذا الوضع ولد اندفاعا لدى الدول من أجل المصادقة على اتفاقية الكات التي احتضنتها مراكش، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (OMC) من قبل العديد من الدول وفتح الأسواق لدخول السلع والبضائع والخدمات والرساميل، كل ذلك من أجل خلق اقتصاد حر لا يؤمن إلا بالجودة وقلة التكلفة كمعيارين أصيلين في تحقيق التنافسية الاقتصادية بين المقاولات الوطنية والدولية، في إطار ما يسمى بالتبادل الحر أو السوق الحرة المشتركة التي تفرض إلغاء اداء الرسوم الجمركية.

وفي هذا السياق، أصبح من البديهي أن يلهت القانون وراء الاقتصاد، ذلك أن العولمة الاقتصادية تؤدي حتما إلى عولمة الفكر القانوني، بحيث أصبحت الدول تلجأ إلى مؤسسة الاتفاقيات الدولية من أجل تقريب المسافة بين القوانين الوضعية عبر العالم فضلاً عن الدور الذي تلعبه بعض المنظمات والمعاهد الدولية كالمعهد الدولي لتوحيد القانون الخاصUNI-DROIT ، لجنة الأمم المتحدة لتوحيد قانون التجارة الدولية UNISTRAL- CNUDCCI والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة 2028، التي يعتبر المغرب عضوا فيها إلى غاية سنة 2028، دون أن نغفل غرفة التجارة بباريس CCP.

وأمام تنامي استعمال الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات واختراقه مجال البحث العلمي أيضا، بات المحامي ومعه مهنة المحاماة في تحدي كبير جدا، وقد لا تسلم من تبعاته، سيما وأن بعض التطبيقات ستحل محل المحامي في تلبية بعض احتياجات طالبي خدمة المحامي خاصة في ما تعلق منها بالاجراءات الادارية وغير القضائية، كما أن رقمنة كل خدمات المحامي قد تذهب بعمق هذه الرسالة التي اعتمدت لقرون على الحضور الفعلي وعلى المرافعات وما تتضمنه من بلاغة الكلمة وفصاحة اللغة، وسرعة البديهة..، كما أن اعتماد المحامي على التقنيات الحديثة والتواصل عن بعد في تقديم الخدمات والاستشارات القانونية لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تعوض استقبال الموكلين بمكتبه وفهم المشاكل التي تعرض عليه من خلال ما تكشف عنه المخابرة من أسرار، وما تمكنه من معطيات قد تساعده في إيجاد الحل للنوازل التي تعرض عليه.

كما يمكن في إطار عولمة خدمات المحامي أن تذلل الصعاب عبلى المحامي الاجنبي ليتولى الدفاع عن حقوق موكليه سواء كانوا أجانب مقينمين بالمغرب أو مواطنين مغاربة، عن طريق التراجع عن فرض الاذن بالترافع الممنوح من قبل وزير العدل، واستبداله بإجراءات أخرى تتم بشكل إلكتروني عن طريق ملء استمارة تتضمن هوية المحامي رقميا وكذلك تعريفه الضريبي، وتسمح له بالحضور أمام القضاء الوطني بكل أريحية.” لا يمكننا أن نكون غافلين عن المسؤولية التي نتحملها كمحامين في تقديم المشورة القانونية للمنصات أو الشركات الرقمية ، ونماذج الأعمال الجديدة التي تستخدم تقنيات المعلومات والتي تمثل تحديًا دائمًا من الناحية القانونية. منصات مثل Facebook® و Youtube® و Twitter® خاضعة للتنظيم الذاتي ، نظرًا لعدم وجود قوانين أو معاهدات دولية سارية ، ولا تعترف هذه المنصات أو نماذج الأعمال بالحدود أو الجنسيات”.

خاتمة

بناء على ما تم تفصيله سلفا، بات لزاما على جمعية هيئات المحامين بالمغرب وباقي الهيئات المهنية المنضوية تحت لوائها وكل الجمعيات المهنية الموازية، وكذا الإطارات المهنية الشبابية المنتمية إلى فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، أن تأخذ بعين الإعتبار هذه التحولات التي أملتها العولمة، ومست بشكل أو بأخر قطاع مهنة المحاماة، وأن تنكب حتى لا تتعثر مشاريع المحامين المغاربة، على التكوين والتكوين المستمر، وأن توجه بوصلة الإهتمام على الانفتاح على اللغات الاجنبية، والبحث عن إبرام اتفاقيات بين هيئات المحامين المغرب وهيئات للمحامين بدول أنكلوساكسونية وفرنكفونية أساسا، لضمان ذلك التلاقح الفكري، واستيعاب مستجدات المهنة على المستوى الدولي، وفسح المجال أمام شباب المهنة لتبادل التجارب والتكاوين بغرض تطوير كفاءاتهم، لرفع تحدي العولمة، والانكباب على استخدام الوسائط الرقمية في ممارسة المهنة قصد التخفيف من أعباء المحامي وزيادة مردوديته المهنية، لأن المستقبل سيكشف حضور شركات مدنية مهنية أجنبية للمحاماة أكثر خبرة ودراية بمجالات التجارة الدولية، والضرائب وعقود الائتمان، والتأمينات تحتكر مجال المال والأعمال، تنوب عن الشركات العملاقة والعابرة للقارات. مما يتطلب إعادة النظر في طريقة تكوين السادة المحامين الجدد والتراجع عن الطريقة الكلاسيكية الشبيهة بالمحاضرات، إلى لقاءات مع مختصين في مجالات لها ارتباط وثيق بعمل المحامي، من قبيل دراسة نوازل أكثر تعقيدا، والحالات التي يتطلب البت فيها قوانين مختلفة أو علوم أخرى غير علم القانون، ودراسة الامكانيات المتاحة من خلال مضامين الاتفاقيات الدولية بقصد إثارتها أمام القضاء من أجل دفعه إلى إعمالها عند إصدار الأحكام، كما يتعين أيضا التفكير جديا في تفعيل الشراكات مع المؤسسات والجامعات للرفع من منسوب التكوين لدى أجيال المحامين الجدد، ومواكبة المحامين القدامى بالتكوين المستمر حول القوانين الجديدة وتقنيات التواصل الحديثة.

كما لا تفوتني الفرصة أن أنبه إلى ضرورة الإهتمام بدراسة واقع المهنة وطرق ممارستها وتوفير الجو الملائم للإبداع فيها، لأن إضعاف هذه المهنة له أثر مباشر على الاستقرار المجتمعي، لأن المساس بنبل هذه المهنة وتقزيم مهام المحامي سيكون له وقع على مجال الحقوق والحريات وقد نعيش ردة حقوقية، ستوقف مسلسل التنمية داخل هذا الوطن.
ومادامت المناسبة هي الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المنعقدة بمراكش، فلا ضير في أن نلفت الإنتباه إلى أهمية التعامل بذكاء مع القروض التي تقدمها هذه المؤسسات المالية الدولية وتوظيفها توظيفا جيدا لخدمة الإنسان والرقي به ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتشجيع البحث العلمي، من خلال حث الكثير من الأنظمة القانونية الى ملائمة قوانينها مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان لتحصين مهنة المحاماة بالمغرب وتأهيلها بالاسراع في إخراج المعهد الخاص بتكوين المحامين إلى حيز الوجود، وتفعيل الإتفاقيات الدولية في هذا الجانب، حتى يتسنى للمحامين المغاربة ممارسة مهنة المحاماة بدولة أجنبية ترتبط والمغرب باتفاقيات المعاملة بالمثل، كما أن توسع مجال عولمة الخدمات سيساعد المحامون الأجانب في الإستفادة من مناخ مهم للإستثمار في قطاع المحاماة عن طريق فتح مكاتب نموذجية بالمغرب في شكل شركات مدنية مهنية للمحاماة تكون أثر تخصصا، وسيتولد لدينا وضعا مهنيا مختلفا، سيدفعنا جميعا إلى التفكير في إقرار إصلاحات عميقة للحفاظ على ما تبقى لدينا من رصيد مهني، في انتظار ما سيكشف عنه القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة الذي سيصدر في الشهور القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *