منتدى العمق

Titiz

لم أكن لأكتب شيئا اليوم -لأنني أتيت إلى القهوة لأشرب قهوة وأقرأ صفحات من رواية- لولا أني فتحت هذا “المشقوف” ووقعت على تعليق تشتم فيه امرأةٌ امرأةً أخرى وتعيرها بحبها المبالغ فيه لزوجها مع أنه ليس رجلا وسيما ولا “بوكوصا” يعمر العين.

فكرت أن أرد: متى كانت الرجولة مرتبطة بالوسامة؟ ومتى كان الحب مرتبطا بالجمال المظهري؟

الحب إشباع عاطفي وعقلي وفكري وروحي عميق، وكلما تعلق بالشكل هان وضعف، فمهما بلغ الإنسان من الجمال لا بد أن يرى الناس أجمل منه.. وكم مرة استغرب الناس من خيانة رجل لزوجته لأنها بحظ وافر من الجمال لا نصيب فيه للمرأة العشيقة! وكم مرة تدخل الناس في اختيارات رجل وتساءلوا دون وجه حق “ما عرفت أش عجبو فيها”.

الحقيقة أنني لم أرد فلا أنا اعرف الزوجة المتيمة بزوجها ولا أنا أعرف المعلقة.. لكنني أعرف أن حديث الشباب اليوم يدور حول “التيتيز”. الفتاة تريد صديقا متيتزا، وصديقة متيتزة، وحبيبا متيتزا، واستاذا متيتزا، ومديرا متيتزا، وسائق طاكسي متيتزا، وإمام مسجد متيتزا… لعل واحدا منهم يتحول في المستقبل إلى زوج متيتز تتباهى به فوق العمارية، وفوق الناموسية، وتعرض صوره في وسائل التواصل الاجتماعي… كما أن معيار الذكور اليوم في الاختيار لا يتجاوز في الغالب تيتزة بمؤخرة “مدردكة او مكدرة” (نسبة إلى دردg والgدرة) والباقي لا يهم.

طبيعي في عالم كهذا أن لا تبقى قيمة للمفكر والمثقف والعالم والشاعر والكاتب والأستاذ والحرفي لأن هؤلاء أبعد الناس عن عالم الموضة.. فلا يبقى مثيرا للاهتمام إلا الممثلون والممثلات والمغنون والمغنيات وبعض الرياضيين ولاعبات التنس.. وما دون ذلك لا قيمة له وإن تزوجت بك إحداهن فلكي تملأ بك الفراغ إلى أن يأتي الله ب”رجل”، وإن تزوج بكِ أحدهم فلكي يملأ بك الحالة المدنية فقط أما قلبه فقد ملأته شاربوفا وكرديشان.

تذكرت طالبة جامعية زميلة في سنوات الإجازة تبدو غريبة حزينة كنا نتحدث أحيانا في الأدب والأدباء ثم في أحوالنا، وبينما كنت أنتظر -ربما- أن تغرم بي.. أخبرتني يوما أنها تحتاج طبيبا نفسيا فهي مغرمة حد الجنون بجبران خليل جبران مع أن جبران كان قد مات قبل عقدين من ذاك الزمن.. هي تقرأ له ولأمر ما صارت مجنونة بشخصه فتحول الأمر حبا بطريقة ما.. لست أدري ما صنع بها الدهر لكن أدري أن مثل هذا الحب لذيذ جميل لا علاقة له بالمظهر ولا حتى بالوجود المادي للشخص.. حب روحي فكري أعمق. ومثل هذا بطريقة ما هو ما ينبغي أن يسود في نظرتنا إلى الناس فإن أحببناهم أحببنا فيهم روحهم وتفكيرهم ونظرتهم للحياة، وتلك أمور تصمد أمام عوامل التعرية التي يفرضها الزمان، وتصمد أمام ثقافة الجمال والوسامة للجميع حيث يسهل بشيء من اليسر المادي أن تتحول الفتاة إلى تيتزة بعمليات تجميل تقيم اعوجاجا هناك وتنفخ هنالك… فتتحول على يد الطبيب من خلق الله إلى دمية عاشوراء يقال لها مجازا تيتيز.

أما الذَّكر فقد انشغل بجسمه وزغبه وعضلاته ينفخ هنا ويخفض هناك، ولا يهم أن يعمل أو يقرأ، ولا يهم فيه الخُلق ولا الدين ولا الفكر، ولا علاقته بأسرته وجيرانه ما دام يستطيع بابتسامة رتّب ” الباك bag” أسنانها أن يسقط تيتزة مزيفة يضيفها إلى لائحة فتوحاته النسائية حتى ينتصر على صديقه في مباراة التباري حول عدد المعجبات.

واضح أن أحدا ما سرق منا القن السري فلعب في إعدادات القلب وعطل العقل.

تعليق: أنت كتبت هذا لأنك لست تيتزا ولا تملك دراجة نارية.. فهمتيني أ السّاطْ.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *