حوارات، مجتمع

هل استجاب النظام الأساسي الجديد لمطلب الإدماج في الوظيفة العمومية؟ (حوار)

قال أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، بدر الخلدي، إن التحولات التي تعرفها الوظيفة العمومية في المملكة المغربية ليست وليدة اللحظة وإنما هي نتاج ما شهده القطاع العام في المغرب منذ سنة 2011 من إقرار لازدواجية أنماط التوظيف داخل هندسة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بموجب مقتضيات الفصل 6 مكرر منه.

وفي تعليقه على إضرابات الأساتذة، قال الخلدي في حوار أجرته معه جريدة العمق إن الإضرابات الأخيرة التي جسدتها أطر هيئة التدريس وباقي الأطر والهيئات المنبثقة عنها قد وضعت مختلف الفاعلين في الحقل التعليمي والشأن العام في مأزق حقيقي.

وبخصوص نتائج الحورا القطاعي بين النقابات واللجنة الوزارية، أشار إلى أن ما تم الاتفاق عليه مع النقابات الأكثر تمثيلية وإن كان لا يرقى إلى مستوى تطلعات المحتجين المعبر عنها بمطالب مشروعة ولا إلى سقف انتظارات المضربين من مختلف تنسيقيات هيئات القطاع، إلا أن ذلك لا يمنع من عودة الأساتذة إلى مقرات عملهم.

وسجل المتحدث العديد من الملاحظات حول النظام الأساسي الجديد الذي قال إنه يندرج ضمن جيل جديد من الأنظمة الأساسية الهجينة التي تجمع بين العاملين بالوظيفة العمومية طبق أنماط التوظيف المختلفة كما أقرها النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية منذ تعديله بالقانون رقم 50.05 سنة 2011.

وبخصوص استجابة النظام الأساسي لمطلب المتعاقدين المتمثل في إدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية، اوضح الجامعي ذاته أنه بالرغم من تنصيص هذا النظام الأساسي على إدماج الأطر الذين تم توظيفهم من طرف الأكاديميات الجهوية في أطر الإدارة بقطاع التربية الوطنية، إلا أن مسألة ترسيمهم ستحتاج قانونيا لتعديل الفصل 6 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على أنه لا ينتج عن التشغيل بموجب عقود في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة.

وهذا نص الحوار كاملا:

هل أحيت الشغيلة التعليمية بحراكها الحديث عن الوظيفة العمومية وعن التحولات التي تعرفها؟ 

لم تكن التحولات المشهودة على مستوى الوظيفة العمومية وليدة اللحظة، وإنما هي نتاج ما شهده القطاع العام في المغرب منذ سنة 2011 من إقرار لازدواجية أنماط التوظيف داخل هندسة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بموجب مقتضيات الفصل 6 مكرر منه. والذي سمح عند الاقتضاء للإدارات العمومية باللجوء إلى إمكانية التشغيل بموجب عقود دون أن ينتج عن ذلك حق الترسيم في أطر الإدارة. وبالفعل، في سنة 2016 لجأت وزارة التربية الوطنية عن طريق أكاديمياتها الجهوية للتربية والتكوين للتوظيف بالتعاقد لتغطية الخصاص الحاصل في هيئة التدريس واكتظاظ التلاميذ في الحجرات الدراسية، مما طرح منذ البداية إشكالية تعارض مطلب ترسيم أطر الأكاديميات في أطر إدارة الدولة مع المنع القانوني الصريح الذي يقتضي تغيير منطوق الفصل 6 مكرر لتحقيقه.

لكن يبدو أن الإضرابات الأخيرة التي جسدتها أطر هيئة التدريس وباقي الأطر والهيئات المنبثقة عنها قد وضعت مختلف الفاعلين في الحقل التعليمي والشأن العام في مأزق حقيقي، وذلك بعدما توقفت الدراسة وفقدت الثقة وعجزت الحكومة والوزارة الوصية ومعها النقابات الأكثر تمثيلية عن إقناع معظم الأساتذة المتمسكين بقرار الاستمرار في الإضراب بالعودة لحجرات الدرس، في مقابل عدم القدرة عن تحقيق كافة المطالب المتناسلة والتي ارتفع سقفها إلى مستوى لم يكن ليتوقعه أحد.

ما تعليقكم حول الصيغة الجديدة التي توصلت النقابات التعليمية بنسخة منها يوم السبت الماضي؟

بالرغم من أن هذه الصيغة الجديدة للنظام الأساسي قد حققت بعض المطالب المادية والمعنوية من قبيل الزيادة في الأجور والتعويضات التكميلية والتراجع عن العقوبات التأديبية المفصلة والاكتفاء بالإحالة إلى أحكام النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وسحب مقتضى تسقيف سن الولوج في 30 سنة في مباريات الولوج لمهن التربية والتكوين إلى جانب مكتسبات فئوية أخرى. إلا أن عدم الرضى في صفوف الأساتذة وباقي الأطر لازال هو المرجح.

لذلك يطرح المتتبعون لمآلات الشأن التعليمي سؤالا عريضا حول مصير السنة الدراسية: هل هذه الصيغة الجديدة من النظام الأساسي الخاص بقطاع التربية الوطنية كفيلة بإيقاف الاحتقان في قطاع التربية الوطنية؟

تفاعلا مع هذا السؤال، يمكن القول بأن ما تم الاتفاق عليه مع النقابات الأكثر تمثيلية وإن كان لا يرقى إلى مستوى تطلعات المحتجين المعبر عنها بمطالب مشروعة ولا إلى سقف انتظارات المضربين من مختلف تنسيقيات هيئات القطاع، إلا أن مظاهر العودة التدريجية من طرف الأساتذة للحجرات الدراسية تلوح في الأفق خاصة وأن النفس الاحتجاجي قد تم إنهاكه، وبالتالي يمكن القول بأن الصيغة الجديدة لمرسوم النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية قد تكون استجابة ولو نسبيا لنبض الشغيلة التعليمية في حده الأدنى.

من جهة أخرى، يمكن الإقرار منذ البداية بأن هذا النظام الأساسي يندرج ضمن جيل جديد من الأنظمة الأساسية الهجينة التي تجمع بين العاملين بالوظيفة العمومية طبق أنماط التوظيف المختلفة كما أقرها النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية منذ تعديله بالقانون رقم 50.05 سنة 2011. وهو ما يعني أنه يحتمل في بنيته المكونة لقطاع التربية الوطنية أن يكون نظاما أساسيا للمستخدمين العاملين ترابيا بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بوصفها مؤسسات عمومية مؤطرة بالقانون رقم 07.00، وفي نفس الوقت نظاما أساسيا خاصا بموظفي وزارة التربية الوطنية كإدارة من إدارات الدولة.

هل من ملاحظات بخصوص هذه النسخة المعدلة من النظام الأساسي المثير للجدل؟

يمكن تقديم بعض الملاحظات الأولية في هذا الاتجاه:

أولا: يبدو أن هذا النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية يندرج شكلا ومضمونا ضمن أحكام النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بالرغم من المخالفات التي جاء بها تبعا لما تقتضيه خصوصيات قطاع التربية الوطنية وهو ما لا يتعارض مع منطوق الفصل 4 منه.

ثانيا: يظهر أن مرسوم النظام الأساسي قد أقر الإزدواجية في بنية موظفيه بسريان مقتضياته على نوعين من العاملين بالقطاع هما موظفي الوزارة المنبثقين عن النظام الأساسي السابق لسنة 2003 والأطر التي تم توظيفها بالتعاقد من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

ثالثا: يلاحظ أن النظام الأساسي الجديد يتجه نحو توحيد انتماء أطر الموظفين للبنيات الإدارية لقطاع التربية الوطنية، مما سيساهم ضمنيا في تفكيك الأنظمة الأساسية الخاصة بالأطر المشتركة من خلال إدماج الأطر المشتركة العاملة بالوزارة ضمن الأطر الجديدة لقطاع التربية الوطنية كالمتصرفين والمساعدين التقنيين والمساعدين الإداريين والتقنيين والمحررين.

رابعا: يلاحظ أن المقتضيات الانتقالية لهذا النظام الأساسي في المادة 73 منه لا تتحدث عن إدماج أطر الأكاديميات في أطر إدارة قطاع التربية الوطنية، وإنما تعيد هندسة الأطر المشكلة لقطاع التربية الوطنية برمتها عن طريق إدماج الجميع في أطر جديدة استحدثها هذا المرسوم سواء فيما يتعلق بموظفي الوزارة المنبثقين عن النظام الأساسي الخاص الذي يعود لسنة 2003 أو الأطر الذين تم توظيفهم بموجب عقود من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

خامسا: بالرغم من تنصيص هذا النظام الأساسي على إدماج الأطر الذين تم توظيفهم من طرف الأكاديميات الجهوية في أطر الإدارة بقطاع التربية الوطنية، إلا أن مسألة ترسيمهم ستحتاج قانونيا لتعديل الفصل 6 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على أنه لا ينتج عن التشغيل بموجب عقود في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة.

سادسا: إن إدراج القانون رقم 07.00 المتعلق بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في البناء القانوني لمرسوم النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية مؤشر دال على دمجهما في إطار نص تنظيمي شامل كما ذهبت إلى ذلك توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في رأيه رقم 11/2021. وهو ما من شأنه أن يسمح بالتعاقد بين الدولة والمؤسسات العمومية وبالتعاضد بين الوسائل البشرية على المستوى الترابي بين موظفي قطاع التربية الوطنية على مستوى الإدارة المركزية أو الأكاديميات الجهوية أو المديريات الإقليمية تحقيقا لأهداف اللاتمركز الإداري وحكامة المؤسسات العمومية كما أقرتها أحكام القانون الإطار المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية رقم 50.21.

سابعا: تشير مقتضيات مرسوم النظام الأساسي في صيغته الجديدة إلى المرسمين والمتمرنين من الأطر الذين تم توظيفهم من طرف الأكاديميات الجهوية كما لو أنه قد تم ترسيمهم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة، وهو أمر يجانب الصواب ويطرح السؤال عن استعمال مفهوم الترسيم من قبل السلطة التنظيمية خارج نطاق الفصل 2 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

ثامنا: يلاحظ أن الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية تشبتت في الصيغة الجديدة من النظام الأساسي بإلزام موظفيها بالتكوين المستمر وتقييم الأداء المهني والقيام بالتزاماتهم المهنية في إشارة إلى ربط التحفيز المهني بالمردودية والخضوع للمحاسبة انسجاما مع ما أقرته مواد الفرع الثاني من ميثاق المرافق العمومية رقم 54.19.

كلمة أخيرة في هذا الموضوع..

لقد أظهرت احتجاجات واضرابات الشغيلة التعليمية حجم الفجوة الشاسعة بينها وبين السلطة الإدارية الوصية على القطاع من جهة وبينها وبين ممثليها النقابيين من جهة أخرى، سواء على مستوى صياغة المطالب وترجمتها لمقتضيات تنظيمية أو على مستوى الرضى بمستوى التفاوض والإقناع. لكن بالرغم من كل ما تحقق وما لم يتحقق، يبدو أن مطلب ترسيم الأطر التي تم توظيفها من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين سيظل معلقا إلى وقت لاحق، والحال أن إصلاحات عميقة تنتظر المؤسسات العمومية تتجه نحو إرساء جيل جديد من الأكاديميات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *