وجهة نظر

الذكاء السياسي والغباء الانتخابي

ملاحظات على هامش تصريح الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية.

في خضم الأحداث المتسارعة التي يعرفها المشهد السياسي المغربي، استطاع ابن مدينة الرباط الصحفي و الدبلوماسي و السياسي الذكي، السيد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية ووزير السكنى و سياسة المدينة، أن يصنع حدثا غير عابر و أن يفتح قناة تواصلية رسمية و مباشرة مع المؤسسة الملكية، قناة قد تثير الكثير من الملاحظات:

1- حول تصريح السيد نبيل بن عبد الله؛

– الرجل ليس صداميا ولا مجابها للمؤسسة الملكية و خرجاته دائما ما اتسمت بنوع من الحيطة والحذر السياسي، و داخلة في النقاش العادي.

– صحيح أن الرجل ذكي سياسيا وواضح اتجاه حزب الهمة، و يجيد تمرير رسائل ليست بالقصيرة، فقد لطخ يده مرات عديدة بدماء الأصالة و المعاصرة مرة باعتباره حزب تحكم و سلطة زائغة و زائفة، ومرة بالتشكيك في كيفية تأسيسه و في مسار تكوينه السياسي و الانتخابي و المؤسساتي، و التذكير برموزه التي لاحت في سماء حركة 20 فبراير حيث رفعت بالمباشر و دون حرج كلمة “ديgاج” لكن نفس الرجل ضعيف انتخابيا و غالبية مرشحي التقدم و الاشتراكية رجعيون أو غير اشتراكيون، فالحلم الانتخابي هو تكوين فريق تقدمي أو الفوز “بصيغة التفويت و التطعيم الرمضاني” ببعض المكاتب الوزارية كمشروع استمرارية.

– حركة 20 فبراير هي حركة احتجاجية عفوية نابعة من الشارع و تعبر عنه، أهم شيئ حققته هو أنها استطاعت و في ظرفية معقدة و متشابكة أن تخلق حوارا مباشرا مع المؤسسة الملكية وأن تتجاوز الأحزاب السياسية التي أحرجت بسؤال النخبة و المسألة الشبابية و استقلالية القرار و مستوى الإنتاج و المنتوج النافع، بل سئلت حول مدى كينونتها و جدية ما تقدمه، حوار المؤسسة و الحركة كلل بالحد الأدنى من التوافق السياسي و الاجتماعي … وهو ما لن يستطيعه حزب كالتقدم و الإشتراكية نظرا لعودة سؤال الشرعية و الديمقراطية الداخلية للحزب وكذا موقف و موقع الأخير في المشهد السياسي بشكل عام.

– حزب التقدم و الاشتراكية حزب شيوعي اشتراكي حداتي و تقدمي… لكن نفسه السياسي و محيطه الأغلبي و نمط تفكيره الحكومي محافظ و غير منسجم مع أيديولوجيته وهو ما يشكل تناقضا صارخا، لعل حصيلته التشريعية تعبر عن ذلك.

– تصريح القائد الأول للحزب في ظرفية انتخابية عادة ما تفسر بالإستمالة السياسية/الإنتخابية، لعله الرأي الصائب، فكل التصريحات و الخرجات و التلويحات تدرج في الركن السياسي و الانتخابي.

– ما يحسب للرجل بدون قصد.

* أنه أحيى المشهد السياسي من نومه، و تجاوز النقاش الحاصل حول التزكيات و اللوائح٠

* تنبيه المجتمع للثنائية القطبية الصورية التي يراد تسويقها بين حزبي الأصالة والمعاصرة و العدالة والتنمية بإيعاز من السلطة الخامسة.

* إحراج بقية الأحزاب خصوصا المتحالفة في الجواب عن السؤال المحرج: منطق البناء الديمقراطي أم منطق الولاء للكراسي ؟
بالنسبة لي إن كان الرجل خاطئا فإني أحب أن يستمر في أخطاءه لكن زمن الأخطاء قد يعصف بالرجل لمذاق الخبز الحافي.

2-حول بلاغ الديوان الملكي:

– البلاغ يتحدث “وزير السكنى و سياسة المدينة، والامين العام للتقدم و الاشتراكية… ” أي أن نفس البلاغ يتحدث عن الصفة التي يحملها السيد نبيل بنعبد الله كفاعل سياسي و مسؤول مؤسساتي، و بالتالي فإن مضمون هذا البلاغ يحدد طبيعة العلاقة ما بين المؤسسة الملكية و الفاعلين في المشهد السياسي بشكل عام.

– في البلاغ تم التذكير بالمقتضيات الدستورية و القانونية التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية و جميع المؤسسات و الهيآت الوطنية بما فيها الأحزاب السياسية، في حين كانت أحزاب الأغلبية الحكومية تقوم بتحييد الدستور و القوانين المعنية و تتنازل عن ما في صالحها لفائدة المؤسسة الملكية طمعا في كسب الرضى أو الحفاظ على مكتسبات خارج النطاق الدستوري و القانوني، و هو تنازل عن تعاقد يحدد الطبيعة العلائقية بين سلطة النظام السياسي و نسقه المؤسساتي و نظامه القانوني و التمكين المواطناتي فيه.

– بلاغ الديوان الملكي في مستهله، استحضر المسؤوليات التي يضطلع بها السيد نبيل بنعبد الله، و في آخره يذكر بأن ” هذه القضية لا تخص إلا صاحب التصريحات، وليست لها أية علاقة بحزب التقدم و الاشتراكية” و هو موقف محرج للسيد نبيل بنعبد الله و لحزبه، لكنه محك حقيقي لاختبار أتباعه داخل الحزب و خارجه.

3- في شأن البلاغ الصحفي للمكتب السياسي لحزب التقدم و الاشتراكية:

– بعدما أصدر الديوان الملكي بلاغا له يوم الثلاثاء 13 شتنبر 2016، قام حزب التقدم و الاشتراكية على عجل بلم أعضاء مكتبه السياسي يوم الأربعاء 14 شتنبر 2016، وذلك من أجل التداول في مضامين البلاغ المذكور، و قد حمل البلاغ الصحفي مجموعة من الكلمات و التعابير المنتقاة بدقة من أجل الخروج من المأزق و تصويب الانحراف دون الاقرار به.
يمكن تقسيم البلاغ الصحفي للحزب إلى ثلاثة مواقف ذكية:

الموقف الأول: التضامن الحزبي.

و هو ما نستشفه من خلال تجميع بعض العبارات الدالة التي تضمنها البلاغ مثلا: الاجماع، المسؤولية، الوضوح، القوة، الثبات، بناء دولة الديمقراطية، الاستقرار، استقلال القرار السياسي، كيان حزبي موحد و متضامن لجنة مركزية و أمانة عامة و مكتبا سياسيا و مجلس رئاسة وتنظيمات قاعدية، يعبر بخصوصها الأمين العام للحزب بصفته ناطقا رسميا له… ، الكلمات و التعابير المفتاحية تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن تصريح السيد نبيل بنعبد الله هو تصريح يعبر عن وحدة موقف الحزب و إرادته السياسية، قيادة و قواعد.
الموقف الثاني: رد الحزب.

البلاغ الصحفي لحزب التقدم و الاشتراكية تضمن موقفا صريحا حول تصريح أمينه العام، واعتبره عاديا في المجتمعات الدمقراطية و يندرج في سياق التنافس الحزبي الطبيعي، و الصراع الفكري، ولم يكن في نية التقدم و الاشتراكية و أمينه العام إقحام المؤسسة الملكية، فهل يعني هذا أن مثل هذه التصريحات سنجد لها مكانا في القاموس السياسي مستقبلا؟ أم أنه يندرج في إطار التعويم السياسي و المألوف غير العادي؟.

الموقف الثالث: في تقدير موقع المؤسسة الملكية.

لم يفت البلاغ الصحفي لحزب التقدم و الاشتراكية التذكير بالموقع الدستوري للمؤسسة الملكية “الساهرة على احترام الدستور و حسن سير مؤسساته و صيانة الاختيار الدمقراطي”، و التي يعتبرها الحزب حكما أسمى و فوق كل الاعتبارات، كما لم يفوته تقدير موقع المؤسسة الملكية و الإعلاء من شأنها، حيث جاء في البلاغ “… الاحترام التام لثوابث الأمة… و على رأسها المؤسسة الملكية.. التي نكن لها التقدير الفائق و الإخلاص الكامل”.

إن المواقف الثلاثة التي تضمنها البلاغ و المثمثلة في قوة الحزب ووحدت صفوفه و مبدأ التضامن الحزبي من جهة، و من جهة أخرى الرد الموضوعي للحزب على بلاغ الديوان الملكي، و من جهة ثالثة التقدير الدستوري و غير الدستوري لموقع المؤسسة الملكية، فإن المواقف الثلاثة تعبر عن حكامة الزمن السياسي، و أن حزب التقدم و الاشتراكية أجاب بالفعل عن السؤال المحرج وواجه التظليل بالتعويم و أنقذ رقبته السياسية في مرحلة تعرف مرور رسائل خشنة و ممارسات تزكي فرضية وجود التحكم بتزكية من الأحزاب السياسية نفسها، فمن قبل التحكم و زكاه يوم جلوسه، يجب أن يقبل به يوم قد يقف متفرجا من بعيد.

ــــــــــــ

باحث في القانون العام والعلوم السياسية