مجتمع

نظام الحراسة الخاص بالصيدليات.. داء آخر يخنق المواطنين لحظة العجز ويفاقم تكلفة العلاج

للصيدليات وقطاع الصيدلة بشكل عام دور هام في المنظومة الصحية، ولهما انعكاس مباشر على صحة المواطن من خلال الأدوار الوقائية والمراقبة القبلية والمشورة التي يقدمها مهنيوه، للحفاظ على سلامة وصحة المواطنين. إلا أن نظام الحراسة التي يدبر بها هذا المرفق يطرح مشاكل للمواطنين المغاربة.

إن نظام الحراسة الذي تعتمده الصيدليات المغربية يجعل هذا المرفق الحيوي بعيدا عن المواطن ولا يخدم سياسة القرب منه، خاصة وأن الحاجة الملحة تكبر لحظة المرض وعسر الحركة وعدم القدرة للقيام برحلة البحث والتنقيب عن الدواء، مما قد يعرض صحة المواطنين للخطر أو تفاقم الحالة ورفع كلفة العلاج من بعد.

لماذا نظام الحراسة؟

يشدد الدكتور الصيدلاني والخبير في السياسيات الدوائية، هشام الخرمودي، على أن الحديث عن نظام الحراسة في الحقل الصيدلاني يحتاج في المقام الأول إلى الإشارة بأن “الدواء منتوج استراتيجي”، ومن هذا المنطلق والحاجة، يجب أن يكون متوفرا بشكل مستمر ودون انقطاع، أي 24/24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع، وبالقرب من الجميع دون حاجة البحث والتنقل بين الصيدليات.

بناء على هذا المعطى، يقول خرمودي إن المشرع المغربي ارتأى أن يكون هناك نظام خاص بالحراسة في مرفق الصيدلة، من أجل ضمان استمرار الدواء وإتاحته للمواطنين في أي وقت وأي ساعة، وخص هيئات الصيادلة بتنظيم أوقات وأيام الحراسة، وهم من يقومون بإعداد البرمجة ويخبرون السلطات المحلية التي تسهر على تنفيذه وتنزيله.

نظام لا يستجيب لتغيرات المجتمع

أكد خرمودي في حديثه لجريدة “العمق” أن هناك عددا من المشاكل التي تعتري نظام الحراسة الخاص بالصيدليات، قائلا: إن الصيدليات تشتغل بنظام قديم، والأكيد أننا لم نبدع ولم نطور ولم نجدد مضامينه ما يمكن معه الاستجابة للخصائص الديموغرافي الحالية التي شهدت تغيرات عميقة.

ويبقى السؤال “الجوهري المطروح”، وفق تعبير الصيدلاني المذكور، ما الغاية من إجبار الصيدليات التي لا تقع عليها إلزامية الحراسة على الإغلاق؟ رغم أن فتح أبوابها يعني استمرار المرفق في تقديم خدمة قريبة للمواطنين دون مشاكل وعناء التنقل والبحث.

وشدد المتحدث، أن نظام الحراسة “قديم ويعرف إشكالات جد متعددة، من أهمها؛ التفاوت بين القرى والمدن والحواضر ما بين الجهات، مشيرا إلى أن مجلس الصيادلة بالشمال، على سبيل المثال، يحدد أوقات العمل الزوالية بين الساعة 16:00 عصرا إلى الساعة 20:30 مساء، وهذا القرار، وفق خرمودي “يمكن أن ينصف صيدلية في الخميسات، لكن هل سينصف صيدلية في الفنيدق؟ على اختلاف الفصول وطبيعة عيش ساكنة كل منطقة رغم أنها تابعة لنفس المجلس.

وبالعودة إلى إلزامية إغلاق الصيدليات إذا لم يكن عليها دور الحراسة، أوضح خرمودي أن ذلك راجع في مرحلة معينة إلى “التوزيع العادل للمداخيل”، وقد استغله بعض “كروش لحرام” المسيرين لمخازن الأدوية (dépôts de nuit) في إنعاش مداخليهم، أما اليوم، وبعد منع العمل بمخازن الأدوية والاحتفاظ فقط بصيدليات الحراسة، فإن الأكيد هو أن المتضرر الوحيد هو المواطن.

خلل من داخل مجلس الصيادلة

هناك إشكاليات أخرى تتعلق بالمجالس المهنية للصيادلة الموكول لها القيام بزجر المخالفين والتنزيل الدقيق والجدي لبرمجة الحراسة، إلا أن هذه المجالس “تعرف حالة من الجمود المستمر الذي يحول دون القيام بأدوارها”.

يضيف خرمودي أن المجالس الجهوية للصيادلة كانت تمنح اختصاص إعداد وتنظيم جداول الحراسة للنقابات، على اعتبار أنها تكون قريبة من الصيدليات، في بعض المدن والبوادي، وهي من يسهل على تنظيم هذا المرفق بهذه المناطق.

واسترسل المتحدث أنه في ظل التعددية النقابية التي يعرفها الحقل للصيدلاني أصبح تنظيمها لإجراءات الحراسة “غير ممكنة ولا يمكن العمل به”، مردفا أن تجويد نظام الحراسة ضروري ويجب الاجتهاد فيه حتى يكون أكثر فعالية وأكثر نجاعة.

هجرة أمراض الأغنياء إلى الفقراء

في إجابته سؤال جريدة “العمق” حول الأدوار المنوطة بالصيدلي والصيدلية داخل المغرب، أشار الدكتور الصيدلاني هشام خرمودي، أن مدخله الأساسي هو “الأمر الملكي بالإصلاح الشامل للمنظومة الصحية”، مشيرا إلى أن بين أهم المشاكل التي يواجهها النظام الصحي الحالي هو “التغيرات الديموغرافية”.

وأوضح خرمودي كلامه بالقول إن مجموعة من الأمراض التي كانت تخص الفئات الغنية هاجرت إلى الطبقات الفقيرة، وأدت إلى ظهور خريطة مرضية جد معقدة، علاوة على المتغيرات الديموغرافية التي نشهدها في المجتمع المغربي.

مجتمع يشيخ

أشار كذلك خرمودي إلى أن نسبة الولادات انخفضت في المغرب إلى 2,4 إلى حدود 2018، في الوقت الذي كانت تصل 7,5 في 1962، وأن هذا الانخفاض يعني أننا في “مجتمع يشيخ”.

وزاد المتحدث أن وصول المجتمع إلى مرحلة الشيخوخة يحيل مباشرة إلى التفكير في التكلفة المرضية على النظام الصحي، والجواب هنا يشير إلى “الأدوار الوقائية المهمة جدا لمختلف الفاعلين في القطاع الصحي.

تقليل التكلفة المرضية

وبالإضافة إلى الأدوار التي يقومون بها، دعا خرمودي إلى دمج الصيادلة والصيدليات في النظام الوقائي حتى يكون ذا فعالية، خاصة في سياق الاجتهادات الحالية ضمن الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية.

وقال إن الحاجة اليوم ملحة لبذل مجهودات كبيرة أولها تبدأ بتجاوز حالة الجمود وتنظيم انتخابات الهيئات حتى نكون أمام مخاطب واحد ومسؤول واحد، إضافة إلى القيام بالتكوين المستمر للصيادلة، لما من شأنه أن يجعلهم فاعلين في النظام الصحي الجديد، ويخول لهم تأدية أدوار وقائية تساهم في تقليل التكلفة المرضية.

وأضاف أن الصحة تقع على عتبتين، الأولى تعنى بالتطبيب والعلاج والثانية بالوقاية، هذه الأخيرة يمكن أن تخفف عليها ضغط العلاج، سيما ونحن مقبلين على التغطية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية.

طرح الموضوع أمام البرلمان

النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف الزعيم، الحزب العضو في الحكومة، قال إن الصيدليات دورا حاسما في تحسين الرعاية الصحية وصحة المجتمع بشكل عام، وهي عنصر أساسي في النظام الصحي وتعد أماكن حيوية في خدمة المجتمع.

يضيف الزعيم القول، في سؤال كتابي، تقدم به لوزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، أن الناس يعتمدون على توفر الأدوية والمشورة الصيدلانية للحفاظ على صحتهم وسلامتهم. لهذا السبب، يشدد الزعيم على أن يجب يكون الحضور الفعلي للصيدلي في الصيدلية طوال أيام الأسبوع أمرا ضروريا لضمان استجابة سريعة لاحتياجات المواطنين وضمان استمرارية تقديم الخدمات، لأن المواطنين لأنهم لا يعانون من مشكلات صحية في أوقات محددة فقط، وقد يحتاجون إلى الأدوية والمشورة الطبية في أي وقت من اليوم أو الليل.

وإذا لم يتم ضمان وجود الصيدلي في الصيدلية في الأوقات المناسبة، فإن هذا وفق سؤال الزعيم، يعرض حياة الناس للخطر، ويؤدي إلى تأخير في العلاج وتفاقم المشكلات الصحية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *