مع

حماد القباح

تلقى حماد القباح السلفي الذي قرر الترشح للانتخابات في صفوف حزب ذي مرجعية إسلامية معتدل، هدية ثمينة ما كان ليحلم بها عندما رفض والي جهة مراكش طلب ترشحه باسم حزب العدالة والتنمية، بدعوى أن “أن المعني بالأمر عبر في مناسبات علنية عن مواقف مناهضة للمبادئ الأساسية للديمقراطية، التي يقرها دستور المملكة، من خلال إشاعة أفكار متطرفة تحرض على التمييز والكراهية وبث الحقد والتفرقة والعنف في أوساط مكونات المجتمع المغربي”.

فهذا الرفض شكل للقباج فرصة من أجل يحظى بتعاطف شعبي من كل الأطياف بالمغرب، سواء اليسارية أو الليبرالية أو حتى المناهضة لترشح سلفي للبرلمان، بدعوى أنه يشكل خطرا على الديموقراطية، حيث رأت هذه الفئة أن قرار منع مواطن من الترشح هو قرار غير ديوقراطي وخطير ويمكن أن يكون ضحيته مواطنون آخرون بتبريرات أخرى مخالفة للقانون ومبادئ الدستور.

لقد أثبت تصرف والي مراكش اتجاه القباج أن “دولة المخزن” هي من تدفع الناس دفعا نحو التطرف، فعوض محاورة الذين يحملون أفكارا “غير ديموقراطية” عن جهل وسذاجة أو إصرار وترصد تلجأ إلى القوة والمنع والتضييق وهو ما يجعل من الأفكار التي يؤمن بها هؤلاء تحظى بحاضنة واسعة النطاق في صفوف الشعب، وهو ما يجعل عددا منها يكون وقودا لحطب “داعش” وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي تتغذى على هكذا مواطنين سُدت جميع الأبواب في وجودهم.

فعوض أن تشجع السلطات مثل القباج وغيره من الذين كانوا يحملون أفكار تناهض الدولة المدنية أو حتى الدينية السمحة، تلجأ إلى عكس ذلك، وهو شيء خطير يضع مستقبل الدولة على كف عفريت، فالسماح للمواطنين بممارسة حقوقهم السياسية يساهم بشكل كبير في تنمية المجتمع وتطوره ولا ينبغي أن يكون منة أو ابتزازا لهم، حيث تترك السلطة سلفيين يترشحون باسم أحزاب أخرى بينما تمنع سلفيا من الترشح باسم حزب يؤمن بدولة المؤسسات و”الإصلاح من الداخل”، وهو ما سيجعلها تفقد عنصرين أساسيين في المجمتع، الأول معتدل قد يتجه نحو التطرف بسبب الظلم الذي يلحقه كل حين والآخر هو أصلا إلى التطرف أقرب ولن يكون منعه إلا سببا في زيادة تطرفه. فـ “القيامة” التي تحدث عنها الملك في خطابه الأخير لعيد العرش حينما تحدث عن تصرفات بعض الساسيين مع قرب الانتخابات، ثبت أن من يمارسها هو وزارة الداخلية غير المنتخبة، خدمة لحزب معين ولد وفي فمه ملعقة السلطة، وتقوم هذه الأخيرة ببذلها كل السبل من أجل التمكين لابنها المدلل من الحفاظ على أكسجين تواجده، حتى لو كان ذلك على حساب القانون ومبادئ الدستور، إذ لو ترشح “القباج” باسم “حزب الداخلية” لأضحى مثار الإعجاب والتبجيل والترحاب، وهي استنتاجات لا تحتاج إلى أدلة لإثباتها ما دامت النتائج خير دليل على ذلك.

 وفي مقابل ذلك، فإن الطريقة التي تعامل بها “القباج” مع قرار منعه تطرح أكثر من تساؤل عن عقلية الرجل وكيف يفكر وما هدفه من الترشح للبرلمان،  حيث اعتبر في رسالته أن موضوع البرلمان بالنسبة إليه هو وسيلة وليس غاية، كما اعتبر أن عدم لجوءه للقضاء أولا نابع من معرفته أن من أوحو للوالي بتلك الاتهامات سينقلونها للقاضي أيضا في بلاد ما يزال استقلال القضاء فيها موضع تساؤل.