وجهة نظر

القيامة الانتخابية: حشر الناس في قمقم الخوف والتخويف

يتابع الفضلاء يسارا ويمينا ومستقلين فصلا من فصول المعركة الديمقراطية في المغرب، ويعلنون عبر حواراتهم أو بياناتهم أو تدويناتهم أنهم لا يريدون بديلا عن مغرب المؤسسات واحترام الديمقراطية التي يستحقها أبناء هذا الشعب الكريم.
ماذا يقع في المغرب؟

منذ عدة أشهر تقريبا والجميع قابض على صدره وقلبه من خلال مشاهد القيامة الانتخابية التي أنكر فيها الانسان أخاه الانسان. وبعض الناس فقدوا عقولهم كأنهم سكارى من قيامتهم الانتخابية، لا يلوي أحدهم على شيء من الفضيلة والعقل يتمسك بهما، أو يتمسك بحق الغير ويعترف له به ولا يتطاول عليه.

مرت على المغرب لحظات عصيبة منذ انطلاق الربيع العربي، وتحمل المخلصون مسؤوليتهم في تهدئة الأوطان، ولم نعش هذه الحوالك التي أخافتنا اليوم مع هؤلاء الذين لا يريدون للمغرب أن يكون استثناء ونموذجا للعالم كله.

وأظهرت هذه الرعونات التي لا يقبلها الفضلاء أن هؤلاء الهاربون زمن الربيع العربي عادوا باستعداد شرس للأسوأ إن لم يكونوا هم المختارون ومهديو الناس المنتظرين.

تصارع الأحزاب:

أن تتصارع الأحزاب شيء نفهمه ونقبل به، ونعتبره إيجابيا لصالح الشعب ومصلحة الوطن، في أن يتنافس هؤلاء على خدمتهم واستفراغ وسعهم في إبداع جميل الأعمال التي يستحقها المغرب كبلد له تاريخ ورجال وحضارة.

ويسعى العقلاء وسط هذا الصراع الحزبي على تلطيف حدته حتى يبقى في حدوده المعقولة، ويتصرف الفاعلون السياسيون وأمام أعينهم خطوطا حمراء لا يتجاوزونها للبغي على بعضهم البعض.

الدولة المحايدة:

ولكن أن تتدخل الدولة بفجاجة فهذا هو المنكر الذي وجب علينا أن نعبر بالوضوح أننا له رافضون. وهي التي وجب عليها أن تكون حكما عادلا على مسافة واحدة من الجميع في إشرافها على الاستشارة الشعبية. ولكن المظاهر التي ترافق القيامة الانتخابية وما ترشح به المنابر الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة كلها تشير إلى التحيز بسفور.

ما الذي وقع؟

أفقدت القيامة الانتخابية العقول تعقلها خوفا لا مبرر له بعد مضي خمس سنوات من تجربة حكومية ظهر أن الأحزاب جميعها يمكن أن تتعايش معها، ويمكنها أن تظفر بالفوز عليها إذا هي رتبت أوراقها لمرحلة أو مرحلتين، وبحثت عن الأجود من أبناء ونساء بلادنا، لتتنافس بشرف على الخدمة والإصلاح، وتطوي صفحة قديمة انتفض الشباب في سنة الربيع العربي ضد الفساد والإفساد ورموزهم.
مؤشرات القيامة الانتخابية:

ومن خلال استعراض مؤشرات القيامة الانتخابية يظهر بكل وضوح بلطجة غير معهودة في المغرب الحبيب، منها:

• إصدار بلاغ في حق أمين عام لحزب سياسي تاريخي، انتقد فيه حزبا آخر ومؤسسيه. وكأن القداسة التي تخلى ملك البلاد عنها طوعا في تناغم مع شعبه، أرادها البعض لنفسه. مما أحوج الحزب إلى رد قال في مقدمة بلاغه إنه سيتكلم بكل وضوح وقوة وصراحة.

• إرهاب مرشحين بثنيهم عن الترشح مع حزب قاد الحكومة وله فيها نصيب من الإيجابيات، كما له الكثير مما يمكن انتقاده عليه.

• تخويف مرشحين والضغط عليهم بعد خروج أسمائهم في لوائح الترشيحات الحزبية. وكأنهم هم المعادلة الأساسية في هذا البلد المليء بطاقات أبنائه.

• منع الجماعات الحضرية والقروية لحزب معين من القيام بخدماته التي نص القانون عليها. وترشح وفاز للقيام بها.

• منع الناس من الإحسان المجتمعي الذي اعتادوا القيام به منذ أزمنة عديدة. وهم أفراد مسجلون عند هذه الجمعيات منذ سنوات، ويتلقون الرعاية منها، بكفالة أيتامها والمعوزين والمطلقات… وغيرهم من أهل الفقر والحاجة.

فلا المانعون الإحسان قاموا به، ولا هم تركوا من يعمله.

قالوا: إنه إحسان سيوظف انتخابيا.

يا هؤلاء وزعوا على المحتاجين ما يحتاجونه، ووظفوا كما تشاؤون ذلك انتخابيا أو غير انتخابي.

وما هو دور الانتخابات في كل دول العالم؟

إلا أن يتنافس المتنافسون في جودة الخدمات للشعب بمختلف أطيافه.

• منع مرشح سلفي معروف بسلفيته الوطنية وإسهاماته عبر ربوع الوطن، وهو الشيخ حماد القباج بتهمة هي إلى الهزل أقرب منها إلى الجد. قالوا: إن المنع سببه أفكار غير محمودة عند أهل الوقت.

ومتى طلب منكم الترخيص لمن تعجبكم أفكاره أو لا تعجبكم؟

إن القانون الذي ندافع عنه ويجب تطبيقه على الجميع بسواسية، هو: أن الداخلية جهة تنفيذية لا قضائية، عليها أن تتحقق من وجود الوثائق المطلوبة في ملف الترشيح، والمنع تقوم به هيئات الاختصاص القضائية. وإذا أحست جهة ما أنها متضررة من هذا الترشح فلترفع أمرها إلى القضاء ليرفعه عنها. بل وعلى المرشحين المنافسين له إذا ظهر لهم خرق من طرف مرشح آخر أن يتقدموا ـ كما يكلفه القانون لهم ـ بالطعن فيه. وعلى المؤسسات المختصة أن تقوم بواجبها كما هي عادتها دائما.

لكن أن تتحول الداخلية إلى طرف تزعج بعض الأحزاب والأفراد في تحيز مكشوف، وتتولى ما عجزت عنه بعض الهيئات الحزبية، فتلكم هي القيامة الانتخابية التي تحدث عنها ملك البلاد.

ألا يسر البلد أن يندمج السلفيون المغاربة في مؤسسات بلدهم، وينخرطوا في مسيرة الإصلاح، وينصاعوا لقواعد الديمقراطية التي كافح من أجلها الأحرار وضحوا بغالي أرواحهم في سبيل توطينها. أم أن الاستبداد أراد أن يدفع بهم إلى ظلمات العمل الذي لا ندري ماذا سيكون من حصاده.

• مسيرة موجهة ضد حزب العدالة والتنمية، وسلاطة في الشعارات وفي رئيس حكومة بلدنا كما هو منشور في الوصلات التي نقلتها مواقع إعلامية متعددة.

• إعلان وزير العدل والحريات وهو عضو أساسي في اللجنة الانتخابية الساهرة على حسن سير الانتخابات، وأنه غير معني بأي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف. وأنه غير مسؤول عنه.

لغرض من هذه القيامة الانتخابية؟

كل هذا الإرباك والتخويف من أجل أن يتقدم حزب على جميع الأحزاب. أفبمثل هذا النموذج الحزبي الذي يوزع الخوف الآن، ستضمنون حب المغاربة له، وتعاطفهم معه وتصويتهم عليه.

إن هذا التخويف منكم يدفعني إن كنت لا أصوت أن أتقدم لكي أصوت على حزب العدالة والتنمية أوعلى أي حزب من الأحزاب الوطنية إلا الحزب الذي يوزع علينا الخوف اليوم، وتساندونه باستخفاف.