مجتمع

مع تنزيل القانون الإطار للمنظومة الصحية..هل يتكرر سيناريو التعليم في قطاع الصحة؟

يبدو أن ملف متعاقدي التعليم لن يكون آخر عقبة أمام الحكومة، فمباشرة بعد الطي النهائي لملف التعاقد في التعليم وإدماج المعنيين بهذا في النظام الأساسي الجديد ومنحهم صفة موظف عمومي، تعالت أصوات أطر قطاع الصحة بضرورة الحفاظ على مكتسبات الوظيفة العمومية بما فيها صفة موظف عمومي تابع لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية.

وظهرت هذه الأصوات بعد شروع الوزارة في تنزيل مقتضيات القانون الاطار 22-06 الخاص بالمنظومة الصحية، وعلى رأسها قانون 22-09 و 22-08 الأول متعلق بالوظيفة الصحية والثاني متعلق بالمجموعات الصحية الترابية، فهل سيعيد أطر الصحة سيناريو رجال ونساء التعليم؟.

ضبابية ستفشل الإصلاح

بشهد قطاع الصحة غليانا غير مسبوق بفعل الضبابية والجدل الذي خلقه تنزيل بعض مقتضيات القانون الاطار 22-06 الخاص بالمنظومة الصحية. من قبيل قانون 22-09 و 22-08، إذ يتعلق الأول بالوظيفة الصحية والثاني متعلق بالمجموعات الصحية الترابية، يقول الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، مصطفى جعى.

وأضاف المسؤول النقابي ذاته في تصريح لجريدة “العمق” أن قانون الوظيفة الصحية 22-09  بموجبه وفي إطار قانون خلق وظيفة صحية بعيدا عن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لـ1958، وذلك بتغيير المادة 4 منه واستثناء مهني الصحة على غرار القضاة والعسكريين ومتصرفي وزارة الداخلية.

وأشار جعى إلى أنه في انتظار صدور المراسيم والنصوص التطبيقية لكلا القانونين ارتفعت حدة النقاش وعم جو من التخوف سيؤثر سلبا على جو الثقة وعلى الاستقرار المهني. خاصة ما يتعلق بالمادة 16 من القانون 22-08 والتي سيتم بموجبها النقل التلقائي لجميع مهنيي الصحة من الوزارة الوصية كإدارة عمومية إلى المجموعات الصحية الترابية باعتبارها مؤسسات عمومية عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري.

وزاد المتحدث أن هذا يطرح عدة علامات استفهام حول المصير المستقبلي لمهنيي الصحة في ضل هذه المجموعات الصحية، خاصة أن التخوف الأكبر هو لجوء هذه المؤسسات لنهج التعاقد كما وقع لأطر الاكاديميات في قطاع التعليم وهو ما يخلق وضعا وظيفيا هشا يكون الحطب للاحتقان وإفشال أي إصلاح كما وقع في قطاع التعليم.

وما يبرر هذا التخوف، يضيف المتحدث، هو تنصيص المادة 19 من قانون الوظيفة الصحية على التوظيف في إطار التعاقد، إذ جاء فيها: ” يمكن، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك، اللجوء إلى التشغيل بموجب عقود، لمدة محددة قابلة للتجديد. يتم هذا التشغيل عن طريق فتح باب الترشيح، ويمكن أن يؤدي إلى ترسيم المتعاقد. وتحدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود وكذا الترسيم بنص تنظيمي يحدد كذلك فئات مهنيي الصحة المعنية. وتحتسب المدة المقضية كمتعاقد ألجل الترقي والتقاعد، في حالة الترسيم”.

وأشار مصطفى جعى إلى أن هذه المادة تظهر أن سيناريو التعليم سيتكرر في الصحة وسيؤدي إلا خلق هشاشة وظيفية لاتخدم القطاع في ظل النقص الحاد في الموارد البشرية وارتفاع منسوب الهجرة لدى الأطباء والممرضين بسبب ضعف جاذبية القطاع وضعف التحفيز رغم التنصيص في القانون الاطار على أن من بين ركائز المنظومة الأربعة. ركيزة تحفيز المهنيين. لكن يظهر أنه في أول مرحلة للتنزيل بدأت تظهر الأخطاء والتي سيكون لها نتائج عكسية على المنظومة الصحية بالمغرب، وفق تعبير المصدر.

خطوات تكرس عدم الثقة

وحول الموضوع ذاته، أشار نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة (ا م ش)، رحال لحسيني، إلى أن قطاع الصحة ببلادنا لا يبشر بالخير ويتجه نحو المجهول، خصوصا بعد الصمت المريب لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية والحكومة بعد جولات من الحوار الاجتماعي أسفرت عن توقيع محضر اتفاق مبدئي عام أولي يوم 29 دجنبر 2023 والذي تم التراجع عن بعض أبرز مضامينه في الاجتماعات الموالية له، والتي أسفرت عن توقيع محضر اجتماع يضم عدد من المكتسبات بتاريخ 26 فبراير 2024 والذي كان الاتحاد المغربي للشغل آخر من وقع عليه بعد تجويد مضامينه نسبيا، فيما بقيت بعض النقط الخلافية اتفق الطرفان على رفعها إلى رئاسة الحكومة.

وأضاف لحسيني أن الجامعة الوطنية للصحة للاتحاد المغربي للشغل قامت بتوجيه مراسلة إلى رئيس الحكومة في شأن هذه النقط الخلافية، وكنا ننتظر حلها باعتبارها تتضمن عددا من النقط الجوهرية ذات الأثر المالي. إلا أنه وللاسف لم تبادر وزارة الصحة والحكومة لإتمام الاتفاق وما رافق ذلك من مغالطات تتحدث عن زيادة عامة في أجور موظفي قطاع الصحة في حين أن الأمر يتعلق فقط بتعويضات لبعض الفئات الصحية في الأخطار المهنية. وأن الزيادة في العامة في أجور نساء ورجال الصحة المشار إليها في الاتفاق لم يتم الالتزام بها ولم يخصص لها ولو درهم رمزي من طرف الوزارة والحكومة إلى الآن.

وفي مقابل ذلك، تم اتخاذ عدد من الخطوات الخطيرة التي تمس بالوضع القانوني لموظفي القطاع ومصيرهم المهني والاجتماعي والنفسي أيضا من خلال إخراجهم من النظام الاساسي للوظيفة العمومية ونقلهم التلقائي إلى نظام المجموعات الترابية الصحية (مؤسسات عمومية جهوية) وغيرها من الوكالات المحدثة، باستثناء موظفي الإدارة المركزية للوزارة، وذلك دون استشارة نساء ورجال الصحة العاملين في كافة الجهات والوكالات أو إعطائهم الحق في الاختيار بين نقلهم التام أو إلحاقهم بالمؤسسات المحدثة أو وضعهم رهن إشارة إلى هذه المؤسسات الصحية غامضة الأفق والمصير، على حد ما جاء في تصرح لحسيني.

وقال النقابي ذاته إن هذا الأمر أصبح جوهر الاحتجاج، نظرا لعدم الثقة التي يتم تكريسها بشكل غريب بين موظفي القطاع ووزارتهم، فضلا على أن مثل هذه التحولات التي حدث مثلها في قطاعات اخرى كانت تتم باستشارة مع المعنيين بالأمر الذين لهم الحق في القبول او عدم القبول والاستمرار في الوضع المهني السابق عند الافتضاء.

وتابع: “نعتقد أن هذه الأزمة التي وضع فيها المسؤولون قطاع الصحة لايمكن أن تنتج إلا المزيد من الاحتقان والإضرابات المتتالية الوطنية والجهوية أيضا، والموحدة والمتفاوتة في عدد الأيام وفي التواريخ، ناهيك عن احتجاجات حمل الشارة، والوقفات الاحتجاجية المتواصلة المركزية والمتفرقة في الجهات والأقاليم”.

وختم لحسيني تصريحه بالقول: “رغم كل هذا الاحتقان المتنامي لا وجود لأي تدخل وزاري أو حكومي لفتح حوار جدي عقلاني ومناسب، أو مواصلة الحوار السابق أو اتخاذ أية مبادرات لإعادة الاطمئنان لموظفي القطاع على مصيرهم الوظيفي، وذلك ما يؤدي إلى المزيد من الاحتجاجات التي يعرفها القطاع”.

الوزارة تقول

وكان وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، قد أوضح أن القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية يشكل تنزيلا للتوجيهات الملكية الداعية إلى إعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الصحية، كما يعتبر تجسيدا لما نص عليه القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية.

وأضاف المسؤول الحكومي أن الغايات المتوخى تحقيقها بموجب هذا النص ستشكل، متى تم الإسراع في مواكبتها من خلال النصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقها، إطارا متكاملا وفعالا لتحقيق الإصلاح المنشود للمنظومة الصحية الوطنية بما يضمن الاعتناء بصحة المواطنات والمواطنين والرفع من مستوى نظام الر عاية الصحية، ويسهم، بالتالي، في جعل الصحة رافعة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وركيزة أساسية في إنجاح ورش الحماية الاجتماعية.

ويعد الإصلاح العميق للمنظومة الصحية بالمغرب ضرورة ملحة وأولوية وطنية ضمن أولويات السياسة العامة للدولة الرامية إلى تثمين الرأسمال البشري، والاعتناء بصحة المواطنين كشرط أساسي وجوهري لنجاح النموذج التنموي المنشود، بحسب ما ورد في ديباجة المشروع.

وتابع المصدر ذاته أن الدولة تعمل، من أجل تحقيق هذا الغرض، على تيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى الخدمات الصحية وتحسين جودتها، وضمان توزيع متكافئ ومنصف لعرض العلاجات على مجموع التراب الوطني.

كما تعمل على التوطين الترابي للعرض الصحي بالقطاع العام وتحسين حكامته من خلال إحداث مجموعات صحية ترابية، وضمان سيادة دوائية وتوافر الأدوية والمنتجات الصحية وسلامتها وجودتها، يضيف المصدر ذاته.

ونص مشروع القانون على تثمين الموارد البشرية العاملة في قطاع الصحة وتأهيلها عبر إرساء وظيفة صحية تراعي خصوصيات الوظائف والمهن بالقطاع، وتفعيل آليات الشراكة والتعاون والتكامل بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع البحث العلمي والابتكار في المجال الصحي.

كما  نص على ضرورة اتخاذ الدولة التدابير الضرورية لتفعيل التزاماتها في مجال الصحة، ولاسيما تلك المتعلقة بإعلام الساكنة بالمخاطر الصحية وبالسلوكيات والتدابير الاحتياطية التي يتعين اتباعها للوقاية منها، والحماية الصحية والولوج إلى الخدمات الصحية الملائمة المتوفرة، وكذا ضمان حماية السلامة الجسدية والمعنوية للأشخاص، واحترام حق المريض في الحصول على المعلومة المتعلقة بمرضه.

ويلزم المشروع الدولة بمكافحة كل أشكال التمييز أو الوصم التي يمكن أن يتعرض لها شخص بسبب مرضه أو إعاقته أو خصائصه الجينية، وذلك بمساهمة المنظمات المهنية والجمعيات النشطة في المجال الصحي. كما يلزمها بالسهر على وضع سياسة دوائية تهدف إلى ضمان وفرة الدواء وتحسين جودته وتخفيض ثمنه، وتوفير المواد والمستلزمات الطبية اللازمة لحفظ صحة الأشخاص وضمان سلامتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *