المغرب العميق، مجتمع

درعة تافيلالت .. توالي الحرائق يختبر “جدية” برامج حماية واحات النخيل

بعد ثلاثة أشهر فقط من استقبال العام الجديد، عادت مشكلة الحرائق التي تندلع كل سنة في واحات درعة تافيلالت إلى الواجهة، والتي تسببت في إتلاف مساحات واسعة من الأشجار المثمرة، وخاصة أشجار النخيل الأكثر تضررا من هذه الحوادث، باعتبارها مكونا أساسيا لاقتصاد الجهة، مما يطرح تخوفات في صفوف فاعلين مدنيين بشأن تكررها في فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة لمستويات قياسية.

وبالفعل فقد شهدت واحة “أولا شاكر” بجماعة أوفوس بإقليم الرشيدية في السنة الجديدة أول هذه الحرائق، والذي ما زالت حيثيات وأسباب اندلاعه مجهولة لحد كتابة هذه الأسطر. هذا الأمر جعل أصوات العديد من الفعاليات المدنية والجمعوية المهتمة بالمجال الفلاحي والواحات، ترتفع من أجل التنديد بعدم فعالية الإجراءات التي تتخذها السلطات المختصة لحماية واحات درعة تافيلالت من آفة الحرائق التي تخرب نظامها الإيكولوجي. وتطالب السلطات المختصة بإقرار خطط وبرامج ناجعة للقطع مع مسببات الحرائق عوض التركيز على تطوير آليات التدخل لإخمادها.

حرائق متتالية وأسباب مجهولة

يؤكد محمد رحماوي، الناشط السياسي والمدني والمنسق الجهوي لحركة شباب التغيير “دراتافيلالت” أن أسباب اندلاع حريق أولاد شاكر غير معروفة، متحدثا عن ظروفه قائلا في تصريح لجريدة العمق: “بدأ الحريق تقريبا مع 9 صباحا وكان صغيرا ومرصودا، وتطور حتى امتد إلى غابة إزولاين ومنطقة ولاد شاكر”.

ويضيف المتحدث ذاته “حسب الساكنة الموجودة في عين المكان فإن السلطات لم تبدأ تدخلاتها إلى حوالي الساعة 11، وفي الواحدة زوالا تطور الحريق بسبب سرعة الرياح والغريب أن درجة الحرارة كانت معتدلة بين 26 و28 درجة ولم تكن الرياح قوية”.

وإذ ظلت ملابسات الحريق المهول الذي اندلع بواحة أولاد شاكر بجماعة أوفوس في العشرين من الشهر الجاري غير معروفة، دعا الناشط السياسي والمدني، محمد رحماوي، السلطات المعنية إلى نشر حيثيات هذه الحادثة، موردا للعمق: “للأسف الشديد منذ 2015 والحرائق تتواتر على واحة زيز بمنطقة أوفوس بكاملها، والسلطات المختصة لم يسبق لها أن نشرت تقريرا أو محاضر البحث الذي قامت به حول أسباب الحريق، وإن كانت بشرية فإنه لم يعتقل أحد أو يقدم إلى المحاكمة”.

الحرارة سبب غير مقنع

وينفي محمد رحماوي، الناشط السياسي والمدني والمنسق الجهوي لحركة شباب التغيير دراتافيلالت احتمال كون ارتفاع درجات الحرارة هي العامل المسبب في نشوب حريق واحة أولاد شاكر وغابة “إزولاين” بقوله: “تقوم السلطات بتعداد أسباب الحريق للساكنة بأنها هي الحرارة والرياح، وأؤكد أن الحرارة لم تكن في ذلك اليوم، وأن الرياح لم تكن قوية وأسباب الحريق لم يتم التوصل إليها لحد الآن”. وفي هذا السياق ينتقد محمد رحماوي غياب التواصل بين السلطات والساكنة والمجتمع المدني المهتم فيما يتعلق بحوادث الحرائق التي تشهدها واحة أوفوس.

وبدوره، شدد محمد لمين لبيض، الفاعل الجمعوي والحقوقي بإقليم زاكورة، على أن الحرارة ليست السبب الرئيسي لاندلاع حرائق الواحات بدرعة تافيلالت لكون المنطقة معروفة بالحرارة، وأن “موت النخيل بالجملة وتراكم الجريد والأعشاش اليابسة، وعدم نقلها أو استغلالها أو تحويلها لمنتوجات من جهة، وتوالي سنوات الجفاف وندرة المياه التي لم تعد متوفرة حتى لإطفاء الحرائق هي السبب”.

أضرار كارثية وساكنة مكلومة

وخلف الحريق الذي عصف بواحة أولاد شاكر الواقعة بالجماعة الترابية أوفوس بالرشيدية أضرارا جسيمة على مستوى العديد من الأشجار المثمرة بالمنطقة، خاصة أشجار النخيل، ويعددها محمد رحماوي، المنسق الجهوي لحركة شباب التغيير دراتافيلالت بقوله: “أضرار الحريق تقدر بأزيد من 900 نخلة والمئات من أشجار الرمان واللوز والعنب والسفرجل والتين، والمنطقة التي احترقت كانت معروفة بأشجار التين والخوخ والمشماش، والأضرار كانت كارثية لأنها أتت في موسم تلقيح النخيل استعدادا لموسم جني التمور”.

وما يعمق حجم الأضرار التي ألحقتها النيران بالواحة، حسب المتحدث ذاته، هو تضرر القدرة المعيشية لساكنة الواحة لكون أزيد من 97 من ساكنة أوفوس تعتمد في معيشها على إنتاج التمور والزيتون. ويؤكد محمد رحماوي “بسبب تواتر الحرائق منذ 2015، تقلصت القدرة الإنتاجية لأوفوس من التمور إلى أزيد من 60%، لأن منطقة واحدة لا تتجاوز مساحتها 2 كلم2 أتى الحريق فيها على ما يقارب 1000 نخلة”.

وينضاف إلى أضرار الحريق، شدة موسم الجفاف الذي تشهده المنطقة بسبب ضعف منسوب مياه السقي التي تقلص احتمالية عودة أشجار النخيل التالفة إلى الحياة حسب ما صرح به المتحدث نفسه للعمق المغربي قائلا: “موسم الجفاف يدفع بالسلطة المدبرة لسد الحسن الداخل تتردد في إطلاق مياه السد ليروي الناس حقولهم لتنتعش، وإن لم تهطل الأمطار فإن حوالي 50% من النخيل سوف يموت، وهو ما يمس بشكل مباشر القدرة الشرائية للساكنة”.

برامج تفتقر للنجاعة

أورد الناشط المدني والسياسي عينه، أن المجتمع المدني منذ بداية حريق أولاد شاكر، كان ينادي السلطات المعنية بوجوب محاربة أسباب الحريق لا الحريق نفسه، وأن الأموال المرصودة للبرامج والمشاريع الموجهة للنهوض بواحة أوفوس بإقليم الرشيدية لم تعالج الإشكالات الحقيقية التي تتخبط فيها الواحة، ذلك أنه: “منذ آخر زيارة المغفور له الحسن الثاني للمنطقة، أعطى تعليماته من أجل هيكلة وتنظيم وتنقية واحة زيز بكاملها، ولو أن تلك الأموال رصدت فعلا لهذا البرنامج الملكي ستكون للواحة مقومات ذاتية وإيكولوجية لمقاومة مسببات الحريق”.

وفيما يخص أموال البرامج الموجهة لتنقية الأعشاش وتهيئة الواحة التي تشرف عليها “الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات” وشجر الأركان، شدد محمد رحماوي على أنها تفتقد للفعالية والنجاعة في تطويق مشاكل الواحة، قائلا: “أرى أن لوندزوا لم تقم بأي برنامج فعال يلامس الإكراهات الحقيقية التي يعيشها الفلاح الصغير، لأن تكلفة تنقية نخلة واحدة تتجاوز تكلفة إنتاج تلك التمرة بنفسها إذا تم تقسيمها لمدة عام”.

وتعد هجرة الساكنة للواحة والجفاف الذي تعرفه المنطقة في السنوات الأخيرة، إلى جانب حوادث الحرائق المتوالية، من العوامل التي تزيد من جعل واحة أوفوس تعاني الأمرين؛ ويعدد المتحدث نفسه لجلريدة العمق هذه الأسباب، ويستهلها بـ “تواتر فترات الجفاف ونزول الفرشة المائية إلى ما يزيد عن 60 مترا تحت الأرض، وعدم انتظام طلقات مياه السقي في سد الحسن الداخل بشكل موسمي بما يضمن الري الموسمي والمنتظم للواحة”. إضافة إلى أن “هجرة الساكنة من واحة أوفوس جعلت الحقول تعيش فترة مظلمة، وتتراكم مخلفات الأشجار مما يسهل انتشار واتساع الحريق وشدته”.

ومن جهته أورد محمد لمين لبيض، الفاعل الجمعوي والحقوقي بإقليم زاكورة، في تصريح للعمق المغربي، أنه “لحدود الساعة الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية وخصوصا وزارة الفلاحة جد رديئة وكلاسيكية، لكون هذه الأخيرة لم تفكر في حلول بديلة من أجل إعادة إحياء وتشبيب واحة درعة، وإيجاد حلول بديلة كمعامل لاستغلال النخيل الميت والأعشاش اليابسة، وتحويلها لمنتوجات كالخشب والسماد”.

وفي ارتباط بالتحديات التي تواجهها الواحات المهددة بالحرائق بإقليم زاكورة، أشار الفاعل الجمعوي ذاته إلى إلى أن أبرز هذه الصعوبات هو “غياب دور وزارة الفلاحة وعدم تتبعها وتدخلها من أجل إحياء ما تبقى من الواحة، والمساهمة في إبقاء أبناء المنطقة بتمويل مشاريع تلامس المعيشة الفلاحية ومدرة للدخل عوض دعم الضيعات النموذجية خارج الواحة”.

وعن التزام السلطات المحلية والأمنية بإقليم زاكورة على تنزيل المقاربة الزجرية ضد مخالفي القرارات العاملية، بشأن تفادي أسباب الحرائق للتقليص من احتمالات اندلاع الحرائق بواحات هذا الإقليم، يؤكد محمد لمين لبيض، الفاعل الجمعوي والحقوقي، أن “الساكنة لم تستفيد قط من صندوق الكوارث الطبيعية خصوصا إقليم زاكورة، ولم تحترم القرارات العامِلِية بالمرة، لا في شأن الحرائق ولا هجرة وتهريب النخيل ولا تقنين زراعة الدلاح”.

مطالب عالقة

تواصل فعاليات وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بشؤون الحفاظ على الواحة بدرعة تافيلالت وتتثمينها، تشبتها بتلة من المطالب أبرزها ضرورة إعادة السلطات توجيه ميزانية البرامج الموجهة للنهوض بالواحة لفائدة فلاحيها.

وفي هذا الإطار يقول محمد رحماوي، الناشط السياسي والمدني: “ضمن النقاش الذي قمنا به سنة 2016 أو 2017، كنا نطالب السلطات بأنه عوض تخصيص ميزانية لتنقية الأعشاش والتي لا تكون عميقة وحقيقية للواحة، لو أنها وزعت تلك الميزانية على الفلاحين في موسم جني التمور الذي تزامن مع عملية معالجة شجرة النخيل”.

وتساءل المتحدث ذاته في تصريح لجريدة العمق: “لماذا لا يستفيد الفلاح البسيط من ميزانية للوزارة الوصية والسلطات المختصة ويقوم بنفسه بتنقية نخيله ويجمع مخلفاتها اليابسة ويحرقها في منطقة يتوافق عليها؟ ويتم تدعيم برامج لإعادة تدوير هذه المواد إلى الفحم المعالج أو مكونات الأسمدة الطبيعية”.

ويقترح الشاب ابن المنطقة والمنسق الجهوي لحركة شباب التغيير دراتافيلالت، محمد رحماوي، أن “تعطى قيمة مالية لكل فلاح مقابل كل نخلة لمعالجتها تتراوح بين 100 و150 درهما، وستكون هذه الميزانية إن تم تجميعها أقل من الميزانيات المرصودة لتنقية الأعشاش”.

وبالعودة إلى مخطط المغرب الأخضر الذي أطلقه المغرب سنة 2008 للنهوض بالقطاع الفلاحي، انتقد الناشط المدني والسياسي، رحماوي، إقصاء شريحة من الفلاحين الصغار من الاستفادة من دعمه لتنمية مناطق الواحات، على الرغم من كونهم ملاك حقول بواحة أوفوس، مؤكدا “إن الفلاحين البسطاء للواحات وواحة أوفوس بصفة خاصة لم يستفيدوا منه، رغم أن التكلفة التي ستخصص لكل فلاح أو حقل أو نخلة لن تصل حتى إلى 50% من التكلفة التي وزعها البرنامج كدعم مالي مباشر للضيعات التي أقيمت فوق تماسينت في الطريق المؤدية إلى بودنيب”.

وأكدت فعاليات المجتمع المدني النشيطة في مجال حماية واحات درعة تافيلالت والنهوض بها، أن الحرائق المتتالية التي عرفتها واحات الجنوب الشرقي في السنون الأخيرة، تقتضي من السلطات المختصة معالجة جوانب مهملة لن تتحسن بدونها وضعية هذا الإرث الإيكولوجي للمملكة. ومن هذه المطالب، ما أورده محمد رحماوي، في تصريح للعمق المغربي بقوله: “نطالب بنجاعة التدخل من خلال إقامة مركز للوقاية المدنية في مركز أوفوس الذي هو مطلب آني، وإصلاح نظام السقي القائم بشراكة مع المجتمع المدني والفلاح والجماعة السلالية، وأن يخصص دعم مباشر للفلاح من أجل تنقية حقوله”.

طريق تقلص مساحة الواحة

بلهجة منفعلة وساخرة، كشف محمد رحماوي فداحة إنجاز السلطات المختصة لطريق تخترق واحة أوفوس بدعوى تسهيل تدخل عناصر الوقاية المدنية لإخماد الحرائق، وذلك لما سيكون له من تداعياته سلبية على الفلاحين الصغار، وقال: “هذا البرنامج الكارثي الذي يتم تنفيذه لإنشاء الطرق فهو كارثي يقضي على ممتلكات الفلاح البسيط، لأنه يوجد من الفلاحين من فقد نصف أو كل حقوله”.

ويضيف الناشط المدني والسياسي المعروف بـ”مُوحَا وْحَّا “أجد أنه من المضحك إيجاد طريق 6 أمتار وسط الغابة، تخترق واحة لا يتجاوز عرضها 500 متر، وفي أوسع المناطق لا يتجاز كلمترا من أجل تسهيل دخول شاحنات الوقاية المدنية لإطفاء الحريق”.

واعتبر الناشط ذاته أن هذه الإجراءات التي تتخذها السلطات المعنية، كلها تخرج عن نطاق معالجة المشاكل الحقيقية المؤدية إلى نشوب الحرائق في واحة أوفوس، لكونها تركز على تطويق النيران عوض العمل على استئصال ودرء مسبباتها. ويعبر محمد رحماوي عن ذلك بقوله: “نحن نريد التدخلات الاستباقية لعدم اندلاع الحريق لا عدم تجاهل العوامل المسببة لاندلاعها وتسهيل آليات إطفاء الحريق، وهو ما أسميه بإهدار المال العام بشكل غير مباشر والقضاء على الواحة ونظامها الإيكولوجي”.

وتابع المنسق الجهوي لحركة شباب التغيير دراتافيلالت “عندما أمرر طريقا طولها 6 أمتار في العرض على طول ضفتي واد زيز للواحة بأكملها، سواء الضفة الشرقية أو الضفة الغربية، فإنني أساهم على المديين المتوسط والبعيد في القضاء على الواحة، وأقوم بتسهيل الولوج لكثير من الأمور التي ستكون سلبية على الواحة”.

ويعيد المتحدث ذاته تأكيد موقفه من هذه الخطوة التي أقدمت عليها السلطات قائلا: “أرى أن الطريق المنجزة هي سلبية أكثر من كونها إيجابية، والمسالك يمكن أن تنجز بطرق تقليدية، يمكن على أساسها لفرق الوقاية المدنية التدخل بآليات متكيفة، وخاصة في حقول الواحات”.

وتتشارك ساكنة واحة أوفوس بإقليم الرشيدية، هذا الموقف السلبي من إحداث الطريق داخل الواحة، باعتباره إجراء غير مجدي في حماية الواحة من الحرائق وغيرها من المشاكل مع فعاليات وجمعيات المجتمع المدني، لكونها تقلص من مساحة الواحة وتضر بممتلكات الفلاحين البسطاء، وهذا ما عبر عنه الناشط السياسي والمدني، محمد رحماوي، بقوله: “يشكو الناس من ضيق المجال الزراعي في الواحة، ورغم ذلك نجد أن المشروع المقرر يزيد من هذا الضيق ويلغي مساحة زراعية قابلة للزراعة، والمساحة الإجمالية التي أصبحت خارج الإنتاج الفلاحي الآن، سنجدها مساحة شاسعة قد تعادل هكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة التي تم تحويلها لطريق لن تكون ذات جدوى للواحة”. ويضيف: “هو موقف العديد من الساكنة الصامتة والمستسلمة لأنهم لا حيلة لهم، وفقدوا الثقة بعد توالي هذه الحرائق”.

حري بالذكر أن واحات درعة تافيلالت تساهم وحدها بما يفوق 79% من الإنتاج الوطني للتمور بحجم يصل إلى 91 ألف طن سنويا، فيما يطمح المغرب بحلول عام 2030 إلى رفع إنتاجه من هذه المادة الحيوية إلى 300 ألف طن. غير أن توالي الحرائق التي تتلف سنويا آلاف أشجار النخيل بالواحات التقليدية بجهة درعة تافيلالت قد يحول دون بلوغ هذا المسعى الطموح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • مغربي
    منذ شهر واحد

    حرائق الواحات وراىها اقطاعيي التمور الذين يريدون القضاء على الفلاح الصغير .