حوارات

خبير مناخ: ارتفاع الحرارة أمر عادي وعلى المغاربة التكيف معه

أكد خبير المناخ محمد سعيد قروق أن الحرارة التي يعيشها العالم يمكن اعتبارها حرارة مرتفعة مقارنة بذلك المناخ البائد الذي عشناه منذ أربعينات القرن الماضي، ولكنه شيء عادي اليوم، وبناء عليه يجب على المغاربة أن يتأهبوا كي يندمجوا داخل هذا المناخ الحار والمغاير ويعتبروه مناخا مستقرا للاستفادة من خيراته وتجنب مخاطره.

وأضاف قروق، أنه لا يجب أن نعتبر أننا نعيش في محنة مع المناخ الحار، فيكفي أن ننظر إلى المنتوج المغربي في السنوات الأخيرة الذي أصبح وفيرا ومتنوعا ومتواجدا في كل مناطق المغرب بل أصبح يغذي عددا من مناطق العالم، على حد تعبيره.

أستاذ علم المناخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدار البيضاء أشار، في حوار مع جريدة “العمق المغربي”، إلى أن استعدادات المغرب لمؤتمر الأطراف “كوب 22” يسير في الطريق الصحيح مع ضرورة تجاوز بعض الخلافات بين اللجنة المنظمة.

ـــــــــــــ

حاورته آسية لبشارة

1.ما سبب ارتفاع درجة الحرارة بهذا الشكل في الأعوام الأخيرة، خاصة فصل الصيف الحالي؟ وهل ستستمر الحرارة بهذا المعدل المرتفع؟

الحرارة التي نعيشها في هذا الفصل وفي السنوات الأخيرة بصفة عامة، هي سبب للتراكم الطاقي الذي حصل بالغلاف الجوي وبالوسط البحري منذ فترة طويلة أي منذ القرن 19 إلى اليوم، وأكبر الأسباب لعملية التراكم هي ارتفاع غازات السقيفة وهو أمر موجود منذ مدة ومنذ أن اكتشف الإنسان الطاقة، لاسيما الطاقة الأحفورية وطورها في مآربه المتعددة والمختلفة، فأصبحت هذه الطاقة تمثل أحد أسباب “الغازات الإضافية البشرية”، هكذا أسميها، التي انضافت إلى الغازات الطبيعية.

وهكذا فمع مرور الزمن وتراكم الطاقة أصبح الغلاف الجوي من جهة والوسط البحري من جهة ثانية خزانان كبيران لهذه الطاقة الإضافية، وعليه وصلنا إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي إلى مرحلة الطفرة، أي أن حرارة الأرض وصلت إلى درجة جعلت الحرارة الأرضية ترتفع إلى حدود 0.85 درجة (سنة 2013)، يعني أنها اقتربت من الدرجة المئوية الكاملة، ربما قد تكون الآن تجاوزت هذه الدرجة وأتحدث هنا عن متوسط الكرة الأرضية وليس عن مناطق مضبوطة.

وبالتالي أعتبر أننا مررنا من ذلك المناخ الذي ازددنا فيه وتطورنا فيه إلى وضعية جوية مغايرة لما كنا عليها فنحن في مناخ جديد أحد مميزاته حرارة مرتفعة أكثر مما كانت عليه فنحن نعيش في مناخ حار، مناخ جديد من مميزاته الأساسية كذلك دورة مائية جديدة التي تتسم تارة بالجفاف القاسي مع الأسف، وتارة أخرى عودة المياه بطريقة عنيفة وإلى أماكن جديدة. وإذا بقيت البشرية تتعامل مع الطاقة بهذه الطريقة سيكون هناك مناخ أحر من هذا الذي نعيشه الآن.

هذه الحرارة التي نعيشها يمكن اعتبارها حرارة مرتفعة مقارنة بذلك المناخ البائد الذي عشناه منذ أربعينات القرن الماضي، ولكنه شيء عادي اليوم وبناء عليه يجب على البشرية والمغاربة بطبيعة الحال أن يتأهبوا كي يندمجوا داخل هذا المناخ الحار والمغاير ويعتبروه مناخا مستقرا للاستفادة من خيراته وتجنب مخاطره، المشكل في الأمر هو أننا نتعامل مع ارتفاع الحرارة كأنه شيء شاذ وغير عادي لكن كل ما في الأمر أن هذا الارتفاع هو من مميزات المناخ الجديد.

2. هل يمكن أن نتحدث عن تقليل درجة ارتفاع حرارة الأرض من خلال تقليص الانبعاثات الكربونية؟

يجب أن نميز بين شيئين: تقليص الانبعاثات الكربونية وتقليص الحرارة، تقليص الانبعاثات ممكن لكن تقليص الحرارة غير ممكن، لأن الحرارة تستقر لفترة طويلة، على سبيل المثال الوضعية الطاقية للأرض اليوم هي التي تتحكم في ثلاثين سنة المقبلة للمناخ الذي ستعيشه بمعنى أن ما سنعيشه بعد ثلاثين سنة تقرر الآن ولا يمكن أن نتصرف فيه أي إذا تدخلنا الآن لتقليل غازات السقيفة سيظهر مفعوله في ثلاثين سنة المقبلة، وهذا ما نسميه بـ”الذاكرة المناخية”.

وعليه فإن اتفاقية التحول المناخي لا تتحدث عن تقليل درجة الحرارة وإنما استقرار درجة الحرارة، فمن يتحدث عن تقليل درجة الحرارة هو يتحدث عن شيء يجهله وعلى البشرية أن تحاول الحد من ارتفاع الحرارة لكي لا تتجاوز درجتين مقارنة لما قبل الفترة الصناعية، هذه الفترة التي كانت في حدود 14.5 إلى 14.8 درجة، وإذا ازدادت إلى حدود سنة 2013 بـ 0.85 درجة مئوية فنحن بصدد 1,25 درجة، وبالتالي لا وجود لدرجتين، وعلى البشرية أن تحد الحرارة في حدود 1.5 درجة لا أكثر ومن يقول بدرجتين الآن فهذا كان في التاريخ في اتفاقية قمة الأرض لسنة 1992، فلا يمكن الاتفاق على درجتين الآن في ظل النظام العالمي الحالي وحرارة الأرض حتما ستزداد ارتفاعا.

ونشير إلى أن الإنسان لا يمكنه أن يتكيف بسهولة مع المناخ الذي يكون بدرجتين إضافيتين على ماهو عليه.

3. هل ستؤثر الحرارة المرتفعة في انخفاض منسوب المياه بالمغرب؟

الحرارة لها أثار بعدي وآخر قبلي على الدورة المائية، القبلي هو أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي مباشرة إلى التبخر وبالتالي المياه فوق السطح ستتبخر أكثر مما كانت عليه، ولكن نفس الحرارة تساهم في اتساع الغلاف الجوي فيصبح له القدرة على تحمل الماء أكثر مما كان عليه، أما الأثار البعدي فهو عودة هذه المياه التي تتكاثف بحجم كبير وبوفرة مما يسبب الفيضانات.

مع الأسف الآن البنى التحتية المختلفة عبر العالم غير مؤهلة للمياه الجديدة وبالتالي فإن هذه الأمطار تسبب فيضانات وحينما يتغير الوضع سيكون هناك توازن بين التبخر المرتفع والتساقطات القوية.

إذا الخطاب الذي يقول بنقص المياه هو خطاب ناقص لأن الدورة المائية ثابتة. ولا يجب أن نعتبر أننا نعيش في محنة، فيكفي أن ننظر لمنتوجاتنا الفلاحية في السنوات الأخيرة، الجميع يلاحظ أن المنتوج المغربي أصبح وفيرا ومتنوعا ومتواجدا في كل مناطق المغرب بل أصبحنا نغذي عددا من مناطق العالم.

4. كيف ترد على من يعتبر أن ظاهرة الاحتباس الحراري ليست مشكلا حقيقيا؟

العلماء صنفان، هناك الصنف الغالب الذي أنتمي إليه وهو من يؤمن أن غازات السقيفة لها قدرة كيميائية وفيزيائية على تحويل مركبات الغلاف الجوي ووظائفه من الناحية الطاقية، وبالتالي فإن هذا الفريق من العلماء الذي يمثل أكثر من 95 في المئة على الصعيد الدولي يؤمنون بأن ما قامت به البشرية له دور كبير في ارتفاع حرارة الأرض.

هناك الصنف الثاني الذي يتميز منهجه بالبحث عن المعلومة المضبوطة التي يجب أن يكون لها دليل مادي فيزيائي وهذا الدليل ليس لدينا على جميع المعطيات التي نتوفر عليها في هذا الميدان، هناك مجموعة من المواضيع التي لازالت نظرية ويصعب علينا قياسها حقيقة، وبالتالي هذا النوع من العلماء الذين اتخذوا هذا المنهج يشكون في قدرة البشرية على إضافة غازات للسقيفة التي يمكنها أن تحول مناخ الأرض وبالتالي هم لا يشككون في غازات السقيفة لوحدها بل في مسؤولية الإنسان.

وبالتالي فهذا الموضوع تشكيكي وليس رفضي وهذا منهج من الناحية العلمية مقبول لكن الخطير في الموضوع هو أن تقوم هيئات اقتصادية أو سياسية في تبني هذا الطرف أو ذاك في مصالح اقتصادية، مثلا الدول المنتجة للنفط فمن مصلحتها المنهج التشكيكي لتجعل لهم قوة اقتصادية، في حين أن الدول التي لها قدرات على تطوير الطاقات البديلة فإن الخطاب الذي يحمل المسؤولية للإنسان في مصلحتها أكثر وتدعمه.

ونشير إلى أن هناك مجموعة من الباحثين الذين يقومون بأبحاث تحت الطلب، فيصبح الموضوع سياسيا وليس علميا، ومن الناحية الفكرية والأمانة العلمية يجب أن نعلم لطلابنا الفرق بين الفكر والسياسة.

5. هل صحيح أن دولا معينة تتسبب في رفع درجة حرارة الأرض؟

هذا الخطاب صحيح لكنه أصبح تاريخيا وأصبح خارجا عن الزمن، لأن هذا الخطاب يحمل المسؤولية لأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية التي قامت بالثورة الصناعية واستعملت الطاقة بحدة، من الناحية التاريخية هذه الدول مسؤولة عن احترار الأرض لكن اليوم ما وقع وقع، المناخ تغير ومفعوله يسري على الجميع، وأصبحت البشرية كلها ضحية لهذا المناخ لكن الدول النامية ضحية مرتين مرة لأنها غير مسؤولة على هذا المناخ ومرة ثانية لأنها تعاني من ويلات المناخ الجديد لأنها لاتتوفر على الموارد المالية والوسائل التكنولوجية والبنية التحتية لحماية نفسها وهي أكبر المتضرربين.

اليوم المطلوب من الجميع، دولا متقدمة ونامية، أن تندمج وتعمل على التقليل من غازات السقيفة وتحد من ارتفاع حرارة الأرض فاتفاقية باريس تحمل المسؤولية للجميع لكن بمستويات متفاوتة، وعلى هذا الأساس خلق ما يسمى بصندوق تنمية المناخ الذي تقدمه الدول الصناعية للدول المتضررة الفقيرة، صحيح أن هذا الصندوق لازال فارغا لكن من بين أهدافه هو مساعدة الدول الفقيرة على الاندماج في المناخ الجديد وتطوير طاقاتها المتجددة.

6. الدول الصناعية الكبرى التي لم تلتزم ببروتوكول “كيوتو”، ما الذي سيدفعها لتلتزم الآن باتفاق باريس؟

من الناحية الاقتصادية الالتزام صعب جدا وما نعيشه اليوم هو دليل على ذلك لأن هناك تناقض بين اتفاقية باريس والخطابات السياسية وبينما يجري اقتصاديا، حيث إننا نلاحظ ارتفاع لدرجة الحرارة سنة بعد سنة وقياسات غازات السقيفة تنافس كل سنة السنة التي قبلها، وهذا يتعارض مع القرار السياسي لأنه لا يكفي أن نوقع على اتفاقية باريس بل يجب أن نجعل اقتصادنا مندمجا فيها، لكن على العموم لا يمكننا أن نجزم الآن بأن طرف ما سيلتزم أم لا.

7. انتقالا إلى قرار منع البلاستيك في المغرب إلى أي حد، في نظرك، نجحت حملات توعية المغاربة بالتخلي عن “البلاستيك”، هل تجد هذه الحملات كافية؟

حملة التخلي عن البلاستيك تأتي لتحسيس المغاربة بالتخلي عنه ثقافيا وتوفر له البديل اجتماعيا هذه هي الحملة، أما ما قمنا به نحن فهو قرار إداري يمنع تسويق وإنتاج البلاستيك رغم أن الشعب المغربي لم يجد البديل الكافي للبلاستيك.

المغاربة يتعاملون مع التخلي عن البلاستيك كما تعاملوا لأول مرة مع ظهور البلاستيك في الثمانينات فالمغاربة لايرمون البلاستيك بل يعيدون استعماله، وبالتالي فنحن نتعامل مع البلاستيك بطريقة غير قانونية أراد من أراد وكره من كره.

كان من المفروض أن تتم عملية إزالة البلاستيك بطريقة تدريجية يعني أن تتأهب المعامل لإنتاج الموارد البديلة للبلاستيك وتعطى لهم مدة ليكون هناك مهلة لتلك المعامل التي كانت تصنع البلاستيك أو بلاستيك قابل للتحلل (صديق للبيئة)، مثلا في أوربا هناك ثقافة للتعامل مع البلاستيك لكن في أوربا لم يكن هناك قرار منع البلاستيك بل خرج قانون يحمل المسؤولية لكل من يلوث بالبلاستيك ثم أصبحت محاربة البلاستيك ثقافيا بالتدرج، واليوم إذا ذهبنا لأوربا سنجد البلاستيك لكنه يباع وبالتالي لن تشتريه بكثرة ولن ترميه.

على كل حال طريقتنا في التعامل مختلفة والنتيجة سننتظرها بعد سنة تقريبا لتكون لدينا إجابات أخرى.

8. ما تعليقك على استعدادات المغرب لاستقبال كوب 22 ؟

المغرب يقوم بدور كبير وفعال والخطوات التي مر منها من الناحية الدبلوماسية والعلاقات الخارجية تسير في الطريق الصحيح، والمملكة تلعب دورا كبير الآن في تمثيل إفريقيا، التي تعاني من هذا المناخ الحار وقمة مراكش تتوفر على المؤهلات العالية لتكون قمة ناجحة لذلك، فقط يجب أن يكون التنظيم في المستوى ونتجاوز قرارات آخر لحظة.

ونشير إلى أن اللجنة التي عينها صاحب الجلالة التي تشرف على كوب 22 بينهم نوع من سوء التفاهم وهذا أمر يجب أن يصلح لأننا لايمكن أن نسمح لممثلينا في منابر دولية أن يتشاجروا حول مجموعة من المسؤوليات.

9. ما رأيك في برنامج المناخ للأمم المتحدة؟ هل يحقق نتائج إيجابية؟

برنامج الأمم المتحدة هو برنامج عالمي من بين نتائجه الكبرى هو أن استعمال الطاقة في العالم أصبح بطريقة متقدمة جدا مثلا أصبح لدينا محركات تستعمل طاقة أحفورية أقل وتنتج أكثر، إضافة إلى قوانين جديدة تفرض على المصانع الكبرى التي تنتج آليات تستخدم الطاقة كالسيارات مثلا والضرائب التي تفرض على هذه المصانع تكون أعلى من مصانع منتجات أخرى أقل تلويثا.

كذلك تطوير الطاقة البديلة حيث إنه إلى حدود 2010 الطاقة الشمسية وصلت إلى 12 في المئة من الاستعمال الطاقي العالمي، فضلا عن نشر ثقافة عدم تبذير الموارد الطبيعية، هذه الأمور وأخرى تحسب لبرنامج الأمم المتحدة.