مجتمع

لماذا لا تنتصب الجماعات والمؤسسات العمومية أمام القضاء لاسترداد الأموال المختلسة؟

احتجاج ضد نهب المال العام

تعج محاكم المملكة المغربية بعدد من القضايا التي يتابع فيها مسؤولون عموميون ومنتخبون جماعيون وبرلمانيون بتهم نهب أموال عمومية، في المقابل، تقف المؤسسات والمجالس التي كانوا يتبوّؤون فيها مناصبهم صامتة، غير آبهة باسترداد الأموال المنهوبة.

وقد حوكم عدد من المسؤولين والموظفين في قضايا كثيرة تتعلق بجرائم الأموال، وأصدرت المحاكم فيها أحكاما نهائية، وأخرى ابتدائية واستئنافية، دون أن يتم استرجاع الأموال العمومية المختلسة.

وتخوّل القوانين المغربية للمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، في إطار الدفاع عن مصالحها، مباشرة إجراءات التنفيذ لإرجاع المبالغ المحكوم بها، كما أن هناك تدخل آخر للوكالة القضائية، يتم تكليفها من طرف الإدارة أو المؤسسة المعنية بالاختلاس، بهدف تسهيل مأمورية استرجاع الأموال العمومية المختلسة.

صعوبة تتبع الملفات

أشار الفاعل الحقوقي عمر أربيب، عضو اللجنة المركزية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى أن الفاعلين في مجال حماية المال العام والحماية من الفساد المالي، يجدون صعوبة تتبع هذه الملفات.

وقال أربيب إن قلة المحاكم المختصة في جرائم الأموال (فاس، الرباط، الدار البيضاء، مراكش)، يولد كذلك “طول مدة سريان الدعوة والمحاكمة، نظرا لتراكم الملفات وصعوبة البث فيها بسرعة في آجال معقولة”.

عفا الله عما سلف

كما تأسف المتحدث على المنطق الذي تدبر به مثل هذه القضايا، مشيرا، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى قول الراحل عبد الرحمان اليوسفي خلال ولايته الحكومة: “عفا الله عما سلف”، وأعيدت نفس العبارة في عهد عبد الإله بنكيران، بعد إثارة مواضيع تهريب مسؤولين عموميين للأموال للخارج.

وتابع الناشط الحقوقي قائلا إن تصريحات مثل هذه “بمثابة عفو عنهم، رغم أن رئيس الحكومة لا يملك هذه الصلاحيات نهائيا، وأن تصريحات مثل هذه، تشجع على الإفلات من العقاب من هذه الجرائم”.

ضغط سياسي

ولفت أربيب إلى وجود عدد من التقارير، تصدرها مؤسسات عمومية لا تصل إلى المحاكم، منها التجاوزات المسجلة التي قامت بها أحزاب سياسية ممثلة في البرلمان، والتي تمارس، وفق تعبيره، “نوعا من الضغط السياسي بادعاء أنها مستهدفة حتى لا تتم محاسبتها”، مشددا على أن “المطلوب في هذه القضايا هو إحالة هذه التقارير بشكل مباشر على القضاء للنظر والبث فيها”.

ومن الملفات أيضا التي شملتها لجان تقصي الحقائق، ولكنها لم تحل على القضاء، أشار أربيب إلى “صفقات كوفيد في وزارة الصحة، وملف التعاضدية التي صدرت في حقهم أحكام “مخففة”، وملف كازينو السعدي الذي اختلست فيه حوالي 54 مليار سنتيم، وما يزال رائجا أمام القضاء أزيد من 15 سنة، دون تنصيب المجالس المتعاقبة على مراكش طرفا مطالبا بالحق المدني.

محاباة وإضرار بالمجتمع 

ويستمر نهب الأموال العمومية واختلاسها، وفق تعبير أربيب، نتيجة “طول مسطرة التقاضي، والأحكام المخففة وعدم تنصيب المؤسسات كطرف مدني للمطالبة باسترجاع الأموال المنهوبة والتعويض.

وقال أربيب في تصريح لـ”العمق” إن “سياسة الإفلات من العقاب وعدم تنصيب الإدارات والدولة العمومية طرفا في ما يتعلق باسترجاع هذه الأموال المنهوبة وحق المجتمع في هذه الأموال، يشجع على استمرار النهب داخل هذه المؤسسات العمومية.

وأضاف المتحدث أن عدم تنصيب الدولة والمؤسسات العمومية طرفا في ما يتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة “يضر بحق المجتمع في التنمية، وينطوي على نوع من المحاباة السياسية و(عطيني نعطيك) في حالة تكرار نفس الممارسة”.

واسترسل أن عدم التنصيب “عرف  يتم من خلاله تبادل المصالح والمنافع، وسط غياب إطار قانوني، يسمح للدولة بشكل مباشر استرجاع الأموال المنهوبة”.

وكالة لتحصيل المال العام

وأعلنت وزارة العدل اشتغالها مع وزارة الاقتصاد والمالية على إعداد مشروع قانون يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة والغرامات وتتبع تنفيذ العقوبات والتدابير البديلة.

وسيناط بالوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، بعد إخراجها حيز الوجود، تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في الجرائم المتعلقة بالاختلاس وتبديد المال العام، وحفظ وتدبير الممتلكات المحجوزة والمصادرة.

نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، سبق وأن صرحت داخل قبة البرلمان، أن مسألة استرجاع الأموال العمومية المختلسة والمبددة ومكافحة الجرائم المالية تشكل إحدى أهم أولويات حكومة أخنوش، باعتبارها قضية حيوية تساهم بشكل مباشر في بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتوطيد دعائم الأمن المالي والاجتماعي، وعدم الإفلات من العقاب.

وتم إحداث لجنة مركزية على مستوى رئاسة النيابة العامة، يترأسها رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، ولجان جهوية على مستوى محاكم الاستئناف يشرف عليها الوكلاء العامون للملك بهذه المحاكم، وذلك بهدف تسهيل مأمورية استرجاع الأموال العمومية المختلسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *