مجتمع، مغاربة العالم

السلطات المغربية تنهي معاناة أسرة مغربية ظلت عالقة بتركيا لسنوات

بعد أزيد من 4 سنوات من المعاناة في الغربة بدون إقامة قانونية، عادت الفرحة والبسمة إلى وجوه ريحانة وأريج وزينب (أعمارهن ما بين 4 و9 سنوات)، الطفلات المغربيات اللواتي وُلدن في سوريا خلال النزاع المسلح، بعدما وافقت السلطات المغربية على عودتهن إلى وطنهن الأم، برفقة والديهم.

قصة الطفلات الثلاث التي سبقت أن أثارتها جريدة “العمق”، وجدت طريقها أخيرا إلى الحل، بعد تدخلات وتحركات من مستويات عليا بالمغرب، استجابة لمناشدات الأسرة العالقة بتركيا، ولنداءات حقوقية وسياسية عديدة.

وعاشت الأسرة المغربية المقيمة بطريقة غير قانونية في تركيا، وضعا صعبا لسنوات، في ظل عدم توفرها على وثائق رسمية تثبت الجنسية المغربية لطفالتها الثلاث، وهو ما شكل عقبة أمام عودتهم إلى وطنهم الأم، بعد مغادرتهم سوريا بطريقة محفوفة بالمخاطر.

يتعلق الأمر بأسرة الزبير الحسناوي، أحد الشباب المغاربة الذين التحقوا بسوريا، قبل سنوات، قصد الانضمام إلى إحدى الجماعات المغربية المقاتلة هناك، قبل أن يتراجع عن أفكاره ويقر بخطئه ويغادر سوريا رفقة أسرته بعد معاناة واعتقالات وتهديدات.

يقول الحسناوي إن القنصلية المغربية باسطنبول أعدت الوثائق اللازمة لسفره رفقة زوجته المغربية أيضا، لكن القنصلية في البداية لم تعترف بطفلاتهم الثلاث، بسبب إشكالية ولادتهن في سوريا وعدم إمكانية تسجيلهم حينها لدى المصالح القنصلية المغربية.

وبعد مناشدات وجهتها الأسرة إلى الملك محمد السادس، اتصلت القنصلية المغربية باسطنبول بالحسناوي، من أجل توجيه طلبه إلى السلطات المغربية مرفوقا بأي وثائق تتعلق بالأطفال، كيفما كانت، قبل أن تحيل القنصلية الملف إلى وزارة الخارجية.

في هذا الصدد، أوضح الحسناوي لجريدة “العمق” بالقول: “بعد هذه الخطوة، اتصل بي مسؤولو القنصلية، وأخبروني بأن السلطات المغربية وافقت على طلبنا”، مشيرا إلى أن الخبر أثلج صدور الطفلات وملأ منزلهن فرحا.

وكشف أن الأسرة ستنتقل كلها إلى المغرب، قائلا: “أعرف أن هناك تبعات لعودتي للمغرب بعد تجربة سوريا، لكني مستعد لتحمل مسؤولية اختياري الخاطئ، وعليَّ تصحيحه الآن، وسأكون راضيا عن أي قرار سيصدره القضاء بالمغرب”.

وفي فيديو بثه أب الأسرة لطفلاته الثلاث، بدا لافتا مدى الفرحة التي اعتلت محياهن وهن يهتفن باسم المغرب وباسم الملك محمد السادس وكل من ساندهن، مشيرات إلى أنهن سيتمكن أخيرا من معانقة أسرتهن بالمغرب والدراسة في وطنهن.

في هذا السياق، قال الحسناوي: “أدرك جيدا قيمة المغرب الذي افتقدته ولم أعرف قيمته وقمية الأمن والاستقرار والقوانين والمؤسسات، حتى جربت واقعا آخر مليء بالفضوى والتسيب والانفلات الأمني”، في إشارة إلى سوريا.

ووجه المتحدث الشكر لكل من تدخل وسانده في الملف، على رأسهم الملك محمد السادس، والمدير العام للأمن المغربي، عبد اللطيف حموشي، والقنصل المغربي باسطنبول، وكل المؤسسات والمسؤولين والصحفيين والمدونين الذين ساهموا في إنهاء هذه الأزمة، وفق تعبيره.

عودة من “الخطأ”

بدأت قصة الحسناوي ذو الـ37 سنة، عقب سفره إلى سوريا عبر تركيا، للانضمام إلى إحدى الجماعات الإسلامية المغربية التي كانت تقاتل ضد النظام السوري، مشيرا إلى أنه أقدم على هذه الخطوة بسبب حماسته واندفاعه عقب تأثره بأفكار من سماهم بـ”شيوخ السلفية” بالمغرب.

يقول الزبير في تصريح سابق لـ”العمق”: “بعد فترة الربيع، كان هناك خطاب تحريضي كبير من طرف شيوخ السلفية في المغرب، قصد الالتحاق بسوريا والعراق.. ذهبت مندفعا وبحماس، رغم أنني لم أكن متدينا بل كنت مسلما عاديا كباقي المغاربة”.

وعقب التحاقه بجماعة مقاتلة، أوضح المتحدث أنه صادف واقعا مختلفا من أول وهلة، جعله يتوارى إلى الوراء ويتراجع عن كثير من أفكاره وحماسته واندفاعه، قائلا: “رفضت الخوض في دماء الناس أو التدخل في أي خلاف أو أحكام دينية، وبقيت منعزلا، وهو ما تسبب لي في نظرة مريبة من طرف أعضاء المجموعة”.

وكشف الحسناوي أن الجماعة التي انتمى لها لم تكن مصنفة في لائحة الإرهاب حينها من طرف واشنطن، كما لم يكن في المغرب حينها أي قانون يجرم الالتحاق ببؤر التوتر، مضيفا: “عشت بين المطرقة والسندان، وكنت مترددا هل أعود للمغرب وأسجن هناك، أم أظل هنا إلى حين حدوث تغير في قرارات المغرب”.

وتابع قوله: “لم أكن متشددا ولا متطرفا، بل حتى في سوريا لم أصدر أي موقف أو حكم ضد بلدي من هناك، وبقيت في المنطقة الحدودية أغلب الوقت، محاولا العمل في الأمور الإدارية واللوجيستية لسد رمق أسرتي”.

يضيف المتحدث: “تعرضت لمضايقات بسبب عدم اقتناعي بأفكارهم وتصرفاتهم، قمت بحوالي 10 محاولات للهرب من سوريا بطريقة سرية والادعاء بأني مواطن سوري، لكني فشلت، قبل أن يتم اعتقالي من طرف جبهة النصرة بتهمة أنني عميل للاستخبارات المغربية”.

وتابع قوله: “سُجنت للمرة الأولى وتمكنت من الخروج، ثم سُجنت مرة ثانية وتمكنت أيضا من الخروج، ثم قررت في النهاية مغادرة سوريا نحو تركيا بطريقة خطيرة جدا علي وعلى أسرتي، لأني كنت مهددا وممنوعا من السفر وأتعرض لمضايقات، فاخترت طريقة للخروج لم يكونوا على علم بها”.

غير أن الحسناوي استدرك بالقول: “هذه تبريرات لقصتي، لكنني عموما أقر بأن ما فعلته كان خاطئا، ومستعد للوقوف أمام القضاء المغربي، رغم تأكدي أن الاستخبارات المغربية تعرف من أكون وتعرف تنشئتي وسيرتي في المغرب وفي سوريا وفي تركيا”.

طفلات بلا “هوية”

يرى الزبير أن ما يهمه حاليا ليس مستقبله شخصيا، بقدر ما يهمه مستقبل بناته الثلاثة اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 4 و9 سنوات، مشددا على أنه مرتاح تجاه القضاء المغربي، وسيكون راضيا عن أي حكم بحقه في حالة عودته، حسب تعبيره.

وفي الوقت الذي ظن فيه الحسناوي أن معاناته ستنتهي بعد عودته إلى تركيا، كشف أنه صُدم بسبب رفض القنصلية المغربية عودة بناته إلى المغرب، بسبب عدم توفرهن على وثائق رسمية تثبت أنهن مغربيات.

وبعد عدة محاولات واتصالات وتحركات، تفاءل الزبير بقرب انفراج ملفه عقب تواصله شخصيا مع اللجنة البرلمانية التي أحدثها مجلس النواب المغربي حول المحتجزين والمعتقلين المغاربة بالعراق وسوريا، مشيرا إلى أن أعضاء باللجنة وعدوه بحل ملفه.

وكشف الحسناوي أن بناته الثلاث يعشن بلا هوية في تركيا، إذ لا يستطعن الدراسة في مؤسسة رسمية ولا الذهاب إلى المستشفيات في حالة المرض، ولا حتى شراء الأدوية، لأن كل شيء يتم بالوثائق الرسمية في هذا البلد، وفق قوله.

وأضاف: “أدَرِّس بناتي في روضات ومدارس غير قانونية يقيمها بعض أفراد الجالية العربية في منازلهم، كما نتعامل مع أطباء وممرضين من اللاجئين العرب في عيادات غير قانونية بمنازلهم، أيضا، ونشتري منهم أدوية بأسعار مضاعفة رغم خطورة الأمر على صحتهن”.

واعتبر أن أسرته تعيش وضعا مرعبا في تركيا، في ظل عدم توفر بناته على أي حقوق للرعاية الطبية ولا للدراسة، مشيرا إلى أنهن لا يستطعن حتى اللعب بشكل طبيعي خارج البيت بسبب الدوريات الأمنية ضد الأشخاص المقيمين بشكل غير قانوني.

يقول الحسناوي: “وضعيتنا في تركيا غير قانونية ونحن مهددون بالترحيل في أي لحظة، ونخشى من أن يتم ترحيلنا إلى سوريا في ظل وجود أخطاء لدى تركيا في هذا المجال، خاصة بعدما تم ترحيل مغاربة إلى سوريا بشكل خاطئ في وقت سابق”.

وكان المتحدث قد شدد في حديثه السابق مع “العمق”، على أنه مستعد للقيام بأي شيء من أجل العودة للمغرب، حتى وإن تطلب الأمر إجراء تحاليل الحمض النووي لبناته، مناشدا الملك محمد السادس التدخل من أجل إعادة بناته وزوجته إلى وطنهن الأم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • زاكورة
    منذ 3 أسابيع

    عاقبة الطيش : المعانات من كل جانب نتمنى أن تجد احزانكم طريقا للحل، و تجد البنيات طريقه إلى العائلة و المدرسة ، و لكن مادام ، خرجت هذه الوقعة الاليمة إلى الإعلام، ف ملكنااااااااااا حنون طيب الاعراق و النسب ، رحيم بالعدو قبل الصدق، اما رعيته، فهي عائلته الكبرى