مجتمع

ثقافة الجسم المثالي على مواقع التواصل الاجتماعي.. ماذا وراء الصورة المثيرة؟

في زمنٍ يسيطر عليه هاجس المظهر المثالي والجاذبية الجسدية، تبرز “الهاشتاغات” التحفيزية والملهمة على منصات التواصل الاجتماعي كأحد أهمّ مصادر الإلهام لتحقيق اللياقة البدنية والصحة. ويندرج تحت هذه الظاهرة هاشتاغان مثل #FitnessModel و#HealthyLiving، حيث تُعرض صورٌ ملهمة لأجسام مثالية تُشجّع الآخرين على السعي نحو التحسين الذاتي وتحقيق اللياقة البدنية المُتخيّلة. ولكن، ورغم جاذبية هذه الصور، تُثير محدودية واقعيّتها تساؤلاتٍ حول مدى تأثيرها على الفرد. ما يدفعنا لاستكشاف عالم اللياقة البدنية من منظور الشباب الذين يتأثرون بهذه الصور المُثيرة.

شوارزنيجر وأنستغرام

“للي خلاني نديرها هو عجبني شكل ديال Arlond أو بغيت نولي بحالو “، هكذا تحدث عبد الكريم لجريدة “العمق”، وهو شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، يمارس رياضة كمال الأجسام منذ كان في الـ16 من عمره. يعبر عبد الكريم عن إعجابه الشديد بالممثل ولاعب كمال الأجسام أرنولد شوارزنيجر قائلاً: “ما دفعني لممارسة هذه الرياضة هو إعجابي بشكل أرنولد ورغبتي في أن أصبح مثله”.

ويضيف: “الحصول جسم مفتول العضلات يشعرني بالراحة، ويبقى هدفي هو أن أرتدي ملابسي وأرى أنها تلائم جسمي، حيث إن جسمي الطبيعي لا يروق لي”. يحاول عبد الكريم أن يصل لجسم مشابه لأرنولد دون تناول كميات كبيرة من المنشطات، لكنه يعترف بصعوبة ذلك. كما يحذر من خطورة المنشطات على الصحة، خاصة للفئة العمرية الصغيرة.

من ناحية أخرى، يروي أيوب، البالغ من العمر 18 عاما، تجربته وتأثره بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يرغب في لفت الأنظار بجسمه الرياضي، مستلهماً من أحد المؤثرين على “إنستغرام”، مضيفا أن العديد من الشباب يمارسون رياضة كمال الأجسام في فصل الشتاء بهدف لفت الأنظار في فصل الصيف، قائلا: “كيترينو فالبرد باش إبانو في الصيف”

وبالنسبة لمدرب رياضة كما ل الأجسام، نبيل، فإن الشباب المولعين على هذه الرياضة أنواع، ويحدد الاختلاف بينهم غاية كل شخص أو النتيجة المرجوة من هذه الرياضة، كما أوضح المدرب أيضا أن النتائج الجسدية تختلف حسب المكملات الغذائية التي يتناولها الشخص، “فهناك أشخاص يبحثون عن نتائج خيالية في وقت سريع، مما يدفعهم لتناول بعض المكملات الممنوعة والخطيرة، لكنها في المقابل تفقدهم جزءً مهما من رجولتهم”، مؤكدا أن أكثر من 65٪ من الشباب الموجودين بهذه القاعات الرياضة، غايتهم الوحيدة الحصول على جسم رياضي ملفت فقط.

وفي السياق ذاته تؤكد إكرام، وهي مدربة رياضية، أن مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير على المراهقين والمراهقات، بحيث يسعون لتقليد مؤثرين على “إنستغرام” من خلال طريقة الأكل، بهدف الحصول على الشكل المثالي، كما يلجؤون إلى مقارنة أنفسهم بهم، مضيفة أن “معظم ما يُنشر من صور وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي هي بمثابة تسويق، ولا يعكس الواقع، حيث تظهر فقط الجهة اللامعة، وهذا الأمر يؤثر على نفسية الإنسان مما يشكل خطرا عليه”، مضيفة أن “أغلبية الفتيات يأتين بفيديو من انستغرام ويريدن أن يحصلن على جسم مشابه في ظرف وجيز”، مشيرة إلى أن الأكثرية تمارس الرياضة بهدف نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي.

تشجيع مفهوم تقبل الجسد

عبد الكريم وأيوب ليسا الوحيدين اللذين تأثرا بمواقع التواصل الاجتماعي. فوفقًا للأستاذ في علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، فإن “رياضة كمال الأجسام أصبحت أداة تسويقية قوية، وليست مجرد ممارسة بدنية. تستخدمها الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع زيادة انتشار الصور والفيديوهات التي تظهر أجسامًا رياضية مثالية، زاد تأثيرها على نفسية الأفراد والمجتمع، مما يخلق هوسًا نفسيًا”.

ويضيف الأستاذ اكمان أنه “في سبيل الحصول على جسد مثالي، قد يلجأ الأفراد إلى حرمان أنفسهم من الأكل أو الإفراط في الحمية وممارسة الرياضة، مما قد يؤثر سلبًا على صحتهم. واعتماد نمط عيش أو خيارات غذائية دون استشارة طبية قد يؤدي إلى انحراف سلوك الأفراد عن المطلوب، مما يؤدي إلى القلق الدائم وتأثيرات سلبية على عاداتهم وعلاقاتهم الاجتماعية”.

واعتبر المتحدث نفسه، في تصريح لجريدة “العمق”، أن توازن النظرة إلى الجسم بين الصحة النفسية والبدنية يعد ضرورة ملحة في عصر التواصل الرقمي. كما يجب أن يكون هناك تقبل للجسد كما هو، وتقبل الآخر يجب أن يكون جزءًا من التربية التي تقوم بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل الإعلام، الأسرة، والمدرسة. هذا من شأنه أن يسفر عن مجتمع متصالح مع ذاته، يتقبل الآخر ويتفادى الوصم والتنمر، ويبحث بشكل سليم عن جسد صحي وفق المعايير الصحية الصحيحة، بدلاً من الاهتمام الزائد بما يعتقده الآخرون عنا.

ثقافة التباهي في ممارسة رياضة كمال الأجسام

وفي سياق متصل، اعتبر الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور، أن ممارسة رياضة كمال الأجسام أصبحت من أجل الآخرين ومرتبطة بمفهوم التباهي وجلب الأنظار في مواقع التواصل الاجتماعي.

واعتبر الدكتور بنزاكور أن إشكالية العلاقة مع الجسد في المغرب غير سليمة، حيث يتعرض الإنسان دائمًا للتنمر سواء كان نحيفًا أو يعاني من السمنة، مما يؤدي إلى ضعف في الشخصية وانعدام الثقة، ويجعل الفرد يسعى لإرضاء الآخرين. وتتجلى حالة إرضاء صورة معينة بشكل شائع لدى المراهقين.

ويضيف الدكتور أن البحث عن التباهي يؤدي إلى أخطاء في السلوك، حيث يلجأ الشباب عند ممارسة هذا النوع من الرياضة إلى تناول مواد مسرطنة كالمنشطات، مما قد يشكل خطرًا على صحتهم.

وفي ختام حديثه، أكد بنزاكور على ضرورة إصلاح العلاقة مع الجسد، لأن هذا الأخير هو الحامل للذات، وبدونه سيحتاج الفرد إلى الآخرين. الجسد ليس وسيلة للتباهي، وممارسة رياضة كمال الأجسام يجب أن تكون من أجل إرضاء الذات وليس الآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *