سياسة

محاسبة حصيلة الوزراء تثير جدلا قانونيا .. وأكاديمي: الدستور ينتصر لرقابة البرلمان

يتواصل الجدل داخل البرلمان حول دستورية مناقشة حصيلة الوزراء داخل اللجان النيابية الدائمة، وسط تمسك فرق المعارضة بمجلس النواب، بالطلبات التي تقدمت بها من أجل استدعاء الوزراء للمثول أمام اللجن النيابية الدائمة لمناقشة الحصيلة المرحلية القطاعية، بالرغم من قرار مكتب المجلس الرافض لمحاسبة النواب لحصيلة الوزراء بحجة تعارضها مع أحكام الدستور.

وأثار رفض مكتب مجلس النواب، مناقشة الحصيلة القطاعية للوزراء داخل اللجان النيابية الدائمة، نقاشًا حادا بين نواب المعارضة ومكتب مجلس النواب، حيث اتهمت المعارضة مكتب المجلس بخرق الدستور، معتبرة أن القرار يشكل “انتكاسة ديمقراطية” في تاريخ الممارسة البرلمانية المغربية.

وقال مصدر من قوى المعارضة، في تصريح لـ”العمق”، إن فرق المعارضة لن تلجأ إلى المحكمة الدستورية من أجل البت في هذا النزاع، مبرزا أن هذه النازلة لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة، إلا أنه أكد لجوء الفرق لمراسلة المكتب حول نفس الموضوع، “وإذا كانت عبارة المرحلية هي التي خلقت هذا الجدل سنعيد صياغة الطلبات لتتضمن الحصيلة القطاعة للوزراء”.

وأوضحت مصادر الجريدة، أن فرق ومجموعة المعارضة قررت في أعقاب اجتماع عقده الأسبوع الماضي رئيس المجلس راشيد الطالبي العلمي، مع رؤساء الفرق النيابية، تغيير مضمون مراسلاتها الموجهة إلى رؤساء اللجن الدائمة، بالتأكيد على أن استدعاء الوزراء لا يتعلق بمناقشة الحصيلة المرحلية بل تحديد مواضيع معينة تخص كل قطاع حكومي على جدة من أجل مناقشته أمام اللجن البرلمانية المختصة.

واعتبر مكتب مجلس النواب في وقت سابق، أن الدستور يخول لرئيس الحكومة حصريًا عرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، كما أبرز أن الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة تقدم أمام البرلمان بمجلسيه وليس أمام اللجان الدائمة. وبرر مكتب المجلس رفض الطلبات المذكورة بأن الدستور حدد الجهات التي تملك المُبادرة لعرض رئيس الحكومة الحصيلة المرحلية، وذلك إما بمبادرة من رئيس الحكومة، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.

أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أكد في تصريح لـ”العمق”، أن الأصل العام في دستور 2011، هو أن البرلمان يمارس السلطة التشريعية، ويصوت على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية، ذلك أن الذي يؤطر العلاقة بين البرلمان والحكومة هو مبدأ المسائلة الحكومية، سواء تعلق الأمر بالأسئلة بصيغها المتعددة ( الشفهية – الكتابية – الأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة)، أو مناقشة البرنامج الحكومي والتصويت عليه من قبل مجلس النواب أو مناقشة الحصيلة المرحلية أوتقارير لجان تقصي الحقائق أو مناقشة ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب والتصويت عليه”.

وأشار إلى أن فلسفة دستور 2011 تؤسس لمبدأ توسيع دائرة المساءلة الحكومية من قبل البرلمان باعتباره يمثل الإدارة الشعبية، بغض النظر عن التداخل والتقاطع بين المراقبة والتقييم، مشيرا إلى أنه  يطرح سؤال مركزي حول التفعيل السليم والكامل لهذا المبدأ الدستوري الذي يعزز فكرة الحكومة السياسية المنتخبة المدافعة عن برنامجها السياسي، وهو ما يعني توسيع دائرة وقنوات المراقبة والتقييم من قبل البرلمان”.

المنهجية الديمقراطية

ولفت أستاذ القانون الدستوري بجامعة فاس، إلى أن الدستور منح رئيس الحكومة بشكل حصري عرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، نظرا لأن هذا الأخير يعكس جوهر المنهجية الديمقراطية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 47، التي تنص على أن” الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”.

وهو نفس التوجه الذي رسمه خطاب 17 يونيو 2011، يقول الأستاذ الجامعي، حيث ورده فيه “كما تم التنصيص على تقديم رئيس الحكومة لعرض مرحلي حول العمل الحكومي، وإجابته على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، وكذا تخفيض النصاب القانوني لتقديم ملتمس الرقابة، وتكوين لجان تقصي الحقائق، وإحالة مشاريع القوانين على المحكمة الدستورية، وكذا تمكين اللجان البرلمانية من صلاحية مساءلة المسؤولين عن الإدارات والمؤسسات العمومية، تحت مسؤولية الوزراء المعنيين”.

ووفقا لقاعدة توازي الشكليات، أوضح أمين السعيد، أنه ” مادام رئيس الحكومة يمثل حكومته في عرض البرنامج الحكومي، فإن المشرع خصه بتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان بمجلسيه”، مضيفا أن المشرع حدد على سبيل الحصر والتعداد الحالات التي يعقد البرلمان جلساته مشتركة بمجلسيه، ومن بينها تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة، حيث حدد المشرع الدستوري بشكل دقيق الأطراف التي تملك مبادرة طلب عقد الحصيلة المرحلية، ويتعلق الأمر بمبادرة رئيس الحكومة، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.

الترابط الدستوري

وفيما يتعلق بعلاقة الحكومة باللجان، سجل أستاذ القانون الدستوري، أن  الدستور بالإضافة إلى الوظيفة التشريعية لهذه اللجان، فإنه لا يمنع بشكل صريح من أن تقوم اللجان بالدور الرقابي استنادا لمبدأ المساءلة الحكومية، ويتعين في هذا المضمار فهم روح الفصل 93 من الدستور الذي ورد فيه أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي، “يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك، ويمكن للوزراء أن يفوضوا جزءا من اختصاصاتهم لكتاب الدولة”.

ومن باب الترابط الدستوري، أشار الأستاذ الجامعي، إلى أن الفصل 102 من الدستور، ينص على أنه “يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء التابعين لهم، وتحت مسؤوليتهم”، مسجلا أن هذا الترابط، شكل خلفية ناظمة لبعض فرق البرلمان المناصرة لفكرة تمطيط خانة التقييم ليشمل اللجان البرلمانية؟

وذكر أمين السعيد، بتصريح المجلس الدستوري في القرار رقم 829/12 بشأن النظام الداخلي لمجلس النواب (12 يناير 2012)، بأن  الفقرة الثانية من الفصل 101 من الدستور تنص على تخصيص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، مما يستفاد منه أن مناقشة السياسات العمومية وتقييمها يتم من قبل مجلسي البرلمان في جلسات عمومية تعقد في نفس الفترة وليس في نطاق اللجان البرلمانية الدائمة، مما يكون معه ما تتضمنه هذه المادة من إمكان تقييم السياسات العمومية في إطار اللجان الدائمة مخالفا للدستور”.

وأوضح أستاذ القانون الدستوري بجامعة فاس، أنه يستبطن بشكل جلي أن بلورة هذا التوجه الدستوري من خلال تأويل القضاء الدستوري، تَكرّسَ في المادة 248 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي ورد فيها، أن “رئيس الحكومة يعرض الحصيلة المرحلية أمام البرلمان ويرأس الاجتماع المشترك رئيس مجلس النواب، ويحضر إلى جانبه رئيس مجلس المستشارين”.

تقوية وظائف البرلمان

ويرى أمين السعيد، أنه بغض النظر عن سياق وضع النظام الداخلي والتقدير السائد وكذلك القناعات المتحكمة في القضاء الدستوري، فإن ذلك لا يمنع من تقوية وظيفة اللجان انطلاقا من مبدأ المساءلة المستند بالفصلين 67 و102 من الدستور، مستحضرا مضمون الرسالة الملكية بمناسبة تخليد الذكرى 50 لإحداث البرلمان في المغرب، التي جاء فيها أنه “لا يخفى عليكم أن برلمانا، بهذه المواصفات، مدعو لأن يعمل على تحديث أساليب وطرق عمله، ليكون أكثر فاعلية في تنظيمه وأكثر نجاعة في القيام بهمامه التشريعية والرقابية وفي مجال تقييم السياسات العمومية، حيث أقر الدستور، لأول مرة، هذه المهام لصالح البرلمان. وهو ما يجعل المؤسسة البرلمانية مدعوة إلى إدماج هذه الوظيفة الجديدة في مختلف الصلاحيات التي تتوفر عليها وإلى تفعيلها عن طريق الآليات الموضوعة دستوريا رهن إشارتها.”

وشدد أستاذ القانون الدستوري، على ضرورة التفكير في تجديد وتطوير وحسن تفعيل الوظائف الدستورية للبرلمان على مستوى النظام الداخلي، والبحث عن صيغ متقدمة لإدماج المساءلة وتقويتها داخل اللجان، وأن يشمل ذلك الحصيلة القطاعية للوزراء، كل في مجاله واختصاصه، معتبرا في السياق ذاته، أن مناقشة الحصيلة القطاعية لا تتعارض مع الحصيلة العامة التي يقدمها رئيس الحكومة.

ولفت أمين السعيد إلى أن المشروع المغربي، يتوفر على تقاليد وتجربة قوية على مستوى النظام الداخلي، حيث استطاع أن يدعم العديد من الوظائف والصلاحيات ويدققها دون أن يتعارض مع ما هو مرسوم في الدستور، ومن ذلك مسألة التعهدات الحكومية ومتابعتها التي تعد من الصيغ الجديدة التي استحدتها النظام الداخلي وأجازها القضاء الدستوري، مسجلا أنه بعيدا عن التوتر السياسي الذي يطبع علاقة الحكومة بالمعارضة، ينبغي أن يتم استحضار فلسفة دستور 2011 التي تهدف إلى تقوية البرلمان،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Khadija Khchich
    منذ يومين

    تحليل رائع للأستاذ الفاضل أمين السعيد ، جزاه الله خيرا على كل هذه المعلومات والمعطيات القيمة.