سياسة

بين حماية التراث وترحيل الاستثمار.. تراجع مجلس مراكش عن هدم بناية تاريخية يثير جدلا

كشف قرار المجلس الجماعي لمراكش عن توقيف عملية هدم فيلا “لوسين”، وهي بناية تاريخية وسط حي جليز، قلب المدينة الحمراء، بعد منحه جميع التراخيص، (كشف) مدى تخبط وارتجالية التدبير المحلي لمجلس المنصوري، مخلفا استهجانا واسعا لدى الرأي العام المراكشي.

واختلفت ردود الفعل حول الموضوع، بين فئة رأت في قرار توقيف الهدم الذي يهدف من خلاله أحد المستثمرين إلى تشييد عمارة بطابع عصري واجهته زجاجية، وبين فئة رأت في القرار حماية للموروث الثقافي لمدينة وزيرة التعمير والإسكان.

فيما نبه آخرون إلى أن سحب رخصة البناء من المستثمر -في حالة حدوثها- قرار “غير قانوني” وسيتسبب في ترحيل الاستثمار من المدينة التي تعيش “واقعا اقتصاديا مرا”.

فاطمة الزهراء المنصوري، عمدة المدينة ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، قالت أمام مجلس المستشارين، يوم الثلاثاء 25 يونيو 2024: “إن أحد المنعشين العقاريين بمدينة مراكش أراد هدم إحدى البنايات، هذا من حقه لكن لا يمكن من جهتنا رهن تاريخ مدينة مراكش أو غيرها من المدن التاريخية إذا لم يكن مصنفا”.

التملك والاستثمار حق دستوري.. لكن

هشام أيت لحسن، الكاتب العام لمؤسسة جليز، وهي الهيئة المدنية التي طالبت عمدة مدينة مراكش بتوقيف عملية الهدم، قال إن قناعة المؤسسة تؤمن بحق الأشخاص في التملك والاستثمار، باعتباره حقا دستوريا لا يمكن لأي جهة أن تحرم أي مغربي أو مغربية منه.

وأضاف أيت لحسن، في تصريح لجريدة “العمق”، أنه انطلاقا من هذا الحق الدستوري، فإن للملاك حق تملك عقارهم، ونحن أيضا مع الاسثتمار ومع انتعاشة المدينة من خلال إنجاز مشاريع ذات طابع اقتصادي وتجاري، من شأنه أن يخلق فرص عمل لأبناء المدينة.

أما بخصوص فيلا “لوسين”، يتابع أيت لحسن القول، بأن مؤسسة جليز ليست ضد صاحب العقار وليست ضد تشييد بناية تجارية، موردا أن مطلب المؤسسة هو “الحفاظ وتثمين الشكل الهندسي لهذه البناية التي يتجاوز عمرها 125 سنة، والذي يمزج بين الحضارة الإسلامية والبناء المعماري الفرنسي”، على حد تعبيره.

وتابع المتحدث في حديثه لـ”العمق” أن الذاكرة المراكشية ترى في هذا العقار “مركزا وصورة للتعايش وتلاقح الديانات عبر عقود وقرون من الزمن”. وبدلا من هدم هذه البناية قال أيت لحسن، إن هناك دائما بدائل تعميرية، يجب أن يجتهد فيها المهندس المعماري لصاحب العقار، من أجل الحفاظ على رمزية هذه الواجهة”.

استحسان قرار توقيف الهدم

وعبر هشام أيت لحسن في تصريحه لـ”العمق”، عن تلقي مؤسسة جليز باستحسان تفاعل وتجاوب المجلس الجماعي لمراكش بسرعة مع طلب وقف هدم البناية، مشيرا إلى أنه لا يمكنه التعليق على مدى صوابية القرار من عدمه، لأن المؤسسة لم تطلع على الملف القانوني للمستثمر والمساطر والوثائق الإدارية.

وتعد مؤسسة جليز إطارا مدنيا يهتم بالدفاع وتثمين وحماية الموروث المعماري في مدينة مراكش، خاصة في حي جليز، الحي الأوروبي الذي شيد بين سنة 1912 و1960.

في هذا الإطار، قال أيت لحسن إن ما جعلهم يتشبثون بإيقاف أشغال هدم فيلا “لوسين”، هو أن المؤسسة سبق وضعت طلبا لتسجيل هذه البناية ضمن المآثر التاريخية على مستوى المدينة.

الافتخار بالتراث الاستعماري

وردا على من يعيب على مؤسسة جليز الاهتمام بالمآثر التاريخية الكولونيالية والحفاظ على التراث المرتبط بحقبة الاستعمار في المغرب، يشير أيت لحسن إلى أن هناك نماذج في دول عديدة حافظت على البنايات التي تضم رمزية حقبة من الزمن الذي عاشته، و”خير دليل ما قامت به إسبانيا، في حفاظها على التراث الأندلسي المعماري، حيث فتحت المآثر التاريخية أمام الزوار والسياح، وتستفيد منه اقتصاديا وثقافيا”.

واعتبر المتحدث أن الدفاع على بنايات تاريخية تعود لحقبة زمنية معنية “لا يعني الدفاع على المستعمر”، بل الهدف منها هو “حفظ وحماية الذاكرة الجماعية للمغاربة، ذاكرة متعلقة بحقبة من الزمن حتى يتم تناقلها بين الأجيال”.

“يرعب المستثمرين”

من جهته قال الناشط الحقوقي بمراكش، محمد الهروالي، إن ما قام به المجلس الجماعي بعد توقيف مسار الهدم الذي يراد بعد تشييد عمارة تجارية “سيرعب” المستثمرين الذين ينوون الاستثمار في مدينة مراكش.

كما ذهب الهروالي، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى القول بـ”عدم معقولية سحب رخصة إدارية بعد منحها وإنهاء جميع الإجراءات القانونية، بما فيها الوكالة الحضرية المشرفة على التعمير”.

وأضاف الهروالي، أن المسؤولين بمراكش “لا ينتبهون إلى الوضع الاقتصادي لمراكش الذي وصل درجات خطيرة وحاجته الملحة للاستثمار، وزادوا ممارسات من شأنها أن تخيف المستثمرين وتجعلهم ينقلون استثماراتهم لمدن أخرى”.

وفي حالة سحب المجلس الجماعي الرخصة من المستثمر، من سيقوم بتعويضه؟ وهل سيعوض من المال العام وجيوب المواطنين؟ وهل سيتم تعويضه بالمبالغ المالية التي استثمرها أم بالأرباح التي كان ينوي تحقيقها من هذا المشروع؟ يتساءل المتحدث.

وقال الناشط الحقوقي إن المجلس الجماعي لماركش يتخذ “قرارات خطيرة دون أن يأبه للرأي العام، كسحب رخصة من مستثمر وبيع عقارات باسم المجلس وغيرها من القرارات التي لا نجد لها أية توضيحات، مما يضع الشارع المراكشي أمام التخمينات والإشاعات”.

وعاب المتحدث عدم تواصل المجلس الجماعي لمراكش مع الرأي العام ووسائل الإعلام لتجنب انتشار الإشاعات، متسائلا عن أدور فرق التواصل والميزانيات المرصودة في هذا الإطار.

“تضليل وخدمة مصالح ضيقة”

وعن ما يروج يخصوص كون فيلا “لوسين” بناية تاريخية يهودية، اعتبره الهروالي “تضليلا للرأي العام لخدمة مآرب شخصية باسم حماية التراث”، مشيرا إلى أن هذه البناية لا تندرج ضمن التراث الوطني لأنها غير مصنفة من طرف وزارة الثقافة القطاع المخول له ذلك.

كما رجّح الهروالي أن يكون المجلس الجماعي لمراكش قد “طالب المستثمر بوقف عملية الهدم إلى حين التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، ولم يقم بسحب الرخصة”، مستدركا بالقول: “أما إذا قام المجلس بسحب الرخصة فهذه كارثة أخرى”.

وتابع الهروالي أن تداول سحب التراخيص للمستثمر “يراد به باطل وغاياته غير مفهومة وتنطوي على أسباب غير مفهومة”، مضيفا أن “مراجعة القرارات الإداري وسحبها يجب أن تكون معللة ومبنية على أسباب واقعية وجيهة لا تجافي القانون”.

كما عبر الناشط الحقوقي عن تخوفه من أن يكون المستثمر تصادم مع أهواء أشخاص لهم مصلحة شخصية ويرمون للحيلولة دون تنفيذ هذا المشروع لغرض في نفس يعقوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *