مجتمع

مجلس بوعياش يرصد الاختلالات الحقوقية بالمغرب في 2023 .. الإعدام والتعذيب والمس بالتعليم والصحة

قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي لعام 2023، الذي يقيّم الوضعية الحقوقية في المغرب ويرصد الاختلالات التي شهدتها السنة المنصرمة، خاصة المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

يقدم هذا التقرير السنوي، الذي يتجاوز 340 صفحة، الخامس خلال الولاية الحالية للمجلس، والمعنون بـ “إرساء دعائم نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، تحليلاً وتقييماً لحالة حقوق الإنسان في المغرب، فضلاً عن تدخلات المجلس ذات الصلة بالحماية والنهوض والوقاية من الانتهاكات.

يرصد هذا التقرير معطيات تتعلق بـ 21 حقًا موضوعاتيًا و 5 حقوق فئوية إلى جانب حقوق النساء والفتيات، باعتماد مقاربة تشاركية، وذلك انطلاقاً من رصده للعديد من أشكال تفاعل السلطات العمومية ومختلف المؤسسات مع عناصر السياق الوطني والدولي.

وسجل المجلس ملامح أساسية من خلال العلاقة المركبة بين الفرص التي تتيحها بعض أوراش الإصلاح لإنجاح جهود بناء نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتحديات التي يفرضها تحول بعض الأزمات والمخاطر إلى إكراهات بنيوية ضاغطة، والانتظارات التي تغذيها بعض القضايا المجتمعية ذات الصلة بحماية الحقوق الأساسية.

اختلالات حقوقية

سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان مجموعة من الاختلالات في الوضعية الحقوقية بالمغرب سنة 2023، بداية باستمرار إصدار أحكام بعقوبة الإعدام، التي بلغت 83 حكماً، منهم 81 حكماً نهائياً، رغم التنصيص الدستوري على الحق في الحياة وعدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص.

وأبرز المجلس أيضاً تزايد عدد الشكايات والطلبات، حيث توصل المجلس وآلياته الوطنية ولجانه الجهوية بـ 3318 شكاية، منها 280 شكاية من نساء أو فتيات ضحايا العنف، و276 شكاية تهم حقوق المهاجرين، وارتفاع وتيرة لجوء الأفراد والمجموعات إلى التشكي لدى اللجان الجهوية كآليات انتصاف على المستوى المحلي.

كما نبه المجلس إلى تزايد نسبة الشكايات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كمؤشر على حجم التحديات التي يواجهها الأفراد في الولوج إلى الخدمات الأساسية المرتبطة بهذه الحقوق، وتزايد الشكايات المتعلقة بالحق في بيئة نظيفة ومستدامة والحق في الماء، وهو ما يمكن تفسيره بالأوضاع الصعبة المرتبطة بحالة الإجهاد المائي غير المسبوق الذي عرفته البلاد منذ سنة 2022 وتواصل سنة 2023، حسب التقرير ذاته.

واستنكر التقرير السنوي اتساع مجالات الشكايات المتعلقة بالمس بالحياة الشخصية، وهو ما يعكسه تزايد لجوء المواطنين إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره آلية انتصاف غير قضائية. ويؤكد، وفق التقرير، الطابع الاستعجالي لتعزيز دينامية الإصلاح الجاري من أجل قضاء عادل ونزيه وفعال.

وسجل المصدر ذاته 249 حالة وفاة في أماكن الحرمان من الحرية، و1357 حالة إشعار بالإضراب عن الطعام حسب معطيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فيما قام المجلس ولجانه الجهوية بـ 285 زيارة لمؤسسات سجنية أعدت بشأنها تقارير مشفوعة بتوصيات لضمان حقوق النزلاء والنزيلات، وأحيلت على الجهات المختصة.

كما تلقى المجلس ولجانه الجهوية، حسب التقرير ذاته، 3 شكايات يدعي أصحابها تعرضهم للتعذيب، مؤكداً أن المجلس حرص على متابعتها حيث تم إخضاعها للتحقيق وتم اتخاذ الإجراءات الإدارية في انتظار إصدار الأحكام. كما توصل المجلس ولجانه الجهوية بـ 149 شكاية تتعلق بادعاءات سوء المعاملة، مشيراً إلى أنه بعد التحري والزيارات خلص إلى أن أغلبها لا تتوفر فيها عناصر تعريف التعذيب أو المعاملة القاسية بل تهم خلافات بين المعتقلين نتيجة الاكتظاظ باعتباره يمس التمتع بالحقوق.

كما رصد المجلس 600 تظاهرة عمومية من 11086 تظاهرة وتجمعاً بالشارع العام همت الاحتجاج على ارتفاع الأسعار ومساندة فلسطين واحتجاج موظفي التعليم. كما استنكر التحديات التي تحول دون تطور الفعل الجمعوي، ومنها ما هو إداري مرتبط بالممارسات الصادرة عن بعض الموظفين الإداريين، إضافة إلى استمرار بعض العراقيل التي تعيق أحياناً عملية تأسيس الجمعيات أو تجديد هياكلها أو استغلال القاعات العمومية لتنظيم أنشطتها.

ورصد المجلس هذه السنة عبر لجانه الجهوية خمس قضايا تهم متابعات قضائية ذات صلة بالحياة الخاصة ضد أربعة مدونين بسبب نشر أخبار أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد معالجة 280 شكاية خاصة بالنساء والفتيات ضحايا العنف خلال سنة 2023، فضلاً عن متابعة المجلس ولجانه الجهوية لنزاعات معروضة على القضاء.

وبلغ عدد قضايا الاتجار بالبشر المعروضة على القضاء سنة 2023 ما مجموعه 110 قضية، مؤكداً مواكبة المجلس دينامية تداول الرأي العام لقضايا مجتمعية مرتبطة بالحقوق والحريات سواء في الفضاء الواقعي أو الافتراضي، والتي تعكس تحولات في تعاطيه لقضايا ضاغطة ومسائلته للمقتضيات القانونية ذات الصلة لحماية الأفراد في ممارستهم حقوقهم وفي سلامتهم الجسدية، والتي تحد من فعالية النظام الوطني في مجال الحماية.

وسجل المجلس ردود فعل العاملين بقطاع التعليم على مقتضيات النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية والمستجدات التي جاء بها، وما نتج عن ذلك من وقفات احتجاجية ومسيرات على المستويين الوطني والجهوي، والذي أدى إلى توقف الدراسة في القطاع العمومي لاثني عشر أسبوعاً.

واستنكر المجلس انتشار أخبار زائفة خلال الزلزال، حيث أصبح من الصعب على الأفراد التمييز بين الصحيح منها والزائف، مما أدى إلى ترويع المواطنين وبث الرعب والهلع في صفوفهم. مشيراً إلى أن عدد الشكايات التي وردت على الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة خلال سنة 2023 ما مجموعه 32 شكاية وطلباً.

تطور الوضع الحقوقي بالمغرب

سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان تطور الوضع الحقوقي بالمغرب من سنة لأخرى على ضوء مجموعة من المؤشرات لتوجه جديد للسياسة العامة للدولة يروم إعادة ترتيب أولويات الفعل العمومي بما يسمح بالاستجابة لتحديات المرحلة، وعلى رأسها تعزيز ضمانات فعلية للحقوق.

ورصد المجلس مجموعة من النقاط الإيجابية، مثل دخول العديد من أوراش الإصلاح، على المستوى الوطني، مراحل متقدمة في تنفيذها، برهانات كبيرة لتعزيز ضمانات الولوج الفعلي للحقوق الأساسية لشرائح واسعة، مع استكمال تنفيذ ورش الحماية الاجتماعية وفق الأجندة المحددة، وهو ما يتجلى في إطلاق برنامج الدعم المباشر للأسر.

كما نوه المجلس بمواصلة عملية تعميم التعويضات العائلية، تنفيذاً لبرنامج إعادة بناء النظام الصحي الوطني لتعزيز الولوج إلى الحق في الصحة للجميع، مع إطلاق مبادرات جديدة تروم تيسير الولوج إلى الحق في السكن اللائق، ومواصلة إصلاح النظام الجبائي الوطني، من خلال الإصلاحات التي عرفتها الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما من شأنه المساهمة في تعزيز تمويل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

إلى ذلك، أشادت رئيسة المجلس، آمنة بوعياش، بالتدخل الاستعجالي والسرعة والفاعلية بعد أقل من 24 ساعة على زلزال الحوز الذي خلف وفاة 2946 مواطناً ومواطنة وجرح 5674، وتداعياته السلبية على الحقوق الأساسية في 169 جماعة فيما يخص الحق في التعليم والصحة والسكن، منوهة بالسرعة في إنقاذ الأرواح وإسكان المتضررين وعلاج الجرحى وتعبئة المجتمع بكل فاعليه ومنح صفة مكفولي الأمة للأطفال اليتامى.

ومن بين النقاط الإيجابية سنة 2023، حسب المجلس، إطلاق ورش تعديل مدونة الأسرة، الذي لا يقتصر تأثيره، على حد قول بوعياش، على تعزيز الوضع القانوني للنساء والفتيات، بل ستكون له انعكاسات على حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء والفتيات والأطفال كذلك، معتبرة أن المدونة جزء من النظام الوطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

دعائم حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

أوضحت آمنة بوعياش أن اختيار “إرساء دعائم نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، كعنوان للتقرير السنوي هو انعكاس لعملية تركيب لمجمل ما رصده المجلس من مشاريع ومبادرات وبرامج في إطار متابعته للسياسات العمومية من زاوية المقاربة القائمة على حقوق الإنسان.

كما جاء هذا الاختيار، حسب بوعياش، تبعاً لما سجله المجلس من إشكاليات وعوائق واختلالات، مشيرة إلى أنه جرى تكثيف كل هذه العناصر وتحليلها انطلاقاً من الإطار المرجعي لعمل المجلس، وخاصة الالتزامات الدولية للمملكة والمقتضيات الدستورية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وعلى ضوء التحديات المرتبطة بالسياق العام وطنياً ودولياً، وهو ما يسمح ببناء العنوان التركيبي للتقرير السنوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *