وجهة نظر

بنعباد يكتب .. “هم” و”نحن” في معركة البناء الديمقراطي

استعمل المفكر عبد الله العروي في “خواطر الصباح”، ضمير “الغائب” بصيغة “الجمع” عند حديثه عن أولئك الذين يخيفون الملك من الأحزاب السياسية، “هم” خوفوا الحسن الثاني من الأحزاب السياسية، خاصة اليسارية، هذه الـ”هم” ستتكرر في عهد محمد السادس، “هم” خوفوا الملك الجديد من الأحزاب السياسية، كما خوفوه من عبد الرحمن اليوسفي.

يقول العروي كذلك إن هؤلاء الـ”هم” طالما “استدرجوا” الملك الجديد إلى مواجهة مباشرة مع الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي، ويقدم أمثلة على “الاستدراج” إلى المواجهة كـ”تعيين إدريس جطو وزيرا للداخلية”، و”لقاء حول تنشيط الاقتصاد”، حضر فيه عدد من الوزراء، وتم تغييب الوزير الأول ـ اليوسفي ـ منه “عمدا”.

كتب العروي أن اليوسفي كان يتفادى “الاستدراج” باللجوء إلى “الصمت”. في المحصلة التي حكاها التاريخ أن اليوسفي تمت التضحية به رغم “صمته”، قد نختلف في الجواب هل كان مطلوبا من اليوسفي مواجهة الملك؟ لكن حتما كان مطلوبا منه عدم “الصمت”.

قد يكون بن كيران قد انتبه لهذا الخطأ، وتفادى الوقوع في شراك هذه الثنائية (استدراج/صمت)، وكرر على مسامعنا قراءة العروي نفسها، فهو أيضا يتحدث عن الـ”هم” أو “هم” آخرون أنفسهم، لا يهم إن كانوا قدامى أو جددا، فـ”هم” يقومون بالوظيفة نفسها، يخوفون الملك من شعبه، ويخوفون الملك من ممثلي الشعب وأطيافه، ويخوفونه من الأحزاب السياسية.

بن كيران أخبرنا ـ قبل صدور الجزء الرابع من خواطر العروي ـ على الأقل، أنه ما جاء لـ”يواجه” الملك، أو بتعبير أدق لن يقبل “الاستدراج” إلى مواجهة مع الملك، ويعلن في كل مرة أن “الوسطاء” يحاولون استدراجه للمواجهة، ويهاجم هؤلاء الوسطاء بلا تردد.

“التحكم” كما يناضل ضده بن كيران ليس “خرافة”، كما يقولون، وليس هو الملك، كما يذهبون، التحكم هم أولئك الـ”هم” الذين تحدث عنهم العروي، ولم يقدم لهم تعريفا، كما تحدث قبله “الجابري”، وقبلهم “بن بركة”.. وانضم إليهم الأستاذ اليوسفي بعد مغادرة الحكومة، في خطاب بروكسيل.

على أعتاب الانتخابات ينقدح السؤال ماذا يريد الـ”هم”؟ وماذا نريد (نحن)؟ ومن نحن؟ لذلك فالجدل المثار حاليا حول “انفتاح” العدالة والتنمية وترشيحه لـ”الأغيار”، القادمين من خارج “أيديولوجيته” و”ثقافته”، يجب أن يتموضع ضمن هذه الثنائية الصراعية “هم” و”نحن”، وعندها سنكون في طريقنا إلى الجواب الأقرب إلى الصواب.

فعند قراءة المشهد، نجد “هم” يريدون أن يظهر العدالة والتنمية “وحده” في مواجهة التحكم وأداوته، هذه رغبتـ”هم”، يريدونه بعيدا عن “المجتمع”، بعيدا عن “الساسة”، بعيدا عن “المثقفين”، بعيدا عن “النشطاء”، بعيدا عن “الدعاة”، بعيدا عن “العلماء”، بعيدا عن “المفكرين”، بعيدا عن “الرموز الوطنية”، بعيدا عن “الحركة الوطنية”.. يريدونه جملا “أجرب” تفر المخلوقات منه، ثم يحذرون “الغافلين” من الاقتراب منه في مرحلة ثانية، ومن ثم “يعزلونه” في الثالثة، ثم يسهل “القضاء” عليه.

أولم يقولوا إن “التحكم” خرافة لا وجود لها؟، بدليل أنه “وحده” من يصارعه، وهم اليوم يقولون إن “التحكم” ليس خصما لأحد، بل طريقة تدبير الدولة لشؤونها، والحزب “وحده” من يرفض هذا المنطق الذي بنيت عليه الدولة وتسير عليه الأمور.. يقولون أشياء كثيرة لكنهم يصرون دوما على القول إن العدالة والتنمية “وحده” من له مشكل مع كل هذا.

في حمأة هجوم الـ”هم” على من يصورونه “وحده”، تظهر ضمائر وأصوات تتطور بشكل يومي ومطرد، تقول كلام الحزب نفسه وتعلن أنه ليس “وحده”، بل الأمر قناعة عامة، بل هو مسار التطور الذي لا محيد عنه، وثقافة ديمقراطية صنعتها الحركة الوطنية، ومشعلا تناقلت الأجيال وصولا إلى العدالة والتنمية، والتاريخ لم يتوقف بعد.

في غمرة المعركة يعلن كثيرون أنهم خصوم لـ”هم”، أو ضحايا لـ”هم”، أو يرون فيـ”هم” خطرا على المستقبل، ويدعون إلى التعاون ضد”هم”، ولم لا التحالف لمواجهتـ”هم”.

ضحايا”هم” ومعارضو”هم” يؤمنون أن المستقبل يصنعه تحالف المظلومين الخيرين العالمين العاملين الصامدين في الميادين على المبادئ، المنشغلين بتوسيع دائرة الرافضين لتحكمـ”هم”، فلا معنى لبناء مستقبل بلد ديموقراطي أن يقوم به حزب أو تيار”وحده”، الوطن للجميع والبناء الديموقراطي مسؤولية جماعية، تبدأ من محاصرتـ”هم”، وفضحـ”هم”، وتحرير الدولة من تسلطـ”هم” وسلطويتـ”هم”، وهذه طريقنا الوحيدة للوصول إلى المنافسة التعددية الشريفة وإلى “حاكمية” صناديق الاقتراع.

كاتب صحافي