دعم السكن.. المعارضة تنتقد “الشروط التعجيزية” وترفض المساطر المعقدة وإقصاء القرى

انتقدت المعارضة البرلمانية ما وصفها بـ”الشروط التعجيزية” التي أقرتها الحكومة للاستفادة من الدعم المباشر للسكن، مستنكرة “إقصاء” العالم القروي وسكان الجبال من هذا البرنامج، واستمرار اعتماد المساطر الإدارية المعقدة في هذا الصدد.
جاء ذلك في مداخلات لفرق المعارضة البرلمانية، خلال جلسة الأسئلة الشهرية بمجلس النواب المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة، مساء اليوم الإثنين، حول موضوع “سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية المجالية والاجتماعية”.
وشددت فرق المعارضة على ضرورة الشروع في الانتقال إلى جيل جديد من وثائق التعمير، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البناء في العالم القروي والمراكز الصاعدة والمناطق الجبلية، وتقطع مع الطابع الجامد والتعقيدات المسطرية المتواصل منذ عقود طويلة في هذا المجال.
شروط تعجيزية
محمد أوزين، البرلماني والأمين العام لحزب الحركة الشعبية، انتقد بشدة ما أسماها “الشروط التعجيزية” للاستفادة من دعم السكن المباشر، مشيرًا إلى أن تلك الشروط تعني حرمان العالم القروي والجبلي بشكل كلي من البرنامج.
وتساءل أوزين في كلمته باسم الفريق الحركي، قائلاً: “ماذا يعني شرط الغرفتين؟ ولماذا شرط حصول السكن على رخصة 1 يناير 2023؟ وإتمام البيع النهائي في أجل شهر؟”.
وأضاف: “هل المساطر الإدارية بالمغرب المطبوعة بالسلحفاتية تحترم هذا الأجل؟ علما أن المواطنين يعانون مع الأبناك التي لا تتوفر على رؤية واضحة لكيفية منح القرض ونسبة الفائدة”.
وأشار أوزين إلى أنه خلال 6 أشهر من انطلاق هذا البرنامج، بلغ عدد المستفيدين 16 ألف شخص من أصل 86 ألف طلب، بنسبة هزيلة لا تتجاوز 19 في المائة، وفق تعبيره.
وأوضح أن غالبية المستفيدين يتمركزون في المدن، كفاس بـ2700 وبرشيد بـ2225، مقابل مستفيد واحد في كل من زاكورة وجرادة وتوريرت وبولمان والفحص أنجرة، معتبرًا أنها “أرقام ناطقة تكشف الطابع المديني لهذا البرنامج”.
إقصاء القرى والجبال
في نفس السياق، طالب أوزين من رئيس الحكومة كشف نسب الاستفادة من دعم السكن في العالم القروي، وهل يوجد مواطن واحد في جماعة قروية أو جبلية استفاد من هذا الدعم.
وتساءل قائلًا: “أين تصنفون السكن في المناطق القروية والجبلية؟”، مضيفًا أن “القرى والجبل ظلت في عهد حكومتكم كما في الحكومات السابقة، خارج كل البرامج المدعمة من طرف الدولة في مجال السكن، فلا هي استفادت من السكن الاجتماعي ولا الاقتصادي ولا سكن الطبقة المتوسطة، وها هي تجد نفسها خارج برنامج دعم السكن المباشر”.
وكشف المتحدث أن 70 في المائة من المستفيدين يتمركزون في 3 جهات ضمن محور البيضاء-طنجة، مشيرًا إلى أنه حتى في برنامج القضاء على السكن الصفيحي المعلن مؤخرا، كان الإقصاء هو نصيب القرية والجبل وكأنه قدر ولا حظ لهما، وفق تعبيره.
ويرى أوزين أن “برنامج مدن بدون صفيح قديم ويتجدد مع كل حكومة، ومعها يتجدد التعثر لكون مدن الصفيح هي هجرة من هوامش المدن والقرى والجبال نحو المدن”.
واعتبر أن “الحل ليس هو ترحيل الساكنة نحو سكن آخر أو بناء دور أخرى، بل بناء مجتمع قروي مستقر”، مشددًا على أنه “لا يمكن اعتماد برنامج سكنى لهذه المعظلة في غياب أسباب الاستقرار المجتمعي القروي والجبلي، خاصة في ظل غياب فرص الشغل المرتبطة بالجفاف والهجرة المناخية الناجمة عن أزمة الماء”.
وتابع قوله: “يكفي الرجوع إلى الثمانينيات للوقوف على أسباب موجة ظهور مدن الصفيح، أي بسبب الجفاف، ومع ذلك لا نستخلص الدروس ونصر على إنتاج ما سبق”.
وبنفس المقاربة، يضيف المتحدث، يتم تمدين القرى وترييف المدن، القرى يتم ربطها بالماء والكهرباء في غياب بدائل اقتصادية واجتماعية للعيش والاستقرار، وفيما ترييف المدن يتم بفعل الهجرة لتصبح المدينة بمثابة قرية كبيرة، معتبرًا أن السياسة المطلوبة هي التوازن بين تنمية الإنسان وتنمية المجال.
المساطر المعقدة
وفي الوقت الذي اعتبر أن هناك مجهودًا كبيرًا يتم، أشار أوزين إلى أن 117 ألف أسرة لم تستفد من برنامج مدن بدون صفيح، أي أكثر من نصف مليون مغربي في حال كان معدل كل أسرة هو 4 أشخاص.
وأوضح أن “قانون التعمير لا يميز بين القروي والحضري، ونحن ضد البناء العشوائي في القرية، لكن هل يُعقل أن يُخضع مواطن قروي أراد بناء كوري في الجبل فقط لحماية ماشيته، لتعقيدات مسطرية ويتم هدمه؟”.
وطالب البرلماني ذاته بتبسيط مسطرة البناء في العالم القروي، وإحداث وكالة قروية للتعمير لمواكبة مشاريع التعمير والمشاريع الصاعدة في العالم القروي، مشيرًا إلى أنه من أصل 77 مركزًا صاعدًا، تم تأهيل 11 فقط، بمعدل إنجاز مقلق يبلغ 14 في المائة.
في هذا الإطار، تساءل أوزين قائلًا: “هل من المعقول بناء مؤسسات عمومية إسوة بالمعمار الأوروبي؟ أين المعمار الوطني العريق؟ وكيف يمكن تشجيع المهن المرتبطة بالبناء والسكنى؟ وأين الطابع المحلي للمدن؟”.
وأردف قائلاً: “رأينا في قطر بناء ملعب عملاق يحمل اسم الخيمة في إشارة إلى تراثها العريق، وملعب آخر يحمل بصمة الراحلة زها حديد مستوحى من الكثبان الرملية المجاورة، فلماذا التنكر لتراثنا العريق والغني والمتفرد”، معتبرًا أن خطاب الملك كان واضحًا فيما يخص ضرورة مراعاة الخصوصية الثقافية والمجالية في البناء.
المنازل الآيلة للسقوط
ويرى أوزين أن “إخفاق منظومة السكنى والتعمير بالمغرب هو حصيلة ونتاج حكومات متتالية ومتعاقبة إلى اليوم”، متسائلًا: “ما دور الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط في ظل التعويضات والتنقلات والسفريات دون أي إنجاز يُذكر لصنف هذه الوكالات”.
وتابع قائلًا: “عجزت بنايات القرى والبلدات الفقيرة عن الصمود أمام قوة الهزة الأرضية بالأطلس الكبير، لتستوي مع الأرض وتصبح شاهد عصر على تعثر مسلسل التنمية، والذي سبق أن لفتت إليه تقارير هيئات ومؤسسات رسمية منذ عقود، وهو موضوع مرتبط بإشكالية خطيرة تتصدر معضلات السكنى والتعمير، وهو السكن المتقهقر والمنازل الآيلة للسقوط التي تهدد حياة العديد من المواطنين أصبحت حياتهم آيلة للزوال لا قدر الله”.
واعتبر المتحدث أن هناك “رقما مرعبا ومزلزلا يتمثل في وجود أكثر من 700 ألف مواطن يقطنون في منازل مهددة للانهيار”، متسائلًا: “هل أمام هذا الرقم المخيف نحتاج إلى جلسة أو إلى سؤال؟ أين مخططات التصدي لهذه الظاهرة المقلقة وطي هذا الملف؟ حتى لا نتفاجأ لا قدر الله بانهيارات أخرى تطل علينا من مدن كبرى”.
وأوضح أن الوزارة الوصية مقبلة على إحداث الوكالات الجهوية للتعمير، متسائلًا عن طبيعة علاقاتها المرتقبة مع اختصاصات السلطات العمومية من الوالي والعامل والقايد وغيرهم، مضيفًا: “تخوفنا هو إعادة إنتاج الرؤية القطاعية الضيقة والعاجزة عن مواكبة روح الجهوية المتقدمة”.
وتابع قائلًا: “ما المانع من خلق أقطاب جهوية تحت إشراف الولاة في إطار تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري، بغية خلق سياسة منسجمة على المستوى الجهوي لتفادي التداخل المؤسساتي القائم والمرتبك”.
السكن اللائق
من جانبه، اعتبر رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، أن قطاع التعمير والسكنى يتعين التعاطي معه على أنه استراتيجي اقتصاديًا واجتماعيًا، باعتبار توفير السكن اللائق للمواطن يوجد في قلب المسألة الاجتماعية، ولأن السكنى مفهوم أشمل يرتبط بسياسة المدينة.
وأضاف حموني خلال مداخلته في نفس الجلسة، قائلًا: “كان لنا شرف إدخال السكن اللائق إلى حقل السياسات العمومية بالمغرب، منذ 2012. وتم في هذا الإطار إطلاق وتمويل مئات المشاريع في معظم المدن التي لا تزال تشتغل إلى اليوم بما قُدم لها من دعم مالي”.
وأشار إلى أن الركود الاقتصادي أصاب هذا القطاع في السنوات الأخيرة بسبب نهاية البرامج السكنية التي كانت تعتمد على دعم المنعشين العقاريين، وجائحة كورونا، وارتفاع أسعار المواد الأولية، مما أدى إلى انخفاض مساهمة القطاع العقاري في القيمة وفي دعم الاقتصاد الوطني.
واعتبر أن هذا الوضع “يتطلب تدابير قوية من الحكومة لدعم هذا القطاع الأساسي، بما في ذلك المقاولات الكبرى والصغرى والمتوسطة، بالإضافة إلى السكن التعاوني، أي الوداديات السكنية، لعل ذلك يُساهم في خفض نسبة البطالة التي بلغت أرقاماً قياسية في عهد هذه الحكومة”.
ويرى البرلماني ذاته أن “الدولة بذلت مجهوداً كبيراً، وأنفقت مبالغ جد باهظة على برامج القطاع. لذلك، تم تحقيق عدة نجاحات. ومع ذلك لا تزال هناك ثغرات ونقائص وسلبيات، مثل تعبئة أو تصفية الأوعية العقارية، ونقص المواكبة الاجتماعية والمرفقية. ويظل الولوج إلى التمويل والقروض بالنسبة للأسر المستضعفة أكبر التحديات”.
فرق الأرقام
وفيما يتعلق بالدعم المباشر لاقتناء السكن، أشار حموني إلى “الفرق الكبير بين الأرقام المعلنة بوجود 110 ألف أسرة سنوياً بكلفة 9.5 مليار درهم سنوياً، وبين ما هو منجز فعلاً إلى حد الآن، أي صرف ما يعادل أقل من 1 مليار درهم لفائدة 16,300 مستفيداً فعلياً، أي بنسبة فعالية لا تتجاوز 10 إلى 15% خلال نصف سنة”.
وأضاف: “توجد تدابير ضرورية عليكم اتخاذها، كحكومة، لضمان نجاح هذا البرنامج، وأساساً محاربة ظاهرة “النوار” المتنامية، وضمان إقبال المنعشين العقاريين، المتعودين على نمط دعم سابق، على إنتاج ما يلزم من عرض سكني، وخاصة السكن الاجتماعي، وتحريك الآليات والمبادرات العمومية لتوفير هذا الصنف من السكن، وفق مبدأ العدالة المجالية”.
وفي هذا الإطار، شدد المتحدث على “ضرورة الإشارة إلى معالم التغييرات الإيجابية في مؤسسة العمران، التي عليها التخلي عن مقارباتها الفاشلة في السابق، والتركيز على الإسهام في المجهود العمومي في ميدان السكن الاجتماعي، ولا سيما في المناطق النائية”.
في مجال التعمير
حموني دعا إلى “جعل التعمير ينطلق من مقاربات تنموية منفتحة وليست تقييدية، والحد من تعدد المتدخلين المتضخم؛ وإعادة تموقع الوكالات الحضرية ترابياً للتلاؤم مع الجهوية، ووظيفياً لتجميع مهن السكنى والتعمير وإعداد التراب وسياسة المدينة في وكالات جهوية موحدة ومعززة بالموارد البشرية اللازمة”.
وأضاف: “لا بد من الشروع في الانتقال إلى جيلٍ جديدٍ من وثائق التعمير، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البناء في العالم القروي والمراكز الصاعدة والمناطق الجبلية؛ وثائق تعميرية تقطع مع طابعها الجامد، بما يرفع من نسبة إنجاز المرافق العمومية المقررة فيها، وعدم إهدار العقار وتجميده”.
وشدد على ضرورة “جعل التعمير أداة مرنة لتحفيز الاستثمار، من خلال الانفتاح على التعمير بالأهداف، وعلى التعمير التفاوضي، مما يتيح مثلاً إمكانية تفاوض الهيئات العمومية المختصة مع مستثمر خاص لتمتيعه بـ R+3 عوض R+2، لكن بشرط إنجاز طريق أو مدرسة أو حديقة أو ملعب قرب أو توفير السكن مجاناً لعدد محدد من الأسر الفقيرة”.
واعتبر البرلماني أن “إشكالية التقائية التدخلات والبرامج والمشاريع العمومية، والتي غالباً ما لا يتم التدقيق في مفهومها، هي في الحقيقة يجب أن تكون تقائية زمنية وقطاعية ومجالية أو ترابية، لتفادي “بلوكاج” المشاريع أو عدم اكتمالها، بسبب الحدود الجغرافية الإدارية بين جماعات ترابية مختلفة”.
ويرى أنه “لا يمكن تحقيق هذه الالتقائيات سوى من خلال سياسة حقيقية وفعلية لإعداد التراب الوطني والجهوي”، مضيفاً: “لكن للأسف ما نشهده اليوم هو أن هذه السياسة تظل عبارة عن مخططات ودراسات وتصاميم مغيبة وموضوعة على الرفوف”.
وختم حموني قائلًا: “لذلك ما أحوجنا إلى ذلك الزخم الذي أعطته حكومة التناوب التوافقي إلى هذه السياسة. وفي الحقيقة، ما أحوجنا إلى زخم سياسي وديمقراطي وتنموي، في كل المجالات، استثماراً للفرص التي توجد اليوم بين أيدي بلادنا. فالوقت يمر ولا يرحم، وزمن الإصلاح لا يحتمل الانتظار ولا التأجيل”.
اترك تعليقاً