
أقر مجلس النواب مدونة للأخلاقيات تكتسي طابعًا ملزمًا وتشكل جزءًا لا يتجزأ من النظام الداخلي، وتتضمن بصفة خاصة المبادئ والواجبات والضوابط التي يجب على كل النائبات والنواب التقيد بها أثناء ممارستهم لمهامهم النيابية.
وصادق مجلس النواب في جلسة تشريعية، أمس الثلاثاء، بموافقة 117 نائبًا وامتناع نائبين، على مقترح تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب الذي يشمل المدونة المذكورة، كما صادقت عليه اللجنة بعد ترتيب الأثر على ضوء قرار المحكمة الدستورية رقم 209/23 واعتماد فهرسة جديدة للنظام.
في هذا السياق، يرى الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، عبد الله محمد الهندي، أن مدونة الأخلاقيات تعد خطوة هامة نحو تعزيز النزاهة والشفافية داخل المؤسسة البرلمانية المغربية، من خلال الإلزام بالامتثال لمبادئ وواجبات محددة، وتعزيز دور الرقابة والمساءلة، وبالتالي تحسين صورة البرلمان وزيادة الثقة فيه كمؤسسة تمثيلية للشعب.
وأضاف الهندي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن المدونة تكتسي طابعًا إلزاميًا، مما يعزز من قوتها القانونية. هذا الإلزام يضمن أن جميع النواب ملزمون بالامتثال لمبادئ وأحكام المدونة، مما يساهم في تعزيز النزاهة والشفافية.
وشدد المتحدث على أن التأكيد على ضرورة انتداب أحد الأعضاء من المعارضة لمتابعة تطبيق المدونة من شأنه تعزيز دور المعارضة في الرقابة والمساءلة، مما يعزز من ديمقراطية العملية البرلمانية. موضحًا أن التعديل الذي يوجب على الفرق والمجموعات النيابية وضع لوائح داخلية تعزز من التدبير الديمقراطي والمشاركة الفعالة، يشير إلى رغبة في تعزيز الممارسات الديمقراطية داخل المؤسسات البرلمانية نفسها.
وحسب نص التعديل الجديد المدرج على المادة 68 من النظام الداخلي وفق صيغته النافذة، “ينتدب مكتب مجلس النواب في مستهل كل فترة نيابية عضوين من بين أعضائه أحدهما من المعارضة للقيام بمهمة التتبع المستمر وحسن تطبيق مقتضيات مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، وذلك دون الإخلال بالمقتضيات الصريحة الموكول تطبيقها لرئيس ومكتب المجلس”.
وتقترح التعديلات الجديدة أن تضع الفرق والمجموعات النيابية لوائحها الداخلية التي تحدد على وجه الخصوص طرق التدبير الديمقراطي والمشاركة الفعالة في أنشطة وأجهزة المجلس، مع ضرورة التزام كل عضو من أعضائها بالتقيد واحترام مقتضيات مدونة الأخلاقيات المضمنة في هذا النظام الداخلي، وذلك بهدف زيادة التحسيس بأهمية التقيد باحترام مدونة الأخلاقيات.
ويعهد إلى العضوين المنتدبين من مكتب مجلس النواب بالتحقق من المخالفات التي قد يرتكبها أحد أعضاء المجلس والمحددة في هذه المدونة ويحيطان مكتب المجلس بها علمًا، إضافة إلى قيامهما بتقديم الاستشارة لمكتب المجلس وإعداد تقرير في الموضوع كل سنة تشريعية على الأقل.
ويرى أن هذه التعديلات تأتي في سياق مواجهة قضايا الفساد التي شابت البرلمان، حيث جرد القضاء الدستوري عددًا من النواب من عضويتهم بسبب تهم فساد وجرائم مالية. هذا التوجه يعكس رغبة حقيقية في مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة.
وحمل النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة حصة الأسد من حيث عدد البرلمانيين الذين جردهم القضاء الدستوري من عضوية البرلمان، بسبب متابعتهم بتهم فساد وجرائم تبديد أموال عمومية وجرائم مالية. واقتسمت فرق الأغلبية والمعارضة الممثلة في البرلمان المقاعد المفقودة، والتي توزعت بين حزب الحركة الشعبية بثلاثة برلمانيين وثلاثة آخرين لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأربعة يتوزعون على أحزاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الدستوري.
ومع ذلك، يشير المتحدث إلى أن فعالية مدونة الأخلاقيات البرلمانية الجديدة تعتمد على عدة عوامل، من ضمنها ضرورة تطبيق المدونة بصرامة ودون تمييز، ووجود آليات فعالة لرصد المخالفات وتطبيق العقوبات المناسبة، وأن تتوفر للجنة المعنية الموارد والصلاحيات اللازمة للقيام بمهامها. مؤكدًا أيضًا أن دور الرقابة، خاصة من قبل المعارضة، سيكون حاسمًا. إذا تمكن الأعضاء المنتدبون ولجنة الأخلاقيات من أداء مهامهم بكفاءة.
وخلص إلى أنه من المتوقع أن تؤدي هذه التعديلات من خلال التطبيق الصحيح، إلى تعزيز الثقة في المؤسسة البرلمانية من خلال التأكيد على الشفافية والنزاهة. المدونة الجديدة تسعى إلى التصدي لأي ممارسات مشبوهة وإهانة للنواب، مما يعزز من صورة البرلمان أمام الرأي العام.
من جانبها، أشادت فرق الأغلبية بمجلس النواب بالتعديلات التي طالت مدونة السلوك والأخلاقيات ضمن النظام الداخلي للمجلس، مؤكدة أن مضامينها “جد متقدمة” و”وجيهة” وسيكون لها “أثر إيجابي” على صورة المؤسسة التمثيلية، مؤكدة أن المدونة الجديدة تتصدى لأي فعل يمثل إهانة للنواب، وتقطع الطريق أمام إضعاف المجلس أو استغلاله كغطاء لممارسات مشبوهة.
اترك تعليقاً