غليون: المجتمعات العربية تعيش صراعا عميقا بين القيم الأخلاقية التقليدية والحديثة

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، برهان غليون، إن المجتمعات العربية تعيش صراعا عميقا بين القيم الأخلاقية التقليدية والحديثة.
وأشار غليون، خلال استضافته بمهرجان ثويزا، إلى تراجع الأخلاق في المجتمع المعاصر، موضحا أن المنظومة الاجتماعية أصبحت تعتمد بشكل متزايد على السياسة والقانون والواجب، بدلا من الاعتماد على الأخلاق.
وشدد على أن الفرد، قبل ظهور الدولة السياسية، كان يسلك طريق الأخلاق بوعي كامل، ويختار الخير على الشر، موضحا أن هناك ثلاثة مصادر رئيسية للأخلاق، أو ما يسمى بـ”الضمير والوجدان”.
واعتبر أن التربية الأسرية تعد الأساس في تكوين الأخلاق، حيث يتلقى الشخص تربية وأفكارا من الأسرة ليعرف كيف يتصرف بشكل أخلاقي. فإذا كان رب الأسرة لا يتحلى بالأخلاق، فمن الصعب أن يكون الأطفال عكس ذلك، حيث غالبا ما يقلد الأطفال آباءهم.
وأضاف أن الأسرة ليست المصدر الوحيد لتعليم الأخلاق، إذ تأتي المدرسة في المرحلة الثانية لتقوم بتربية الأطفال وتعليمهم المبادئ والقيم. ثم تحدث عن الدين كمصدر ثالث للأخلاق، مشيرا إلى أن علاقة الأفراد بالدين أصبحت قلقة، خاصة في الطبقات الغنية.
وأوضح أن الدين كان المنظومة الرئيسية التي تربي الأفراد في كل مجتمع، ولهذا كان المجتمع يعرف بديانته، مثل “مجتمع مسيحي” أو “مجتمع إسلامي”. فالقيم الإسلامية، على سبيل المثال، تتجلى في سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يعتبر قدوة للمسلمين ويمكن الاقتداء به بسهولة من خلال معرفة تاريخ الدعوة وسلوك الرسول والسنن، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن الفلسفة والثقافة والفكر مثلوا مصدرا رابعا للأخلاق بعد ضعف تأثير الدين في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وذكر الفيلسوف “إيمانويل كانت” كأحد أبرز من أعاد بناء النظرية الأخلاقية بعيدا عن النصوص الدينية، مشددا على ضرورة التعامل مع الآخرين كغايات وليس كوسائل، وهو ما يُعرف بمبدأ “عامل الناس كما تحب أن يعاملوك”.
وزاد قائلا: “إن الأسرة والتقاليد والدين كانت أساس الأخلاق حتى القرنين الماضيين، حين أُعيد تأسيس الأخلاق على الفلسفة والعقل، إلا أن هذه المحاولات كانت ضعيفة في المجتمعات العربية. فالكتب التي تناولت النظرية الأخلاقية قليلة، والنخبة المثقفة تنفر من كلمة الأخلاق باعتبارها قيدا، مما أدى إلى فوضى أخلاقية”.
وأوضح أن هذه الفوضى نتجت عن ثلاثة مصادر وهي: التربية الأسرية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للأسرة، والتأثر بمنظومة القيم الغربية التي بدأت تستولي على القيم القديمة.
ومضى يقول: “إن المجتمعات العربية تعيش صراعاً بين منظومتين من القيم: التقليدية والحديثة، مما جعل الوعي بالموقف الصحيح صعبا للغاية. فتحرير المرأة، على سبيل المثال، يعد قيمة إنسانية عالمية، ولكنه يصطدم بالمنظومة القيمية التقليدية في المجتمعات غير المتأثرة بالحداثة”.
وأكد برهان غليون أن المسجد لم يعد قادرا على تعميم القيم القديمة على الجميع، في حين تدخل منظومة القيم الحديثة من خلال وسائل الإعلام ونمط الاستهلاك الجديد، مما أثر على المجتمع وخلق ثقافة جديدة.
واعتبر أن هذا الصراع بين القيم التقليدية والحديثة أدى إلى حالة من الفوضى الأخلاقية، حيث أصبح من الصعب تحديد ما هو صحيح. ودعا إلى ضرورة إعادة التفكير في القيم الأخلاقية في المجتمعات العربية، والتوفيق بين المنظومتين التقليدية والحديثة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
اترك تعليقاً