الاقتصاد الرياضي بالمغرب.. خبير: آفاقه محدودة ودعم الدولة للقطاع غير متوازن

لا شك أن الرياضة تتجاوز كونها مجرد نشاط بدني أو ترفيهي، فهي تمثل اليوم صناعة ضخمة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية واسعة، وفي ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، باتت الرياضة قاطرة للتنمية الاقتصادية، قادرة على خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات، وتعزيز صورة الدول على الصعيد الدولي.
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بالرياضة، وتنظيما لعدة تظاهرات رياضية كبرى، هذه الديناميكية الرياضية توفر فرصة ذهبية للبلاد من أجل تعزيز مكانتها كوجهة رياضية عالمية، لكن الأهم من ذلك هو استغلال هذه الفرصة لتطوير “الاقتصاد الرياضي” وجعله رافعة حقيقية للنمو الاقتصادي.
ويفتح الحديث عن الاقتصاد الرياضي في المغرب آفاقا واسعة للنقاش والتأمل، فمن جهة، يطرح هذا القطاع تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية الرياضية، والكفاءات البشرية، والإطار القانوني والتنظيمي، ومن جهة أخرى، يوفر فرصاً هائلة لخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، من خلال السياحة الرياضية، والتسويق الرياضي، وصناعة المواد الرياضية، وغيرها.
آفاق محدودة
الخبير والمحلل الاقتصادي ياسين اعليا أكد في هذا الإطار، أن آفاق الاقتصاد الرياضي في المغرب لا تزال محدودة، وهو ما يعزى للعديد من العوامل وأهمها بشرية.
وأوضح المتحدث أن نسبة الممارسين للرياضة بشكل مستمر لا تتجاوز 13%، وهو رقم يعتبر ضعيفا جدا، وبخصوص رياضة كرة القدم، التي تعد الرياضة الأكثر شعبية في المغرب، أفاد اعليا بأن عدد المنخرطين في جامعات كرة القدم لا يتعدى 700 ألف، وهو رقم يقل بكثير عن نظيره في إسبانيا، حيث تمنح البلاد أكثر من مليون ونصف رخصة لممارسي هذه الرياضة.
هذا الضعف في الممارسة الرياضية له انعكاسات مباشرة على الاقتصاد الرياضي، حيث لا تمثل مساهمة هذا القطاع في الناتج الداخلي الخام سوى 0.5%، مقارنة بـ2.6% في فرنسا، حسب آخر الإحصائيات.
ويرى اعليا أن الاقتصاد الرياضي مرتبط بشكل وثيق بالمستوى المعيشي للسكان، والذي يظل متوسطًا إلى منخفض، خاصة في ظل الركود الاقتصادي الذي شهده المغرب على مدى العقدين الماضيين.
وأشار الخبير إلى أن الاقتصاد الرياضي يلعب دورا هاما في تحريك العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل صناعة الأجهزة الرياضية، الملابس، النوادي، والإقامات، بالإضافة إلى بيع الأدوية المرتبطة بالقطاع الرياضي، ومع ذلك، فإن هذه الصناعات لا تجد لها موقعًا قويًا في السوق المغربي، نظرًا لضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
دعم غير متوازن
حسب الخبير الاقتصادي ياسين اعليا، فإن دعم الدولة لهذا القطاع يظل غير متوازن، حيث يركز بشكل كبير على الرياضات الأكثر شعبية مثل كرة القدم، مضيفا أن الدولة تخصص مبالغ طائلة من الشركات العمومية والجماعات المحلية لتجهيز البنية التحتية لهذه الرياضة، مما يجعل الاقتصاد الرياضي مرتبطًا بشكل كبير بقطاع كرة القدم، ويحد من فاعليته.
وفي سياق متصل، دعا اعليا إلى اعتماد سياسة رياضية أكثر شمولية، تكون موجهة نحو بناء البنية التحتية وتوفير الدعم من الجماعات المحلية، مستشهدا بالتجربة الفرنسية، حيث تعتبر الجماعات المحلية أكبر ممول لقطاع الرياضة في البلاد، مؤكدًا أن هذا الدور لا يزال ضعيفًا في المغرب.
واستطرد المتحدث قوله بتسليط الضوء على مئات القاعات والبنيات التحتية التي تم بناؤها في المغرب، لكنها تبقى مغلقة في وجه الممارسين، خاصة داخل الجماعات المحلية والمدن المغربية، علاوة على ذلك فإن ضعف استدامة الصيانة والدعم الموجه للقطاع الرياضي يعوق استمرارية هذه البنيات التحتية.
وخلص الخبير الاقتصادي، ياسين اعليا، بالإشارة إلى أن المغرب ورغم تنظيمه للعديد من الأحداث الرياضية الدولية، إلا أن هذه الجهود تظل غير كافية لتحسين الاقتصاد الرياضي بشكل هيكلي ودائم، وهو ما يجعل من الصعب تحويله إلى رافد اقتصادي مستدام يسهم في تحسين مستوى المعيشة وزيادة دخل المواطنين.
اترك تعليقاً