وجهة نظر

علم النفس السياسي

هذا عنوان لكتاب من تأليف “تيليغا”،وترجمة “الغزولي”. ومضمون العنوان أنه لا سياسة بدون دراسة نفسية وبالتالي فنحن أمام مقاربة سلوكية للسياسة والسياسيين.

وإذا كان علم النفس من العشيرة فهل يعني أن السياسي متأثر بالقبيلة؟ وإجابة على هذا السؤال يبرز التأويل للسلوك السياسي. وتطرح الإشكاليات، ونحتاج إلى البرهنة كنقيض للاكتشاف. ونتوق إلى العلمية. إذن لاداعي لتحنيط صور معينة على الشخص السياسي أو جماعته. لأن السلوك السياسي ممارسة اجتماعية.

سيكولوجية الخطاب والإقناع ودمقرطة القيم:

هل يمكن أن نحقق إرادة جمعية مثالية وفاعل ديمقراطي خال من العيوب والأعطاب؟ إذا سلمنا بهذه الفرضية فمن الصعب الحسم في الكلمة السياسية وبرهنتها. لأن المعيار هنا هو المعرفة والكفاءة والديمقراطية النسبية. حتى لا نسقط في المثالية. والرأي العام حاكم ولكن ليس دائما صائبا. لأنه في العمق رأي ورأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. كما أكد على ذلك الحكماء.

أما إذا أخذنا بعين الاعتبار التوجهات والاجتهادات وطبائع الخطاب آنذاك لا فضل لأحد على أحد إلا بالفعل المواطن. ومن الضروري تجنب التعصب الأيديولوجي فتلك الطامة الكبرى التي تؤذي الجميع. لأن هذا نقيض التنوع والتعدد. وبالتالي يجعل التعصب المشتغل به يحن إلى أمور أكل الدهر عليها وشرب. وهل الرأي العام يجتمع على صوت واحد؟

والممارسة مؤشر على ذالك. ورحم الله من عرف قدره واحترم منهجه والتزم حدوده وأبرز للأمة قدوته وحكامته. وإن لم يستحي من الله فليفعل ما يشاء لكن السنن الكونية والاجتماعية لن ترحمه.

هناك خطان متوازيان: أولهما الكفاءة بصيغة المفرد والجمع، والنضج الديمقراطي للمجتمع. هنا تبرز القيم الإنسانية والنبوغ الوطني، وتتعزز البنية النفسية الدارسة للسلوك السياسي. وهذا لا يعني الشمولية لأنها قاتلة وغارقة في الأنا.

لأن سؤال الديمقراطية هو نتيجة طبيعية لسؤال القيم. والعلة في ذلك أن الديمقراطية قيمة، ومن أجل إنجاح الديمقراطية فيجب الإيمان بقيم المواطنة.

وهذا موضوع يتطلب تحليلا مستفيضا. ومن أهم القيم مراعاة السياق في إطار تعددي. مما يؤهلنا جميعا من أجل اجتياز امتحان التراكم المؤدي إلى فهم اللغات السائدة والرموز المستعملة في تسويق الرسائل. وهذا نقيض السطحية والعشوائية والدونية..
لأن القيم ليست ملكا لأحد فهي كل يخدم كلا من أجل كل.فهل نوتر الكلية على التبعيض؟

القيم العليا لعلم النفس السياسي والاجتماعي:

إنه التسامح والتواصل والاعتدال والتوحد المعنوي. كل هذا مرتبط بدراسة نفسية للشخصية السياسية بمعنى آخر: كيف حرارته الاجتماعية؟ كيف هو سلم ترقيه النفسي في إطار المدافعة بين التحلية والتخلية؟ كيف هو تموقعه؟ بل كيف يواجه الرسائل الاجتماعية والسياسية؟ وما نسبة إنجازه ومردوديته؟ وما نصيبه من الشرعية والإنسانية؟ وما هي مواقفه من العصبية واللاتسامح؟ وهل يمكن أن تطبق عليه ميكانزمات علم النفس السياسي؟

لا غرو أن الفكر مؤطر للفعل الاجتماعي. والفكر نظام ولايمكن أن ينتج إلا أنظمة اجتماعية ناضجة. والسياسي جزء من هذه المنظومة إذا كان متمثلا لذلك الفكر المنتج للمعرفة. ومن المفروض فيه أن يكون عالما في مجاله حتى لا يخلق متاعب نفسية واجتماعية وسياسية، وأهمها الفكرية لأن زلته شبهة وانعكاسه السلوكي شهوة.

والمعرفة الاجتماعية تصنع تواصلا مجتمعيا. الذي يشكل الهوية العلائقية للمجتمع مع نخبه. والمعرفة السياسية تعقلن الفعل السياسي الذي يشكل حريقا يوميا لا ينقطع. لأن كل شيء مرتبط بالسياسة. وهي حركية مجتمعية وسياسية يومية.

وبالمعرفة السياسية يرقى المستوى السياسي إلى درجات عليا من النضج والتأهيل والمواطنة والخدمة العامة. بل يحصل تراكم سياس على مستوى الفكر والفعل يؤسس لمرجعيات. وتتعمق أنذاك الجدلية بين الرقي الاجتماعي وعلم النفس السياسي.

يتبع