منتدى العمق

المسار الديمقراطي بعد الربيع الديمقراطي.. نموذج مصر والمغرب

منذ عهود بعيدة جدا والشعوب والأمم تتصارع من أجل الوصول إلى حل مريح للتعايش بين السلطة والحرية..بين المواطن والدولة.. منها من اهتدى بعد صراعات وثورات إلى أنماط للحكم والتسيير، تجد فيه كل الأطراف: المواطن، الدولة بمؤسساتها المختلفة… ذاتها ومكانتها وأدوارها الواضحة ، وهناك من الشعوب من لازالت تتصارع مع دولها من أجل البقاء السياسي، وإذا ما حاولنا إلقاء نظرية حول الواقع العربي فإننا سنجد أن أغلب دول العالم التي حاولت أن تأخد بالنظام الديمقراطي وقعت في مشاكل متعددة انعكست على استقرار أنظمة هذه الدول.

ولا شك أن الثورات العربية أو الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت عددا من البلدان العربية خلال السنوات القليلة الماضية، والتي اصطلح عليها اسم “الربيع العربي”أو “الربيع الديمقراطي” كانت بمثابة هزت عنيفة زعزعت كيانات الأنظمة السياسية في المنطقة.. علما أن حدوث الزلزال غالبا ما يكون في مناطق من القشرة الأرضية التي خضعت لقوى انضغاطية، ولاشك أن الأزمات الهيكلية التي تعيشها الدول العربية كانت بمثابة هذه القوى،.إلا أن نتائج هذا الزلزال وأثاره تختلف باختلاف المناطق وطبيعة القوى وكيفية التعامل مع هذه الهزة العنيفة.

ويمكن اعتبار احتجاجات المواطنين تعبيرا عن معاناة هدفها التصدي للضغوطات، أو يمكن القول التصدي للنخبة السياسية المتواجدة على منبر الحكم. إضافة إلى المطالبة بالحقوق المسلوبة، وتتركز هذه الإحتجاجات على قضايا محددة يمكن الإستجابة لها، ودرجاتها تتصاعد مع رفض السلطة السياسية على الانفتاح على المحتجين.

إن الإختلافات التي ظهرت في نوعية الرد على احتجاجات الشعب العربي، يوضح الاختلاف في طبيعة التحكم السياسي في كل مجتمع، رغم تشابه أسلوب القمع الذي أدى الى الانفجار، فطبيعة النظام السياسي وتكوينه لعب دورا في الاختلافات السلوكية للشارع العربي.

“وأمام غياب التأطير الفكري والفوضى السياسية، فإن الحركات والتنظيمات المتواجدة بالساحة السياسية قبل التغيير والتي تعمل في سر، استغلت وضعية طرح الانتخابات كوسيلة لتبديل القيادات بتعبئة قواها المادية والإعلامية وطرح أنفسهم كبدائل قيادية.

من هنا يمكن القول بأن الديمقراطية التي طبقت في العالم العربي لم تكن غير ديمقراطية شكلية شيدت على أساس إحلال شكلي لقواعد اللعبة السياسية “نظام تحكمي” دون الأخذ بآليات عمل قواعد اللعبة السياسية للنظام المختار بحريته المتعارف عليها ،وما الأحداث التي عاشها المجتمع العربي أو “الربيع الديمقراطي” إلا مثالا وتجسيدا لرفض واستمرارية هذه الوضعية.”[1]

فكيف يمكننا تعريف الديمقراطية؟ وما الفرق بينها وبين المركزية الديمقراطية؟ وماهي المعايير التي تعتمد عليها الدولة الديمقراطية؟ وما مدى تطبيقها في الواقع العربي؟

حظي سؤال الديمقراطية بقدر وافر من الأهمية فكريا وسياسيا خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، فقد بدا الوطن العربي وكأنه يكتشف لأول مرة قيمة الديمقراطية، علما أن عدة مجتمعات جعلت منها لازمة منذ قرون.

ولابد لنا في سياق منقاشة المسار الديمقراطية في البلدان العربية من أن نقوم بمحاولة مشتركة لضبط مفهوم الديمقراطية، وصفة الديمقراطية، والحزب الديمقراطي.

فاذا ما نظرنا لغويا “ينحدر لفظ او مصطلح الديمقراطية “democracy” كما هو شائع في اللغة اليونانية ويتكون من لفظين “demos” وتعني الشعب والتاني “kratos” وتعني حكم.. ويكون مجمل الكلمة حكم الشعب اي بمعنى الحكم للشعب لا لغيره ؛ولم تأخذ الكلمة معنى عينيا خلال هذا المفهوم اللغوي وظل لها هذا المعنى إلى حد الآن”.[2]

أما بالنسبة لصفة الديمقراطية فلا يمكن اكتسابها بمجرد اضافة اللفظ والتشبث بالشعارات وانما هناك شروط موضوعية لاكتسابها فهناك دولة وهناك دولة ديمقراطية ،وهناك حزب وهناك حزب ديمقراطي، وهناك انتخابات وهناك انتخابات ديمقراطية، وهناك دستور وهناك دستور ديمقراطي ، ولابد لنا من فحص المضمون والتأكد من المنهج قبل ان نطلق صفة الديمقراطية او نجربها.[3]

وقد عرفت الموسوعة السياسية الحزب بقول “الحزب السياسي هو مجموعة من الناس دوي الاتجاه الواحد والنظرة المثماتلة والمبادئ المشتركة يحاولون أن يحققو الأهداف التي يؤمنون بها يربطون بعضهم ببعض وفقا لقاعدة أو قواعد تنظيمية مقبولة من جانبهم تحدد علاقاتهم واسلوبهم في العمل”.

ومن أجل أن يكون الحزب ديمقراطيا لابد من ان يعتمد على القيادة الجماعية ومبدئ التناوب والتداول للمسؤوليات ويعترف باخطائهم وينتقدها بشكل دوري أمام المواطنين؛ لكن في حالة لم تمارس الديمقراطية داخل الحزب نفسه فلى يمكن ان ياتي بها الى المجتمع بل يعتمد فقط مركزية الديمقراطية متسترة بقناع ديمقراطي وغالبا ما تنتهي هذه الأحزاب إلى هيمنة فرد غير غاضع للمحاسبة على الحزب والسلطة وليس مستبعدا ان يتم انتقال السلطة في هذه الاحزاب عن طريق الوراثي.

وعرفت الموسوعة السياسية المركزية الديمقراطية بأنها :”تعبير ابتكره شيوعيون للتعبير عن المركزية التي تتمتع بها رئاسة الحزب الشيوعي على اعضائه والديمقراطية التي يتمتع بها الأعضاء هي مناقشة القرارات وسياسة الحزب بحيث تلتزم الاقلية تماما بقرار الاغلبية”.

من اجل القضاء على اختلاف آراء داخل الحزب المركزي يستعمل شعار وحدة الفكر والإرادة والعمل بالاعتماد على الطاعة والخضوع مما هو واضح أنه تقليد عسكري لا يلائم بتاتا مع حزب سياسي ديمقراطي لهذا السبب وجب على كل فرد الاضطلاع على معايير الديمقراطية من اجل تحقيقها في المجتمع. نلخصها في خمسة معايير اساسية:

– المشاركة الفعالة: يجب أن يحظى جل الأعضاء بفرص متساوية من أجل إبداء آرائهم المتعلقة بما يجب أن تنبني عليه السياسة المتبعة أمام الأعضاء الآخرين.

– المساوات في عملية الاقتراع: عندما يحين الوقت لتقرير السياسة المتبعة فإن كل عضو يجب أن يتمتع بفرص متساوية في التصويت كما أن كل الأصوات يجب أن تعامل بطريقة متساوية.

– الفهم المتنور: على كل عضو أن يمتلك نفس الفرص في حدود معقولة من الوقت، للاطلاع على السياسات البديلة المتاحة و ذات صلة، و عواقبها المحتملة.

– التحكم في البرنامج: واجب على الأعضاء أن تكون لهم الفرصة لتقرير كيفية طرح القضايا التي ستوضع على جدول الأعمال، يعني ذلك أن العملية الديمقراطية التي تتطلبها المعايير الثلاثة السابقة لا تغلق أبدا، يعني ذلك أيضا أن السياسات الجمعية ذاتها مفتوحة للتغيير على يد الأعضاء إذا ما أرادوا ذلك.

– إدراج البالغين: يجب أن يمتلك معظم السكان البالغين الحقوق الكاملة للمواطنة التي تنص عليها المعايير الأربع.[4]

و انطلاقا من هذه المعايير يمكن القول بأن الديمقراطية داخل الأحزاب تتأثر بالعوامل الثلاثة التالية:

· مدى رسوخ النظام الحزبي و استقراره.

· طبيعة النظام الانتخابي المعمول به.

· التباين بين نظام الأحزاب المتعددة و نظام الحزبية.

من أجل معرفة مدى تطبيق هذه المعايير على الواقع العربي، سأحاول رصد الحراك السياسي في الوطن العربي على مستويين:

– الثورات التي نجحت في البداية في إسقاط رأس النظام و كيف تم استكمال مسيرتها، – نموذج مصر-.

– الإحتجاجات التي انتهت ببعض الإصلاحات السياسية، – نموذج المغرب-.

1- الثورات التي نجحت في البداية في إسقاط رأس النظام، – نموذج مصر:

كانت البداية يوم 25 يناير 2011:هناك من وصفها ثورة سياسية لم تكتمل، و هناك من قال إنها حركة جماهرية واسعة نجحت في إسقاط رأس النظام القديم، و هناك من أرجع سبب نجاحها إلى العدد الهائل للمحتجين إضافة إلى طبيعة الثورة التي كانت سلمية دون قيادة أو رأس و لا تتسم بالطبقية.

و رغم اندلاع هذه الثورة بشكل مفاجئ دون سابق إنذار إلا أن هناك بالضورة ترسبات لخلفيات ممتدة من أعوام، و التي كانت سببا في انبثاق هذه الرغبة القوية في التغيير من قلوب كل المصريين، سواء طبقات حضرية أو متعلمة أو شباب أو شياب. فقد كان مطلبهم الأساسي واحد، هو العيش دون أي مشروع سياسي أو اقتصادي يخدم المصالح الطبقية.

و كان من أهم الأسباب التي فجرت هذه الصرخة الشعبية : الركود السياسي و تزوير الانتخابات إضافة إلى مسألة توريث السلطة و مدى أثرها على الشعب، أيضا تجاهل النظام الغير معقول للاحتجاجات العمالية مما أدى إلى تزايد سخط الشعب.

“ورد خطاب التنحي الذي ألقاه اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية أن مبارك فوض المجلس الأعلى للقوى المسلحة إدارة شؤون البلاد، و في يوم التنحي أصدر هذا الأخير بيانا تعهد فيه بالإشراف على إدارة المرحلة الانتقالية و نقل السلطة إلى رئيس منتخب و ذلك مع الابقاء على الحكومة القائمة آنذاك و هي حكومة الفريق أحمد شفيق لتصريف الأعمال.”[5]

رغم إدارته المباشرة لتلك المرحلة الانتقالية، فلم يكن للمجلس العسكري أي سند دستوري، مما فجر جدلا سياسيا حول كيفية تنظيم هذه المرحلة، انتهت بترجيح إبقاء حكومة أحمد شفيق و إدخال بعض التعديلات على بعض مواد الدستور.

و كان انحياز المؤسسة العسكرية لمطالب الشعب هو القرار المناسب لها من أجل السيطرة على الثورة الشعبية، و قد صورت بيانات المجلس الأولى تصريحات المؤسسة العسكرية على أنها حامية للثورة و ضامنة لها ، إلا أن لجوء المجلس العسكري لاستخدام العنف أدى إلى اتساع الفجوة بينه و بين الثوار.

بناءا على هذه الأحداث تمت الانتخابات البرلمانية، و التي اتسمت بنزاهة تامة، كما تميزت بتفاوت كبير في نسبة التصويت، و أسفرت النتائج سوآءا بالنسبة لمجلس الشعب أو مجلس الشورى، على فوز حزب الحرية و العدالة، بأكبر عدد من المقاعد، و ختمت بانتخاب الدكتور مرسي كرئيس لجمهورية مصر العربية.

رغم ذلك فقد اتسمت هذه المرحلة الانتقالية من سقوط مبارك في 11 فبراير 2011 إلى انتخاب الرئيس مرسي في يونيو 2012، بغموض نيات المؤسسة العسكرية بالنسبة للثورة و الثوار. فمع اقتراب تسليم السلطة للرئيس المنتخب أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا قلص من سلطات الرئيس و نقل سلطة التشريع إلى المجلس العسكري، الشيء الذي أدى إلى وضع إدارة الرئيس في حالة تردد بين الحرص على الحفاظ على حالة التوافق المبدئي مع المعارضة و الحذر من الصدام مع المؤسسة العسكرية، و من بين الأخطاء التي وقعت فيها إدارة الرئيس أنها ظنت أن الجهاز الإداري سيخضع لها و أنها ستتمكن من إصلاح مؤسسات دولة مبارك بالتدرج.

كل هذه التحديات أدت إلى اتساع الفجوة بين الرئيس و قطاعات عريضة من الشعب، ليسوا من مناصريه أساسا بل صوتوا له أملا في إحداث تغيير ملموس.

بالموازاة مع كل هذه الأحداث لم تتصرف المعارضة كمعارضة منصفة و مسؤولة ، بل كمعارضة انقلابية، بممانعتها و مقاطعتها و استدعائها للمؤسسة العسكرية، بل و تعدت ذلك بالاستعانة بالخارج و التعامل مع رموز النظام القديم، فساهمت بدورها في إحداث حالة الاستقطاب و إفشال المرحلة الانتقالية الثانية، و بذلك أضاعت الأطراف السياسة في مصر فرصة تاريخية لإحداث تحول ديمقراطي و القطيعة مع النظام القديم و بناء مؤسسات ديمقراطية حديثة و فعالة، و ارتكبت أخطاء أساسية في عملية الانتقال و التحول.

2- الاحتجاجات التي انتهت ببعض الإصلاحات السياسية – نمودج المغرب-

اتخذت بعض الدول جملة من الاجراءات استهدفت بها تحقيق إصلاحات دستورية سياسية فضلا عن التدابير الاقتصادية، بقصد احتواء الحركات الاجتماعية وقطع الطريق على تحولها إلى ثورات، وقد كان المغرب هو النموذج الابرز.

لا يمكن إنكار دور التحولات التي طرأت على الدول العربية في انبثاق حركة 20 فبراير، لكن لا يمكن القول او الادعاء بان الحركة كانت تقليدا لما عرفته البلدان العربية الاخرى، لكن نزول الشعب المغربي للشارع كان من اجل مطالب سياسية تتعلق بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد. تميزت الاحتجاجات بنضج سياسي وادراك كبير للاختلالات التي تحول بين المغاربة وبين الديمقراطية.

كما أنه كان هناك اتزان تام في تعامل السلطات الامنية مع المحتجين الذين كانوا يعكسون طموحات الشعب المغربي بكل الوانه سياسية، وفكرية، واجتماعية، والذين كانوا من كل التوجهات (علمانيون، يساريون، اسلاميون، امازيغ، وليبراليون…).

أهم مطلب كان بالنسبة للمغاربة هو” اسقاط الفساد والاستبداد”. اي الفساد السياسي الذي ثم بصناعة حزب سلطوي جديد يترأسه فؤاد علي الهمة (صديق الملك)، والذي تصدر المشهد الحزبي في ظرف وجيز، وكيف حصلوا على الرتبة الأولى في الانتخابات البلدية واحتلال مكانة في البرلمان بغرفتيه دون المشاركة في الانتخابات التشريعية في 2007.[6]

الرسالة كانت واضحة والاستجابة كانت سريعة، فقط ألقى الملك محمد السادس خطابا في 9 مارس أعلن فيها الاستجابة لأهم المطالب التي دعى إليها المحتجون ،وأكد على التعديل الدستوري الشامل وتوطيد مبدأ فصل السلط، وتوازنها وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات، ومن أهم التعديلات التي كانت:

“- تعزيز فصل السلط.

– زيادة صلاحيات رئيس الوزراء مع حصر التشريع في مجلس النواب.

– تفعيل دور المعارضة التي ثمنها الأقلية البرلمانية.

– وقف حق الفتوى على المجلس العلمي الأعلى.

– تكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة.

– توسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها وتطوير منظومة حقوق الانسان.” [7]

بناء على هذه التعديلات ،أجريت الانتخابات البرلمانية مبكرا، و تميزت بنزاهة تامة وانتهت بفوز حزب العدالة والتنمية، وتعيين عبد الاه ابن كيران رئيسا للحكومة

.فكانت أول حكومة يقودها الإسلاميون منذ استقلال المغرب، وهنا نسجل التفاعل الإيجابي للسلطات العليا واختلافها عن باقي الدول العربية التي استخدمت لغة العنف ،مما ادى الى اسقاط الالاف بل عشرات الالاف من الضحايا ..

ويبقى نجاح التجربة المغربية مسؤولية جميع المؤسسات والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، لأن استجابة السلطة كانت مختلفة تماما عن باقي البلدان العربية مما ادى الى تخطي هذه العتبة الأولى ومحاولة إصلاح ومحاربة الاستبداد.

وكلنا في انتظار تأكيد نجاح هذه التجربة فيما ستسفر عن الانتخابات المقبلة ل أكتوبر 2016.

ـــــــــــ

[1] – قانون و أعمال: الديمقراطية و التحول السياسي في العالم العربي .العزي علياء.. ص 131

[2] – مفهوم الديمقراطية. محمد علي أبو دبوس. ص22

[3] – الديمقراطية داخل الأحزاب و البلدان العربية. علي خليفة الكوري, ص 17.

[4] – عن الديمقراطية. روبرت دال. ص49 – بتصرف-.

[5] – الثورات و الاحتجاجات العربية و إشكالية الانتقال الديمقراطي ..أحمد أحمد يوسف محرر.. ص 123

[6] – الفرقان، عبد العالي حامي الدين، ص 48 – بتصرف- .

[7] – الثورات و الاحتجاجات العربية و إشكالية الانتقال الديمقراطي,أحمد أحمد يوسف محرر, ص180